هآرتس: نصر الله اخطأ في تقدير خطوات إسرائيل وقرار وجهة الحرب ينتقل الى طهران
هآرتس 25/9/2024، تسفي برئيل: نصر الله اخطأ في تقدير خطوات إسرائيل وقرار وجهة الحرب ينتقل الى طهران
بعد عمليات الاغتيال لكبار قادة حزب الله وقادة الساحات والمسؤولين عن الاقسام في الحزب، فان رئيس حزب الله، حسن نصر الله، هو رئيس الاركان الفعلي للحزب، وليس فقط الزعيم الذي يوجه ويرسم الاستراتيجية، بل هو قائد جبهة ايضا. هذه المهمة ليست غريبة عليه. فقبل تعيينه كرئيس لحزب الله كان قائد ساحة الجنوب في لبنان، وعمل بشكل مباشر على ادارة القوات العسكرية. هو يعرف جيدا منظومة القوات، وبشكل شخصي ايضا يعرف بعض قادة الالوية. حسن نصر الله يعرف قراءة الخرائط وتقدير قوة النيران التي توجد لديه، وحتى الآن يوجد لديه مخزون من القادة بدرجات عالية الذين يمكنهم مواصلة ادارة النار أمام اسرائيل، وهذا ما يفعلونه في الواقع. بهذا الشكل يمكن لحسن نصر الله مواصلة ادارة الحرب لفترة طويلة، لكنه يقترب من المرحلة التي سيكون عليه فيها تقرير الى أين ستكون وجهته، في الوقت الذي فيه قائمة الاخطاء والتقديرات المسجلة ضده، وهو الذي يوصف بأنه الخبير بشؤون اسرائيل، تطول.
الصحفي اللبناني علي حمادة، الذي نشر في يوم الاثنين في موقع صحيفة “النهار” اللبنانية، وضع الاصبع على معظم القائمة. “التقدير كان أن اسرائيل لن تدخل الى حرب طويلة في قطاع غزة. لكنها دخلت الى هذه الحرب وما زالت تحارب”، كتب. “تقدير آخر هو أن العالم سيقف ضدها وسيفرض عليها حصار بسبب المذبحة التي نفذتها في قطاع غزة، لكنها استكملتها وما زالت تستمر في تنفيذها. ومثل ذلك ايضا كان التقدير بأن الولايات المتحدة، والغرب بشكل عام، ستضغط على اسرائيل تحت غطاء صفقة التبادل لوقف اطلاق النار ووقف سفك الدماء، لكن اسرائيل لم تهتم بالمخطوفين وهي تستمر في التدمير والقتل”.
حمادة اطلق سهامه ايضا نحو تقديرات حسن نصر الله بالنسبة للبنان. “التقدير كان أن صواريخ حزب الله ستفرض على اسرائيل معادلة ردع متبادلة تمنع التصعيد ضده. ولكنها قتلت حتى الآن اكثر من 500 مقاتل، من بينهم اصحاب رتب عالية، وتسببت بهرب المستشارين الايرانيين من لبنان ومن سوريا، وقامت بتدمير القنصلية الايرانية في دمشق، واصابت قلب تجمعات حزب الله في الضاحية… وهي ستستمر في ذلك لأن خيار الحرب لديها ليس سياسي بل هو وجودي. من هنا ينبع تأييد 62 في المئة من الاسرائيليين لشن حرب شاملة ضد حزب الله. حزب الله الذي تم دفعه على يد ايران ارتكب خطأ كبير، وربما قاتل، لأنه لم يعرف قراءة الواقع. وبناء على ذلك فقد وجد نفسه الآن في حرب بقاء بدلا من حرب دعم (لحماس)”، كتب حمادة.
يمكننا عدم التوافق مع تحليل حمادة حول الاسباب التي جعلت اسرائيل تشن حرب واسعة ضد حزب الله. واكثر من ذلك أن حسن نصر الله عرض على اسرائيل صيغة مضمونة لتجنبها، “وقف الحرب في غزة مقابل وقف اطلاق النار في الشمال”. ولكن التقدير الذي بحسبه حزب الله ينتقل الآن من مرحلة الحرب المبادر اليها والتي يملي فيها الشروط الى حرب “وجودية”، لا يقتصر فقط على حمادة المعارض أو على اصدقائه في لبنان. عندما يقول رئيس ايران مسعود بزشكيان في مقابلة مع “سي.ان.ان” بأن حزب الله لن يقف وحده امام اسرائيل فان هذا ليس موقف محلل يجلس على المنصة.
