ترجمات عبرية

هآرتس: في الولايات المتحدة يشخصون تغييرا استراتيجيا في المنطقة: ايران في هبوط، إسرائيل في صعود

هآرتس 13/12/2024، عاموس هرئيل: في الولايات المتحدة يشخصون تغييرا استراتيجيا في المنطقة: ايران في هبوط، إسرائيل في صعود

من صادف وجوده في واشنطن في هذا الأسبوع تفاجأ قليلا من اكتشاف حماسة تكاد تكون تمجيدا في ضوء التغييرات الدراماتيكية الأخيرة في الشرق الأوسط. يبدو أن هذه أيضا مسألة جغرافية. بنظرة من إسرائيل نفسها فانه لا يمكن تجاهل الغيمة الثابتة نتيجة الثمن الباهظ للحرب: تقريبا 1800 قتيل في جانبنا، و100 مخطوف ما زالوا محتجزين في غزة، واخفاق الحكومة في علاج إعادة اعمار المستوطنات في الشمال وفي الجنوب. ناهيك عن السلوك غير المحتمل للنجم الرئيسي في العرض، الذي استغل في هذا الأسبوع المنصة في محاكمته لاستعراض طويل للغطرسة ولعب دور الضحية وجنون العظمة.

لكن من العاصمة الامريكية، عشية تبادل السلطة، يمكن رؤية صورة أوسع، التي توجد فيها أيضا ضوء الى جانب الظل. فهي تظهر لدى رجال الإدارة التاركة وفي أوساط الخبراء في معاهد الأبحاث الذين في معظمهم، على اقل تقدير، ليسوا بالضبط من مؤدي الرئيس المنتخب دونالد ترامب. في الهزة الإقليمية الأخيرة في الشرق الأوسط، سلسلة التطورات التي تحبس الانفاس وتحدث بوتيرة مفاجئة وفي تناقض مع كل المسلمات والتوقعات، يشخصون هنا أيضا فرصة.

في سيناريو متفائل بشكل خاص، سلوك إسرائيل الجديد، باندماج مع رئيس امريكي الذي في عودته الى هذا المنصب ينوي تفجير كل الفرضيات الأساسية التي تصرف بحسبها اسلافه، يمكن أن يثمر تغييرات أخرى في التوازن الاستراتيجي.

هذا لا يمحو بأي شكل من الاشكال الفشل الذريع لإسرائيل في 7 أكتوبر السنة الماضية. وحتى الآن لا يمكن تجاهل ما تم إنجازه في الأشهر الأخيرة. الميزان تغير في هذه الاثناء لصالح إسرائيل. الهجوم الإرهابي الذي بادر اليه زعيم حماس في القطاع، يحيى السنوار، أحدث في الواقع كارثة غير مسبوقة في إسرائيل، لكنه لم يحقق هدفه النهائي. السنوار أراد تسريع تطبيق “خطة التدمير” لإسرائيل، التي نوقشت في المحور الإيراني، بدون أن يشرك الإيرانيين انفسهم أو حزب الله في موعد الهجوم. بعد سنة وشهرين من ذلك تم تفكيك الذراع العسكري لحماس مع معظم قدراته، معظم القدرات العسكرية لحزب الله دمرت، ونظام الأسد في سوريا انهار، والذراع الطويل لجيشه تم تدميره.

المكانة الإقليمية لإيران هي الآن الأضعف في الثلاثين سنة الأخيرة. مصدر رفيع في إدارة بايدن، سئل ما هي العبرة التي كان يريد استخلاصها من هذه الاحداث أجاب: القوات التي تعمل في الشرق الأوسط يجب أن تفهم بأن هذا هو الثمن الذي سيدفعه من يشن حرب ضد إسرائيل.

لكن النتيجة الاستراتيجية بعيدة المدى لن تكون بالضرورة ما يتخيلونه في اليمين في إسرائيل. ولاية ترامب الثانية التي لم تبدأ بعد، هي مثل نظرة الموناليزا. كل واحد يجد فيها ما يريده. صحيح أن عدد من الذين قام بتعيينهم أو أنه ينوي تعيينهم الرئيس المنتخب في مناصب رفيعة، يمكنهم الاندماج بدون صعوبة في قائمة الليكود أو في قوة يهودية؛ لكن عندما نفحص ولايته الأولى بنظرة الى الوراء، نكتشف أنها كانت مليئة بالتناقضات، أيضا بقضايا هي استراتيجية أو أيديولوجية واضحة.

