هآرتس: مثلما في الحرب على بُعد شعرة من العاصفة

هآرتس 20/9/2024، عاموس هرئيل: مثلما في الحرب على بُعد شعرة من العاصفة
هذا كان الاسبوع الذي انتقل فيه ثقل الحرب كما يبدو نهائيا من الجنوب الى الشمال، بعد سنة تقريبا من القتال بدون أي حسم. منذ بضعة اشهر ووزير الدفاع يوآف غالنت وكبار قادة الجيش الاسرائيلي يتوسلون لرئيس الحكومة من اجل تقليص حجم القتال في القطاع والاعلان عن انتصار (غير مرتبط بالضبط بالواقع) أمام الذراع العسكري لحماس وتحرير القوات الى ساحة لبنان قبل احتمالية اندلاع حرب شاملة مع حزب الله. نتنياهو، لاسبابه الخاصة، قام بتأخير القرار. فقد فضل حرب الاستنزاف في غزة بدون الانجرار الى مواجهة شاملة في الشمال. يبدو أنه اعتقد أنه يمكنه مواصلة خداع الجمهور، في حين أنه ينتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية في تشرين الثاني.
في الفترة الاخيرة شيء ما تغير في سلم اولوياته، تصعب معرفة ما هي بالضبط منظومة اعتباراته، ربما هو خشي من ازدياد الشعور باليأس في اوساط الجمهور، في الوقت الذي فيه 60 ألف شخص من سكان الشمال مخلين من بيوتهم بدون أي موعد للعودة. وقد اندمج بذلك العملية التي بادر اليها التي في هذه الاثناء تتباطأ لعزل غالنت من منصبه واستبداله بجدعون ساعر.
حسب وسائل الاعلام الاجنبية ثار في اللحظة الاخيرة ايضا موضوع عملياتي مستعجل. في حزب الله يتشككون في أن اسرائيل قامت بتفخيخ اجهزة البيجر خاصته، وقام بارسال بعض الاجهزة للفحص في ايران. هذه الاجهزة، حسب تقرير موقع “مونيتر” تم تفجيرها من بعيد في طريقها الى هناك من اجل التشويش على التحقيق. عندها ايضا تم تفعيل الهجوم على اجهزة البيجر يوم الثلاثاء بعد الظهر خوفا من أن استكمال التحقيق في ايران سيكشف الخطة ويمنع استخدامها مستقبلا، حتى لو كانت الاكثر مناسبة لاستخدامها كضربة افتتاحية في حال تم شن حرب شاملة.
في الموجة الاولى، التي ركزت على المنظومة التي استخدمها حزب الله من جديد مؤخرا بتوجيه من رئيس الحزب حسن نصر الله من اجل التملص من تعقب اسرائيل، انفجرت آلاف الاجهزة. عشرة اشخاص في معظمهم من اعضاء حزب الله قتلوا واصيب الآلاف. في اليوم التالي توسع الامر ووصل الى اجهزة اتصال تكتيكية. في هذه الموجة قتل تقريبا 20 شخص وأصيب المئات في ارجاء لبنان. ضرب اجهزة البيجر كان دقيق جدا، لأنه ركز على الاجهزة التي كانت بحوزة النشطاء بشكل روتيني. في حين أن اجهزة الاتصال تم تخصيصها للاستخدام في حالات الطواريء ويتم الاحتفاظ بها بشكل عام في مخازن تنظيمية أو خاصة. يبدو أنه هنا كان الضرر اقل تركيزا. يمكن الافتراض أنه ايضا هنا تم الاخذ في الحسبان الخوف من “احتراق” الخطة بعد تفجير اجهزة البيجر. وحتى الآن بأثر رجعي يثور سؤال هل الضربة الثانية هي التي ستجعل حزب الله يقوم بالرد بشدة اكبر.
حتى أمس امتنع حزب الله عن القيام بردود استثنائية في مركز البلاد، لكنه زاد النيران على الحدود الشمالية. جنديان اسرائيليان قتلا وعشرة جنود اصيبوا بسبب اصابة صاروخ مضاد للدروع ومسيرات. اسرائيل، والمنطقة جميعها، بقيت متأهبة قبل خطاب حسن نصر الله في بيروت بعد الظهر. في الخطاب اعترف حسن نصر الله بأن “هذه هي الضربة الاكثر قسوة التي تلقيناها في أي وقت”. واضاف بأن الحزب سيواصل القتال طالما أنه لم يتم التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار في غزة. وقد وصف هجوم اسرائيل كاعلان حرب على حزب الله ووعد بالرد الحقيقي. بشكل طبيعي هو الذي يعطي الموعد المحدد، لكن من اقواله يمكن الفهم بأن القرار وتنفيذه يمكن أن يستغرق وقت. اذا كانت اسرائيل تأمل بواسطة هذه العملية فصل غزة عن لبنان، فانه يبدو على الاقل بشكل علني تعهد بفعل العكس.
