هآرتس: معبر رفح قد يكون فتحة خروج إسرائيل من قطاع غزة
هآرتس 30/5/2024، تسفي برئيل: معبر رفح قد يكون فتحة خروج إسرائيل من قطاع غزة
التعليمات التي وصلت الى وسائل الاعلام المصرية كانت واضحة، “عدم تضخيم قتل الجندي المصري”، الذي قتل في مواجهة مع الجيش الاسرائيلي قرب معبر رفح. هكذا فان التقرير في وسائل الاعلام الرسمية كان مقتضب بشكل استثنائي. موقع غير حكومي كلف نفسه عناء احصاء عدد الكلمات، 30 – 45 كلمة، تم تخصيصها في وسائل الاعلام للجندي. وحتى أن الجيش المصري لم يصادق على نشر اسم هذا الجندي، عبد الله رمضان. عمليا، اسم الجندي نشر في “اكس” من قبل جهات مناوئة للحكومة.
في جنازته أول أمس في قرية العجمين في محافظة الفيوم لم يشارك ضباط كبار في الجيش، فقط قائد الشرطة المحلي وضابط برتبة متوسطة جاءوا للرقابة. حسب التقرير في “اكس” فقد شارك في الجنازة آلاف الاشخاص واطلقوا الشعارات ضد اسرائيل. وكما هو متوقع لم يتم نشر أي شيء من كل ذلك في قنوات التلفاز المحلية. ولكن التعليمات لوسائل الاعلام بـ “تمويت” الحادثة لم تطمس تهديدها. مصادر رفيعة في الجيش الاسرائيلي وفي الشباك وفي الادارة المدنية والمستويات الرفيعة في مصر سارعت الى اجراء محادثات كثيفة خوفا من تطور المواجهات المحلية الى حدث سياسي يعمل على تغيير الواقع، وأن يضر باتفاق السلام بين اسرائيل ومصر. لجان تحقيق اسرائيلية ومصرية تم تشكيلها على الفور، وقد تم ايضا اتخاذ قرار مشترك بالابلاغ عن نتائج التحقيق.
حسب مصادر في اسرائيل فان اسرائيل تعهدت بالحرص على عدم حدوث ذلك مرة اخرى، واضافة الى ذلك فان واشنطن تنوي ارسال في القريب وفد رفيع من مجلس الامن القومي لمناقشة الترتيبات التي ربما ستسمح باعادة فتح معبر رفح.
أول أمس كان يمكن للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يسافر بهدوء الى الصين للمشاركة في المنتدى العربي – الصيني الذي يتم عقده منذ عشرين سنة، وأن يستقبل باحترام من قبل الحرس العسكري في الصين، من اجل اجراء محادثات مع الرئيس الصيني، والتوقيع في يوم الاربعاء على عدة اتفاقات تعاون اقتصادي مع الصين، التي استثمرت في مصر في 2023 اكثر من 14 مليار دولار. ايضا اتفاقات كامب ديفيد اجتازت عقبة خطيرة اخرى.
وزير خارجية الاتحاد الاوروبي، جوزيف بوريل، نشر في يوم الاثنين الماضي بأن وزراء خارجية الاتحاد منحوه “ضوء اخضر سياسي” كي يستخدم مرة اخرى قوة المساعدات الاوروبية. ولكنه اوضح بأن هذه الخطوة يمكن تنفيذها فقط عند وقف الحرب، وهي تخضع لتفاهمات مع السلطة الفلسطينية ومصر واسرائيل، الشركاء في اتفاق المعابر الاصلي. “نحن لا ننوي أن نكون هناك لوحدنا، أو أن نكون المصدر الخارجي للأمن على الحدود. نحن لسنا شركة حماية”، قال بوريل.