المثال الأكثر بروزا في السياق الإسرائيلي يتعلق بمسرحية “صفقة القرن” من العام 2020. في محيط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وعدوا في السابق بـ “سيادة في اليوم الأول”، بعد محادثات سابقة مع الإدارة التي فيها نوقش اعتراف امريكي بضم المستوطنات في الضفة الغربية. خلف الكواليس حدث صراع كبير بين المقربين والصهر جارد كوشنر والسفير في إسرائيل ديفيد فريدمان، الذي انتهى بانتصار صارخ لكوشنر، بسرعة البرق نزل الضم عن جدول الاعمال. 

أيضا في سلوك ترامب امام ايران والسعودية كانت هناك تناقضات داخلية. ففي إسرائيل يحبون الارتكاز على الاغتيال المثير للجنرال الإيراني الأعلى قاسم سليماني. ولكن ترامب أيضا تجاهل مخاوف السعودية بعد الهجوم الإيراني لمنشآت النفط قبل بضعة اشهر وشعر بالشماتة بسبب اسقاط الإيرانيين لطائرة أمريكية ضخمة بدون طيار. 

في سلم أولويات الإدارة الجديدة فان التوجه الاستراتيجي للانشغال بشرق آسيا والمنافسة مع الصين ستحل في مرتبة اعلى بكثير من شؤون الشرق الأوسط. إن اشمئزاز ترامب من الحروب ومن تبذير الموارد على مساعدة الدول الديمقراطية في ارجاء العالم، وموت الشباب الأمريكيين في حروب ليست لهم – معروف. ولكن كيف سيتصرف فيما يتعلق باتفاق المساعدات الأمنية لإسرائيل في العقد القادم، الذي يمكن التوقيع عليه من جديد في 2026 والذي سيدخل الى حيز التنفيذ بعد سنتين تقريبا؟. المساعدات السنوية بمبلغ 3.8 مليار دولار لم تعد أمر مفهوم بحد ذاته، بالأساس بعد أن قام بتعيين الملياردير ايلون ماسك من اجل الانقضاض بفأسه على البيروقراطية الحكومية. ما اثبت في الولاية الأولى هو أن ترامب يتميز بتقديم الهدايا التي لا تكلفه سنت واحد، مثلا نقل السفارة الامريكية الى القدس أو الاعتراف بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان.

في اللعبة الامريكية الداخلية يتم الآن استثمار جهود كبيرة لتحليل كل تعيين يعلن عنه ترامب. من ينشغلون بذلك يتجاهلون التقدير المعقول بأن معظم من تم تعيينهم لن يبقوا في مناصبهم اكثر من سنة، كما حدث في الولاية السابقة. الامر الوحيد الواضح هو أن ترامب سيستمر في أن يكون شخص غير متوقع. ليس مجرد شخص متقلب – الصدمة والرعب الناتجة عن قراراته تشكل جانب متعمد في سياسته.

الامر السيء للاعمال التجارية

في واشنطن وفي القدس يتشاركون التقدير بأن الاحداث الأخيرة انزلت ضربة استراتيجية على النظام في طهران واضعفت مكانته بشكل كبير. يوجد لسقوط نظام الأسد نتائج عملية. نصف الهلال الشيعي ليس فقط مفهوم، بل هو أيضا تواصل جغرافي – مسار بري مفتوح في معظمه بين اربع عواصم امتد بينها قوس التاثير الإيراني، من طهران الى بغداد ودمشق، ومن هناك الى بيروت. بعد وقف اطلاق النار الذي فرض على حزب الله في لبنان، فانهم في حرس الثورة خططوا لاستئناف مشروع تهريب السلاح الى حزب الله. هذا المسار تم اغلاقه في هذا الأسبوع.

اضرار ايران لا تقتصر على ضعف وكلائها. فقد تبين أن هجوم الرد الإسرائيلي في ايران في 26 تشرين الأول، بعد الهجوم الصاروخي الثاني من ايران الى إسرائيل في 1 من نفس الشهر، كان حدث استراتيجي. إسرائيل انزلت ضربة حاسمة لمنظومة الدفاع الجوية الإيرانية واضرت بشكل شديد بقدرات انتاج الصواريخ البالستية. المعنى هو أن طهران ومنشآتها النووية مكشوفة لضربات أخرى. وأمل النظام في سبق إسرائيل في سباق التسلح الذي فيه وتيرة انتاج الصواريخ البالستية سترتفع بدرجة لا يمكن تقديرها على وتيرة انتاج الصواريخ الاعتراضية، يبدو أنه تبدد، على الأقل في المدى القريب. هذه هي التطورات التي حطمت التوازن معا.

