يديعوت احرونوت: انتهى عصر الاحتواء
يديعوت احرونوت 23/9/2024، رون بن يشاي: انتهى عصر الاحتواء
في بداية المعركة، وربما الحرب، في الشمال يجب الاعتراف بان حزب الله يهدد إسرائيل في جبهتين. الأولى هي التهديد على عموم الجبهة الداخلية والبنى التحتية العسكرية والمدنية في إسرائيل، بصواريخ بعيدة المدى ثقيلة واساسا دقيقة جمعها حزب الله. الثانية هي جبهة الحدود التي يهددها حزب الله من خلال قوة الرضوان، السلاح الصاروخي، المُسيرات ومضادات الدروع على بلدات الحدود وسكانها. وبينما في الجبهة الداخلية لم يتحقق التهديد على إسرائيل بعد، ففي جبهة الحدود نجح حزب الله عمليا في خلق قاطع أرض محروقة داخل أراضي إسرائيل اخلاها 60 الف من سكانها وهم يعيشون منذ نحو سنة خارج بيوتهم، وهي تدمر وتحترق اكثر فأكثر كل يوم.
في قرار الكابنت قبل نحو أسبوعين قضت حكومة إسرائيل بان هدف الحرب ليس إزالة التهديدين اللذين يطرحهما حزب الله على إسرائيل بل واحد منهما فقط: التهديد على سكان وبلدات الشمال، عمليا حتى خط حيفا. هذه ليست صدفة. فكي يتصدى الجيش ويصفي التهديد العام على الجبهة الإسرائيلية الداخلية يتعين على دولة إسرائيل أن تخرج الى حرب شاملة تكون طويلة وسندفع فيها ثمنا باهظا بالخسائر وبالضرر الاقتصادي في الجبهة وفي الجبهة الداخلية أيضا ومعقول جدا أن تجر أيضا ايران ووكلاءها الاخرين لمشاركة مباشرة في الحرب.
إدارة بايدن – هاريس توضح لإسرائيل في الأيام الأخيرة بضع مرات في اليوم بانها لا تريد حربا شاملة تبدأها إسرائيل لانها ستشعل حربا إقليمية ستضطر الولايات المتحدة لان تشارك فيها، سترفع أسعار النفط في السوق العالمية ومن شأنها ان تتسبب بخسارة كمالا هاريس في الانتخابات. كما أن حزب الله واسيادة الإيرانيين لا يريدون حربا شاملة. نصرالله يعرف أن لبنان وبناه التحتية ستتعرض لدمار رهيب وسكان لبنان، بمن فيهم الطائفة الشيعية، سيتهمونه بالمسؤولية عن الكارثة التي اوقعها عليهم.
إضافة الى ذلك، ترى ايران في الصواريخ الثقيلة المخصصة لان تنزل على مطارات سلاح الجو وعلى الكريا في تل ابيب ذخرا معدا لردع إسرائيل من هجوم على منشآت النووي في ايران – وعليه فان ايران معنية جدا الا تمس الحرب الحالية بسبب حماس في غزة بالمصالح الحيوية للامن القومي الفارسي.
بالمقابل، قررت إسرائيل فتح معركة عسكرية دبلوماسية متداخلة بتعاون مع الولايات المتحدة كي تحقق هدف الحرب المعلن: إعادة سكان الشمال الى بيوتهم بامان. بخطوط عامة، “الفكرة العامة” هي ممارسة ضغط عسكري متعاظم على حزب الله وبالتوازي بذل جهد وساطة دبلوماسية – مرغوب فيه سري – بهدف الوصول الى صيغة تسمح لإسرائيل بتحقيق الامن لسكان الشمال وابعاد نصرالله قواته وسلاحه الثقيل عن حدود إسرائيل دون أن يبدو كمن استسلم وفقد تماما مكانته في العالم العربي.
هذه مهمة غير بسيطة لكنها ممكنة، واساسا اذا ما واصل الجيش الإسرائيلي التمسك بثلاثة مباديء: المبادرة، التواصل والتحكم بالتصعيد. واذا ما ادار الامريكيون بالتوازي – وربما حتى من خلال وسطاء عرب مغفلين – المفاوضات الدبلوماسية للوصول الى ترتيب يكون مقبولا من الطرفين. بالنسبة للضغط العسكري، تفيد التجربة بان حزب الله مستعد لان يتحدث فقط عندما يكون خطر حقيقي على وحدة لبنان الإقليمية وأمن ورفاه أهالي الطائفة الشيعية الذين هم الأغلبية في لبنان.
المبادرة للخطوة اتخذت منذ الان وابتداء من يوم الثلاثاء الماضي نحن نرى اعمالا عنيفة آخذة في التعاظم. والان ينبغي الإصرار على المبدأين الآخرين. بداية التواصل: عدم السماح للعدو بالتنفس، مفاجأته بكل طريقة ممكنة. هذا سيسمح أيضا بتحقق المبدأ الثالث، التحكم بالتصعيد: فالتجربة العسكرية من حرب الماضي تثبت ان الطرف الذي يكون بوسعه أن يواصل التصعيد بعد أن انتقل الطرف الاخر الى القتال السلبي ينتصر بشكل عام في المعركة او في الحرب. لقد جلب الجيش الإسرائيلي الى المستوى السياسي سلسلة خطط اعدها سلاح الجو وشعبة العمليات في الجيش منذ بضع سنوات، وهي تسمح للمستوى السياسي لان يقر مرحلة أخرى في التصعيد المبادر والمتواصل. اذا استمر هذا دون ترك القتال في قطاع غزة ودون تخفيف الضغط على عناصر الإرهاب في الضفة، يكون احتمال ان في غضون بضعة أسابيع – نعم ليس اقل من بضعة أسابيع – سيكون نصرالله واسياده الإيرانيون اكثر انصاتا بكثير للاقتراحات التي تقدم لهم بها الوسطاء سرا كي يحموهم من فقدان الكرامة الذي هو هام جدا في العالم الإسلامي.
في حالة الا تكفي ضربات النار الجوية والمدفعية لاقناع نصرالله الدخول في مفاوضات جدية على الترتيب توجد لإسرائيل إمكانية للتصعيد من خلال مناورة برية. معقول الافتراض بان يناور الجيش الإسرائيلي داخل لبنان بطريقة عمل مشابهة جدا للمناورة الغزية في أكتوبر 2023. في غضون بعض من الوقت سيرابط الجيش على خط ما وعندها توضح إسرائيل والولايات المتحدة لنصرالله بان الانسحاب من هذا الخط لن يكون الا بترتيب. سيكون لنصرالله اسهل بكثير ابتلاع القرص المر لانه على أي حال سيكون الجيش الإسرائيلي في وضع يفكك فيه البنى التحتية والقدرات العسكرية لحزب الله في جنوب لبنان.
اذا ما تحقق هذا السيناريو فسيكون ممكنا إعادة سكان الشمال الذين اخلوا بيوتهم والبدء بترميم الدمار. اذا لم يوافق نصرالله، فستكون لإسرائيل مفتوحة الطريق للتصعيد الى حرب شاملة. يوجد احتمال جيد ان تفعل خطة الهجوم على مراحل هذه فعلها لكن بعد أن يتحقق الترتيب بواسطة مفاوضات دبلوماسية، يأتي الاختبار الحقيقي لحكومة إسرائيل: فرض الترتيب اذا لم يحترمه حزب الله، والتصميم الذي يعالج فيه كل خرق. على الحكومة في القدس ان تفهم بان عصر الاحتواء انتهى حتى لو تحققت تسوية مرضية.