حسب اتفاق المعابر فان مراقبين من الاتحاد الاوروبي عملوا هناك وكانت مهمتهم هي الرقابة على تنفيذ بنود الاتفاق، وتأهيل موظفي السلطة الفلسطينية من اجل ادارة المعبر حسب المعايير الدولية. عمليا هم كانوا نوع من ستار أمامي فصل بين موظفي السلطة الفلسطينية الذين أداروا المعبر في الطرف الغزي بالتنسيق مع مصر وبين رقابة اسرائيل، التي توجد في معبر كرم أبو سالم وتحصل في الوقت الحقيقي على صور من المعبر. وكانت لديها ايضا صلاحية المنع أو المصادقة على عبور الاشخاص أو البضائع.
بعد سيطرة حماس على قطاع غزة في 2007 وطرد موظفي السلطة الفلسطينية، خرج ايضا المراقبون الاوروبيون وقوة المساعدات توقفت عن العمل. بعد عشر سنوات تقريبا في 2017، في اطار اتفاق المصالحة بين حماس وفتح بوساطة مصر، عاد موظفو السلطة الى العمل في معبر رفح. اسرائيل لم تعارض فتح المعبر رغم أن ذلك تم بالتعاون بين حماس والسلطة الفلسطينية. وهي ايضا لم تصمم على اعادة مراقبي الاتحاد الاوروبي حسب ما نص عليه اتفاق المعابر. بالنسبة لها كان فتح المعبر أمر حيوي من اجل تعزيز التعاون مع مصر، عرابة اتفاق المصالحة، والسماح بالنشاطات الاقتصادية في القطاع حتى لو كان ذلك يعني مكاسب اقتصادية وسياسية لحماس. ولكن خلال سنتين تقريبا تحطم اتفاق المصالحة بين حماس وفتح، وفي العام 2019 أمر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، رجاله بالخروج من القطاع.
إن استئناف اتفاق المعابر الآن هو قصة اكثر تعقيدا. فمصر تحاول منذ اشهر كثيرة الدفع قدما باعادة السلطة الفلسطينية الى معبر رفح. ايضا السلطة الفلسطينية مستعدة مبدئيا لادارة المعبر في الطرف الغزي، شريطة الحصول على صلاحية ادارة كل القطاع في اطار عملية سياسية واسعة، تفسيرها لين، التي ستضع الاساس لحل الدولتين.
ادارة معبر رفح بشراكة مصرية ودولية يمكن أن تكون المحك الاول في الرحلة الطويلة التي ستعفي اسرائيل من السيطرة المدنية في غزة، والانجرار الى الاحتلال الكامل، الذي يشمل ايضا المسؤولية المباشرة عن حياة السكان في القطاع. ولكن الآن اسرائيل هي التي تضع العائق الذي لا يمكن تجاوزه امام اعادة السلطة الفلسطينية، من خلال الرفض المطلق لتليين المسلمة السياسية التي بحسبها لن يكون في قطاع غزة أي موطيء قدم لـ “سلطة الارهاب”.
لكن حتى الآن لا يوجد لادارة المعبر ويبدو أنه لن يكون، أي بديل عربي، دولي أو فلسطيني، عن السلطة الفلسطينية أو حماس. وطالما أن اسرائيل تتمسك بهذا الموقف فانه لا يوجد أي سبب للنقاش في ترتيبات السيادة والادارة والدفاع، الحيوية لتشغيل المعبر. النتيجة هي أن اسرائيل تسيطر على معبر اشباح لا توجد فيه أي نشاطات لأن مصر غير مستعدة للتعاون معها، وايضا لا توجد لديها أي خطة عمل لحل قضية المعبر، رغم أنه واضح لجميع الاطراف بأنه لن يكون مناص من تشغيله بالكامل في الفترة القريبة القادمة، من اجل التغلب على الكارثة الانسانية التي اصبحت عامل استراتيجي رئيسي يملي استمرار الحرب، وبعد ذلك من أجل أن يخدم سكان القطاع بعد السماح لهم بالعودة الى بيوتهم والبدء في اعمارها.