هشام النجار: الإخوان يواجهون سيناريوهات ما بعد حرب غزة بتأليب الشارع العربي
هشام النجار 2024/04/01: الإخوان يواجهون سيناريوهات ما بعد حرب غزة بتأليب الشارع العربي
أطلق قادة بحركة حماس وجماعة الإخوان دعوات ترمي إلى زعزعة استقرار بعض الدول العربية مع اقتراب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من مراحلها النهائية، والتي سوف تُفضي إلى نتائج ميدانية وتسويات سياسية لن تصب في مصلحتهما، ما عُد محاولة أخيرة لخلط الأوراق وقطع الطريق على تهميش تيار الإسلام السياسي وتقليص أدواره.
وتزامن نشر كتائب عزالدين القسام (ذراع حماس العسكرية) لخطاب قائدها محمد الضيف في الثامن والعشرين من مارس الماضي حث فيه المواطنين في الأردن ومصر ولبنان وغيرهم على الزحف نحو فلسطين لتحرير المسجد الأقصى، مع دعوات في السياق نفسه أطلقها مفتي ليبيا الصادق الغرياني.
ووجه الغرياني المحسوب على جماعة الإخوان نداء لحراس الحدود في المعابر حول قطاع غزة والضفة الغربية ليسمحوا للمسلمين في مصر والأردن باقتحامها لنصرة الفلسطينيين وإنقاذ نسائهم وأبنائهم وعائلاتهم.
وأفتى الغرياني الذي تكرر تحريضه على المؤسسات والجيوش العربية لحساب جماعة الإخوان، وفقا لقناة التناصح الليبية عبر منصة إكس، بأن دخول المسلمين المعابر ونصرة إخوانهم فرض عين دفاعا عن إخوانهم، معتبرا أي جهة أمنية تابعة للأردن ومصر تمنع هذا التحرك متعاونة مع إسرائيل وتحمل وزر من يقتل المسلمين في غزة.
وترمي هذه الدعوات إلى إثارة الشارع العربي ونشر الفوضى في المنطقة على غرار ما حدث في انتفاضات ما عُرف بالربيع العربي عبر توظيف قضايا ظاهرها الانتصار للكرامة العربية والدفاع عن المبادئ والحقوق، وفي جوهرها تنذر بالدخول في فصل جديد من المؤامرات التي ألحقت ببعض الدول العربية خلال السنوات الماضية الأذى والضرر.
توظيف مفضوح
وتوضع دعوات رموز حماس والإخوان في سياق خطط عودة تيار الإسلام السياسي إلى الانخراط في الأحداث الجارية ومحاولة إنهاء أزمته وانكساراته في المنطقة العربية ومحاولة ربط مناصرته شعبيا بفكرة حضور لحظة تاريخية فارقة في الصراع بين الغرب والشرق من جهة، والعرب وإسرائيل من جهة أخرى على أرض فلسطين.
وأثبتت التطورات التي واكبت تظاهرات خرجت بالأردن في السابع والعشرين من مارس الماضي عندما حصلت عدة اعتداءات من قبل مدسوسين على أفراد الشرطة وإضرار بعض المتظاهرين بالممتلكات العامة، وجود أهداف أبعد من إظهار التضامن مع غزة والفلسطينيين تتعلق باستعادة مشاهد الثورات العربية واستغلال تيار الإخوان للحشود الغاضبة.
وتحاول جماعة الإخوان اقتناص الفرصة الراهنة لإنقاذ حركة حماس من المزيد من التدهور والعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر الماضي، وعينها على توظيف زخم الجماهير لتكرار ما حدث قبل يونيو 2013 في مصر. وزعم المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان (جبهة إسطنبول) أن ما حدث في هذا التاريخ عندما عزلت الجماهير المصرية من وصفه بالرئيس المسلم (محمد مرسي) أدى إلى استفراد إسرائيل بالفلسطينيين، ما يعني في نظره أن مشروع الإخوان في السلطة يحمي القضية الفلسطينية.
وتعيد حالة التثوير في المشهد الحالي حضور الجماعات الجهادية التي ارتفعت معدلات التجنيد في صفوفها نتيجة عرض المشاهد المأساوية في غزة، وحضور أطراف مختلفة تنافس على تبديد الاستقرار في المنطقة واستغلال هجمات السابع من أكتوبر والسعي لإعادة تشكيل الخرائط. وأطلق قادة لميليشيات موالية لإيران مثل حسن نصرالله زعيم حزب الله دعوات تحريضية مماثلة ضد دول عربية تستخدم ثقلها في سبيل إيقاف الحرب، مثل السعودية ومصر والأردن وإيجاد حلول واقعية للصراع.
وعكف إعلام ما يسمى بـ”محور المقاومة” الفترة الماضية على الترويج لمزاعم، مفادها أن الأردن يتماهى مع الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وأن الولايات المتحدة تستخدم المطارات والقواعد العسكرية الأردنية لإمداد إسرائيل بالأسلحة، وهو ما نفته القوات المسلحة الأردنية.
وتهدف أذرع إيران وجماعة الإخوان إلى صرف الأنظار عن أخطاء محور المقاومة التي أفضت إلى الكارثة القائمة وإظهار أن مقاربتها في الصراع هي الصواب، بالتوازي مع إلقاء اللوم على بعض الدول العربية وإظهارها في موقف المتخاذل في حق القضية الفلسطينية، وجعل ذلك مبررا لإعادة الاعتبار لمشروع هيمنة الإسلاميين السنة والشيعة على الفضاء العربي.