اذا كان هذا التقدير يعكس المزاج السائد في القيادة العليا في ايران، فانه ستكون له تداعيات عملياتية، لأن بقاء حزب الله هو أمر حيوي لاستقرار منظومة مصالح ايران في المنطقة، وليس فقط في لبنان. نتائج الحرب بين اسرائيل وحزب الله ستنعكس ليس فقط على مكانة ايران في لبنان وسوريا، بل ايضا على قوة “حلقة النار” التي اقامتها ايران، وعلى القدرة على استخدامها كتهديد رادع وناجع ضد أي هجوم عليها، لأنه عندما تضعف الحلقة الاقوى في هذه الدائرة فهي تضع محل اختبار وجودي الافكار الرئيسية التي قامت عليها هذه الدائرة، الامر الذي يجعل ايران تعيد النظر في الاستراتيجية الاقليمية التي خدمتها حتى الآن بنجاعة وبنجاح كبير.
الحرب في لبنان حتى الآن ليست حرب اقليمية. والخشية من تطورها قائم ومهدد. ولكن التطورات على الارض تضع محل اختبار نظرية ايران التي تقول بأن أي وكيل لها له حرية العمل باستقلالية، حسب شروط وظروف كل دولة يعمل فيها، شريطة أن لا يعرض للخطر مصالح ايران الاستراتيجية بعيدة المدى. التقديرات الخاطئة التي كتب عنها حمادة ليست فقط لحزب الله، بل ايضا لايران، التي قامت ببناء عليها الخطوط العامة لتدخلها وتدخل وكلائها في الحرب في غزة، وهي لم تعد تناسب الانعطافة التي حدثت في الحرب في لبنان.
غزة كان يمكن أن تمنح حزب الله اداة ضغط على اسرائيل. وبالتالي، اعطاء ايران مكانة متميزة كمن تستطيع ممارسة تهديدات اقليمية دون تعريض نفسها لخطر التدخل المباشر في الحرب. في بداية الحرب شرح حسن نصر الله في احد خطاباته الاولى بأن قرار العمل ضد اسرائيل يرتكز الى أمرين، مساعدة حماس في حربها ضد اسرائيل والدفاع عن لبنان. الامر الاول وصفه بأن هجماته أدت الى اضطرار الجيش الاسرائيلي الى سحب جزء من قواته الى الحدود الشمالية، بشكل خفف الضغط العسكري على حماس في غزة. وقام بتفسير حجم الاضرار التي الحقها باسرائيل، لا سيما اخلاء عشرات آلاف الاسرائيليين من بيوتهم. ولكن هذه ليست حرب من اجل حماس فقط، أو من اجل القضية الفلسطينية. حسن نصر الله أكد على أنه لو أنه لم يستخدم “قوة الردع التي لديه” لكانت اسرائيل ستحقق طموحها في احتلال لبنان. الجهود التي بذلها لعرض نفسه كمنظمة لبنانية، وكجزء لا يتجزأ من المجتمع والشعب اللبناني وأنه ليس وكيل لايران أو لمصالح خارجية، هي التي بررت تدخله العسكري، ليس فقط ضد اسرائيل. “أمن سوريا هو أمن لبنان”، فسر حسن نصر الله ارسال قواته الى سوريا لمساعدة الاسد في ذبح الشعب السوري. الآن هو يقف امام احتمالية أن سيناريو حرب لبنان الثانية سيتكرر، وأن مكانته كـ “حامي لبنان” امام اسرائيل يمكن أن تتضعضع. هذا في الوقت الذي فيه المفتاح الذهبي الذي كان بحوزته، وقف الحرب في غزة مقابل وقف النار في لبنان، اصبح عديم الاستخدام، والخيارات التي امامه آخذة في النفاد.
في حرب لبنان الثانية، في اليوم الذي اتخذ فيه قرار 1701، اعلن حسن نصر الله بأنه سيحترم قرار وقف اطلاق النار وأن قواته ستتوقف عن الاطلاق نحو اسرائيل في الوقت الذي ستتوقف فيه هجماتها على لبنان. وبذلك حول نفسه الى شريك في الاتفاق. ولكن في حينه كانت هذه حرب ثنائية بين اسرائيل ولبنان، لكن في هذه المرة حسن نصر الله ربط لبنان بقطاع غزة. لذلك، أي موافقة له على وقف اطلاق النار تعني التنازل عن الصلة التي اوجدها، وتحطيم الاساس الفكري لمجرد مشاركته في الحرب، ولا يقل عن ذلك اهمية، المس بمكانة ايران.
هذه هي المعضلة التي توجد الآن امام حسن نصر الله، التي حلها لم يعد يوجد بشكل حصري في بيروت، بل هو ينتقل وبسرعة الى طهران.