هذا الاسبوع حدث بلا شك تصعيد دراماتيكي يرفع بدرجة معينة خطر اندلاع حرب شاملة. مع ذلك، حتى كتابة هذه السطور، حتى الآن يصعب تشخيص عملية محتمة لا يمكن منعها، التي نهايتها حرب مؤكدة. حزب الله تعرض لضربة شديدة في منظومته العملياتية وفي صفوفه يتم الشعور بالاهانة والتشويش، الى درجة الصعوبة في تفعيل سلسلة القيادة والسيطرة. كيف يمكن لحسن نصر الله واسياده في ايران الحسم بين سلسلة احتمالات: رد مراقب يثبت أن ايران لم تتنازل عن الحرب رغم محاولة اسرائيل الفصل بين غزة والشمال؛ الخروج الى حرب شاملة؛ أو اعطاء فرصة اخرى لجهود الوساطة الامريكية مهما كانت احتمالية ذلك ضئيلة.
رغم التهديدات السادية على جانبي الحدود، إلا أنهم في القدس وفي بيروت يدركون الثمن الكامل للحرب. لن يكون هناك حسم سهل، بل مناوشات متبادلة، كثيرة الاصابات، ايضا في الجبهة الداخلية. في اسرائيل وفي لبنان يتوقع أن يكون هناك اصابة شديدة للبنى التحتية والمناطق المأهولة، الدمار والقتل سيكونان بحجم وقوة غير مسبوقة بالنسبة للدولتين. توجد لاسرائيل افضلية استخبارية وتكنولوجية واضحة، تم تجسيدها في الفترة الاخيرة (التي امتنعت عن تحمل المسؤولية عنها بشكل رسمي). في وضع فيه حزب الله ينشر قواته بشكل دفاعي امام عملية برية فانه في ساحته الداخلية في جنوب لبنان ربما التحدي يكون معقد اكثر.
تفضيل حسن نصر الله وايران واضح. فمنذ انضمام حزب الله للحرب في 8 تشرين الاول الماضي فقد اختار البقاء في اطار القتال ضدنا، اطلاق الصواريخ والمسيرات والصواريخ المضادة للدبابات بدون اختراق اراضي اسرائيل أو مهاجمة تل ابيب وحيفا. الهجمات الاخيرة ضده تقتضي منه اعادة النظر في هذه السياسة والتقرير اذا كان يمكنه الحفاظ عليها، في حين أن الثمن الذي دفعه ازداد. مراسلون متماهون مع حزب الله تطرقوا مؤخرا بشكل علني الى الاحتمالات التي تقف امام حزب الله، من بينها هجوم مركز لقوة “الرضوان” (التي قتل كثير من قادتها واصيبوا في التفجيرات الاخيرة) على موقع عسكري اسرائيل على الحدود الشمالية أو اطلاقالصواريخ بعيدة المدى والدقيقة نحو مركز البلاد.
الجيش الاسرائيلي اعلن أمس بأنه في بداية الاسبوع قتل اثنين من رجال حزب الله اقتربا من موقع “تسيبورين” على الحدود الشمالية. من الواضح أنه بعد الهجمات فان الخطوات التي سيتم فحصها في بيروت ستكون اوسع من وضع عبوة ناسفة قرب موقع عسكري. فيما يتعلق بالصواريخ، حتى الآن هذه احتمالية تم اعدادها من قبل ايران كرد على هجوم مستقبلي لاسرائيل ضد المنشآت النووية في ايران. في هجمات هذا الاسبوع قتل واصيب عدد من الايرانيين، من بينهم رجال من حرس الثورة. هل ازاء خطورة الوضع أو الغضب على المصابين ستصادق طهران لحسن نصر الله على استخدام السلاح الاستراتيجي الذي حصل عليه منها.