ويُعد مخطط تكثيف الانتقادات للدول العربية والضغط على شعوبها لتثوير الشارع ورقة يحاول بها إسلاميون سنة وشيعة التعامل بها مع التحولات الهائلة في المنطقة وخطط ما بعد الحرب على غزة، التي عززت الفجوة العسكرية بين إسرائيل وحماس وحزب الله. وتواجه حركة حماس التي اقترف قادتها الميدانيون خطأ فادحا بعدم استباق ردة فعل إسرائيل الجنونية سيناريوهات قاتمة في ما يتعلق بمستقبلها، فمحاولاتها للاستمرار في المشهد بعد انقضاء الحرب بعيدة المنال، وقد يقضى عليها عسكريا تماما وتفقد حيثياتها السياسية السابقة.
وتدرك حماس أن غالبية الفلسطينيين في غزة مهيؤون لقبول فكرة مستقبل القطاع بدونها عسكريا وإداريا، ويلومها كثيرون على معاناتهم وتجاهلها عواقب هجومها على إسرائيل وعدم اكتراثها بمصير المدنيين العزل.
كما يعجز حزب الله عن التعامل مع المتغيرات الإقليمية المتسارعة في ظل تجنبه خوض حرب شاملة مع إسرائيل، على الرغم مما يتلقاه من ضربات مؤلمة في قلب معاقله، علاوة على ما لحق بصورته كحركة مقاومة تتحلى بالمبادئ، من تشوه على الصعيدين العربي والإسلامي، بوقوفه متفرجا على قيام إسرائيل بتقطيع أوصال غزة وإبادة عدد كبير من السكان دون رد فعل يتواءم مع الحدث، على عكس ما كان يتمناه قادة حماس.
ويقابل حزب الله والموالون لمحور المقاومة الروايات الرائجة جماهيريا التي تتهمه برفع شعارات الجهاد وتحرير القدس وتبني القضية الفلسطينية لنيل مكاسب طائفية ضيقة والتسبب في جعل الفلسطينيين وحدهم يدفعون الثمن، برواية خذلان العرب للقضية الفلسطينية، في محاولة للدفع بقطاع من الجماهير العربية للثورة ضد حكوماتهم.
وكما تهدد سيناريوهات ما بعد الحرب مستقبل حماس بوضع السيطرة على أراض في الضفة وغزة في أيدي السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها وبعد مرحلة انتقالية تقود في نهاية المطاف إلى دولة قابلة للحياة في الضفة وغزة بجانب إسرائيل، فإنها أيضا تؤسس لنظام إقليمي جديد يتقلص فيه دور إيران وأذرعها، وفي مقدمتها حزب الله.
وتريد إيران والجماعات الموالية لها أن تظل قضية فلسطين مفتوحة دون تسويات لإبقائها قابلة للتوظيف والاستغلال، وما دامت قد عجزت عسكريا عن ضرب مسار التسويات فقد لجأت إلى الخطط البديلة. ويهدف محور إيران إلى رسم سيناريوهات سوداوية للمنطقة بأكملها عبر النفخ مجددا في تصدير الثورة وتصعيد النعرات الدينية وخلق ما يعرقل المسارات التنموية للدول العربية الفاعلة في الإقليم.
معضلة الدعم
ويواجه تيار الإسلام السياسي معضلة في عجزه العسكري وداعميه السياسيين، وإمكانية قبول إسرائيل بما لم تكن تقبله من قبل وهو إقامة دولة فلسطينية، والاستغناء عن أداة حماس كخصم للسلطة الفلسطينية وأداة تكرس الانقسام الوطني، وهو ما يكشف طهران كطرف أوحد رافض لإقامة دولة فلسطينية والتوصل إلى حل واقعي ينهي معاناة الفلسطينيين.
وترغب الجماعات السنية والشيعية التي تدعمها طهران في تثبيت أقدامها بالمنطقة العربية على حساب سكانها ودولها بمحاولة تفجيرها وخلخلة أمنها بمخطط ينفخ فيه حماس لتوريط قطاع من الجماهير العربية مع أنظمتها، وخلط الأوراق داخلها خلال مرحلة تحول فارقة.
وتأمل جماعة الإخوان من وراء مخطط تثوير الشارع وتحريض قطاع من الجمهور العربي ضد حكوماته في استنساخ ما حدث في أفغانستان بعد الحادي عشر من سبتمبر، وفي سوريا، بعد انتفاضات الربيع العربي، لقطع الطريق على أي مبادرة عربية – إسرائيلية للتسوية عقب انتهاء تل أبيب من مرحلة الانتقام.
ولا تُعد السبل سالكة في هذا الاتجاه أمام فصائل الإسلام السياسي هذه المرة، حيث تعلمت الجماهير العربية الدرس من تجربة الربيع العربي وهي أحرص من أي وقت مضى على ألا يُلقي بها أحد في أتون الصراعات مجددا.
وإذا كان المواطنون في لبنان والأراضي الفلسطينية يعانون من كيانات اختطفت إرادتهم وتخوض حروبا باسمهم ليس لهم رأي فيها، فالكثير من الدول العربية أكثر تصميما على رفض مثل هذه الوصاية، والمشهد لن يستمر طويلا ثم ينقلب إلى انهيارات ودماء وحروب استقطاب داخلية.
وتحول دون تحقيق أهداف محور إيران في الداخل العربي الخبرة التي اكتسبها الجمهور والتي تقلل من تأثير خطاب جماعة الإخوان التي أخفت خططها الحقيقية المتعلقة باستباحة ما تقدر عليه من الدول العربية وتوظيفها في خدمة مشروعها الأيديولوجي.