يديعوت احرونوت: الدرس السوري في طهران

يديعوت احرونوت 15/12/2024، راز تسيمت: الدرس السوري في طهران
في اثناء موجة الاحتجاج التي نشبت في ايران في أواخر 2017 على خلفية الوضع الاقتصادي المتفاقم أعرب مواطنون إيرانيون كثيرون عن تحفظهم من حالات افسدت فيها ممتلكات عامة واستخدم فيها العنف. في الشبكات الاجتماعية انطلقت في حينه حملة تحت شعار: “ايران ليست سوريا”. حذر فيها المتظاهرون من أن يصعدوا الوضع حتى الحرب الاهلية. نشيط حقوق الانسان والصحافي الإيراني مهدي محموديان تطرق هذا الأسبوع للخوف الذي في أوساط الكثيرين ممن ينتقدون النظام الإيراني من تغيير ثوري يؤدي الى فوضى سياسية. في مقال رأي نشره في اعقاب انهيار نظام الأسد كتب محموديان بان الاحداث الأخيرة في سوريا اثبتت بان الخوف من تحول ايران الى سوريا وانزلاقها الى حرب أهلية وانقسامها في سيناريو تغيير النظام ليس مبالغا فيه. وعلى حد قوله فان امتداد الحرب الاهلية في سوريا وتدهور الدولة الى واقع فوضوي نبعا من التدخل الأجنبي في سوريا ومن معارضة الأسد المستمرة لاصلاحات حيوية ولنقل مرتب للحكم. وبالتالي لا خوف من تغيير النظام في ايران او من تحولها الى سوريا لان الخوف من انهيار النظام يفاقم الوضع فقط.
يجدر التشديد على ان الظروف في ايران مختلفة بشكل جدي عن وضع سوريا في السنوات الأخيرة. فحرب أهلية لاكثر من عقد تركت سوريا دولة فاشلة، مفككة ومنقسمة الى مناطق نفوذ وسيطرة باسناد من دول اجنبية تدهور وضعها الاقتصادي والأمني. صحيح أن السياقات الاجتماعية العميقة والضغوط المتزايدة من الداخل ومن الخارج تضع امام النظام الإيراني تحديا ثقيل الوزن من شأنه على مدى الزمن أن يعرض مكانته بل واستقراره للخطر، لكن النظام نجح حتى الان في أن يقمع بنجاح موجات الاحتجاج التي نشبت في السنوات الأخيرة وحافظ ليس فقط على وحدته الداخلية بل وأيضا على تصميمه على تنفيذ أفكاره الأساس.
على الرغم من ذلك لا شك أن في ايران أيضا يدرسون في هذه الأيام الدروس من انهيار نظام الأسد وتداعياته المحتملة على بقاء واستقرار النظام الإسلامي. في الأيام الأخيرة يجري في الجمهورية الإسلامية حوار جماهيري متزايد حول الدروس التي ينبغي استخلاصها من الاحداث في سوريا. المحلل السياسي والناقد للنظام صادق زيبقلام علق هذا الأسبوع الانهيار السريع للاسد بفقدان قاعدة الدعم الجماهيري له من الأغلبية الساحقة لمواطني سوريا. واعترف بان الظروف في ايران مختلفة جدا مقارنة بسوريا وانه في الجمهورية الإسلامية لا يزال واضحا استعداد من جانب مؤيدي النظام للتجند من اجله. ومع ذلك، شدد على ان الدرس الأهم الذي على السلطات في طهران ان تتعلمه من سوريا هو ان النظام الذي يفقد التاييد الجماهيري لن يكون بوسعه أن يستعين على مدى الزمن بقوته العسكرية او بالدعم الأجنبي كي يضمن بقاءه.
في أوساط المعسكر الإيراني المحافظ أيضا سمعت أصوات شددت على الحاجة لتقليص الفجوة بين النظام والجمهور وزيادة التضامن الاجتماعي من خلال تحسين الوضع الاقتصادي والاستجابة لمطالب الجمهور. رئيس مجلس مدينة طهران، مهدي شمران ادعى على خلفية الاحداث في سوريا بان الدرس من سقوط نظام الأسد هو وجوب الاستماع للمواطنين واحترام ارادتهم ليس فقط بالاقوال بل وبالافعال أيضا. والى ذلك ازادادت هذا الأسبوع الدعوات لتجميد او رفض تطبيق قانون الحجاب الذي اقر مؤخرا في البرلمان ويفرض عقوبات جسيمة بما فيها غرامات عالية ومنع خدمات اجتماعية، عن نساء لا يحرصن على اعتمار الحجاب. منتقدو القانون، بمن فيهم أيضا الرئيس مسعود بزشكيان وبعض من رجال الدين الكبار حذروا من أن تنفيذ القانون في الوقت الحالي من شأنه أن يوسع اكثر الفجوة بين السلطات والمواطنين وزيادة النقد الجماهيري. دعوات سمعت أيضا في صالح تنفيذ وعد الرئيس لإزالة بعض القيود المفروضة على الشبكات الاجتماعية.
لكن بالذات على خلفية الأصوات الداعية الى تخفيف التوتر بين السلطات والجمهور تناول الزعيم الإيراني علي خامينئي التطورات في سوريا واطلق رسالة مختلفة تماما: في خطاب في طهران اعلن الزعيم بان الدرس الذي ينبغي استخلاصه من الاحداث في سوريا هو أنه محظور تجاهل الأعداء او الاستخفاف بهم. وعبرت أقواله عن عادته بعيدة السنين لاحالة المسؤولية عن التحديات الداخلية الى العدو الخارجي الذي يستعين زعما بالعدو الداخلي. وفي اثناء موجة الاحتجاج التي عصفت بايران في السنوات الأخيرة ادعى خامينئي بان الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة هي التي تتحمل المسؤولية عن الجهود لضعضعة نظامه.
خطاب خامينئي لا يوفر سببا للتفاؤل بالنسبة لاستعداد من جانب النظام لتخفيف القمع المدني والسياسي الذي تفاقم في السنوات الأخيرة، مثلما يبدو الامر مثلا في الارتفاع الكبير في عدد الاعدامات. يبدو أن الزعيم الإيراني يولي في هذه المرحلة أهمية اكبر للحفاظ على قاعدة التأييد الأيديولوجي له – مهما كانت ضيقة – على الحاجة للاستجابة لمطالب المواطنين وتوفير جواب لازماتهم. تثبت تجربة الماضي بان تشديد القمع وان كان يساعد السلطات في التصدي للتحديات الداخلية في المدى القصير لكن على مدى الزمن فيه ما يفاقم ازمة شرعية النظام ويعزز ميول التطرف في أوساط الجمهور. في أي حال ستبقى التطورات الدراماتيكية في سوريا تجتذب اهتماما كبيرا في ايران. وذلك في الوقت الذي تعود مسألة تغيير النظام الى جدول الاعمال في ضوء ضعف ايران والمحور الشيعي، الاقتراب من نهاية عصر الزعيم الحالي وقبيل عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض. بريان هوك الذي كان مسؤولا عن الملف الإيراني في أدارة ترامب السابقة، وان كان اعلن مؤخرا ان إدارة ترامب لا تسعى الى تغيير النظام في ايران لكن في الجمهورية الإسلامية وخارجها يستعدون منذ الان الى إعادة تنفيذ سياسة الحد الأقصى من الضغوط الكفيلة بان تخلق فرصة لضعضعة النظام.