بعد الهجمات نشر أن الجيش الاسرائيلي يقوم بنقل الفرقة 98 الى قيادة المنطقة الشمالية. على شارع 6 ظهر في الايام الاخيرة الكثير من ناقلات الدبابات وناقلات الجنود المدرعة في الطريق الى الشمال، طالما أنه لم يعلن عن تجنيد الاحتياط بشكل واسع وفوري فانه هذه العملية تظهر أكثر كتعزيز للدفاع، وربما كاشارة تهديد لحزب الله، اكثر مما هي استعداد لشن عملية برية. في لبنان يتابعون الآن بعصبية أي عملية وتصريح من الجانب الاسرائيلي، ولكن نحن ما زلنا في ذروة لعبة تنس الطاولة. الامور مرهونة بشكل كبير بخطوات حسن نصر الله – أي رد حزب الله، وبعد ذلك رد اسرائيل عليه.
بعد الصدمة الاولى التي احدثتها التفجيرات فان حزب الله بحاجة الى وقت كي ينهض. فقد اصيبت ليس فقط وسائل اتصالاته السرية ومنظومة القيادة السيطرة، بل نشأت ازمة ثقة مع النشطاء الذين بالنسبة لهم الحزب هو الذي وفر لهم الاجهزة التي قتلت واصابت اصدقاءهم. ايضا الجمهور اللبناني المتعب والخائف بشكل عام صرخ مرة اخرى في وجه الخطر الكامن في انتشار مقرات الحزب ومعسكراته داخل القرى والمدن، ومن المرجح أن يزيد الهجوم الثاني الضغط على حسن نصر الله من اجل التحرك بسرعة. وقد يؤثر ذلك على اعتباراته ليقوم برد اكثر شدة على خلفية التحدي الذي وضعته اسرائيل امامه.
ربما أن القيادة في اسرائيل ايضا مصممة اقل مما يبدو. نتنياهو صادق على خطوات هجومية استثنائية، لكنه ما زال لا يسارع الى شن حرب، وما زال يخطط كما يبدو للسفر الى الجمعية العمومية في نيويورك في الاسبوع القادم. غالنت حصل من نتنياهو على هجوم مسموم، الذي حاول عرضه كجبان ومتردد في الساحة الشمالية، ومنذ ذلك الحين فقد اضطر الى التساوق مع الخط الهجومي العلني لرئيس الحكومة. رئيس الاركان هرتسي هليفي، المجروح من احداث 7 اكتوبر، لا يوجد في موقف يمكنه فيه التشاجر بحرية مع نتنياهو أو مع جهات رفيعة اخرى في المنظومة، التي تدفع نحو خطوات نهايتها التصعيد.
جنرالان في الاحتياط يوجدان سياسيا في الوسط – يسار، يئير غولان واسرائيل زيف، تحدثا مؤخرا في وسائل الاعلان عن الحاجة الى دخول بري الى جنوب لبنان، وعن اقامة حزام ضيق وراء الحدود في محاولة لابعاد حزب الله عن خط اطلاق نار مباشر على المواقع العسكرية والمستوطنات. هناك من يوصون ايضا بالقيام بعملية من اجل احتلال المنطقة حتى نهر الليطاني. في المقابل تسمع اقتراحات لعملية جوية كثيفة لبضعة ايام، ضرب المواقع العسكرية المهمة لحزب الله.
كل هذه الافكار هي صياغات متعددة لحرب محدودة. من غير المؤكد أنه في حالة التدهور الى مثل هذه السيناريوهات أن يكون بامكان اسرائيل التوقف. هناك تفكير بأن المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة، سيتدخل وسيقوم بطبخ اتفاق بدون التدهور الى مواجهة شاملة. هذا رهان على آلية التوقف التي يوجد شك كبير في أن تكون في متناول اليد. من اجل الدخول الى مثل هذه المعركة يجب على الجيش التأكد من أنه توجد لديه وحدات جاهزة ومخزون احتياط وذخيرة مناسبة، وأن المستوى السياسي بحاجة الى مستوى تنسيق بالحد الاقصى مع الادارة الامريكية.
في اليمين المتطرف احتفلوا هذا الاسبوع بالتفجيرات القاتلة في لبنان وقاموا بتوزيع الحلوى، وكأننا وصلنا اخيرا الى الفضاء. سياسيون ومغردون انفعلوا جدا من الانجاز العملياتي المؤثر بحماسة تناسب اكثر فتيان في حركة الشبيبة. ولكن الواقع هو فوضوي وصعب حتى عندما تكون اسرائيل هي المتفوقة. بعد النجاح الاستخباري والعملياتي المشكلات الاستراتيجية بقيت على حالها. نحن نوجد على بعد شعرة من الحرب في الشمال، التي ستكون مختلفة عن كل ما شاهدناه هناك في السابق.