مع ذلك، هذه العمليات ما زال يمكنها دفع المرشد الأعلى علي خامنئي الى اتخاذ القرار الذي خشي من اتخاذه خلال ثلاثة عقود – أمر العلماء والجنرالات باستكمال عملية تطوير السلاح النووي. في الحرب بين روسيا وأوكرانيا ايران وقفت الى جانب روسيا، التي كانت هي المعتدية. ولكن لم يغب عن عيون القادة في ايران الاستنتاج بأنه لولا أن كييف تنازلت عن ترسانة سلاحها النووي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في التسعينيات لكان يمكن أن يكون الوضع الآن مختلفا.

الاجماع النادر في الحزبين في واشنطن يقول بأن أي رئيس امريكي لن يسمح لإيران بإنتاج السلاح النووي. نجاح الهجمات الإسرائيلية في ايران وتدمير معظم قدرات حزب الله والجيش السوري – كل ذلك يزيد الشعور بالثقة لدى إسرائيل في قدرتها على تنفيذ خطوات اكبر. النقاش حول مهاجمة المنشآت النووية لم يعد يعتبر موضوع نظري فقط، وهو لا يقتصر على نتنياهو والمخلصين له. حتى الآن هناك اشخاص تولوا مناصب رفيعة في الادارتين، الجمهورية والديمقراطية، بما في ذلك من خدموا في إدارة ترامب، يقدرون أن ميل الرئيس المنتخب هو التوصل الى اتفاق نووي جديد وليس هجمات عسكرية في ايران.

حسب رأي هؤلاء الأشخاص فان ترامب معد للصفقات، مثلما في حياته كرجل عقارات، رأسه ينشغل بالاعمال التجارية والارباح الكبيرة المتوقعة للولايات المتحدة من التقارب مع السعودية والاتفاق معها، وضمن ذلك إمكانية التطبيع بينها وبين إسرائيل. الحرب سيئة للاعمال التجارية. أيضا يوجد لترامب استحواذ مرضي للحصول على جائزة نوبل للسلام، مثل التي حصل عليها الرئيس السابق، الذي يكرهه، براك أوباما.

دول الخليج بالتأكيد تخشى الانتقام منها اذا تمت مهاجمة ايران. فالسعودية تعرضت في السابق لضربة من ايران عندما تمت مهاجمة منشآت النفط. في دولة الامارات يتساءلون ما الذي سيبقى من دبي، مدينة الأبراج الزجاجية، بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية. خلافا لنتنياهو الذي توجهه هو الهجوم، فان كثيرين في إسرائيل كانوا سيفضلون اتفاق بعيد المدى بعد أن تهدد الولايات المتحدة ايران بالهجوم. ولكن الخوف هو أن ترامب لا يريد البتة استخدام القوة العسكرية، وأن ايران تدرك ذلك.

عشرة أيام فقط فصلت بين بداية عملية “هيئة تحرير الشام” (جبهة المتمردين السنة في سوريا) واحتلال حلب وبين الانهيار النهائي للنظام وهرب الديكتاتور بشار الأسد من دمشق. التقارير الأولية عن تقدم المتمردين من مداخل حلب تم تلقيها في يوم الخميس 28 تشرين الثاني. جهاز الاستخبارات في إسرائيل تفاجأ من التطورات وسرعتها، مثلما تفاجأت كل أجهزة المخابرات في المنطقة وفي الغرب. في اليوم التالي، 29 تشرين الثاني ظهرا، القيادة السياسية والأمنية بصعوبة خصصت نقاشات للاحداث في سوريا. كان هذا نتنياهو الذي صمم على اجراء مشاورات هاتفية. 

المخابرات الوحيدة التي عرفت مسبقا عن خطة المتمردين هو المخابرات التركية، هذا بالطبع لأنها كانت شريكة فيها. بأثر رجعي قالت جهات تركية لنظرائها الأمريكيين بأن وقف اطلاق النار في لبنان، الذي تم التوصل اليه في 27 تشرين الثاني، كان له دور مهم في قرار المتمردين السوريين شن الهجوم في اليوم التالي. حسب قولهم فان المتمردين اعتبروا الاتفاق في لبنان استسلام لحزب الله والدليل على أنه غير قادر على القتال، واستنتجوا أنه في هذه المرة سيجد حزب الله صعوبة في ارسال كتائب لمساعدة الأسد كما فعل في 2012. روسيا وايران ايضا افترضت بأنها ستكون منشغلة جدا بنفسها بحيث لا تستطيع تقديم مساعدة حقيقية للنظام. القرار الأخير تم اتخاذه في اللحظة التي خرج فيها حزب الله من اللعبة. هكذا فان إسرائيل، بشكل غير مباشر، ساعدت على سقوط سلالة الأسد بعد 54 سنة من الحكم القاتل في سوريا (أيضا حماس بغير قصد ساهمت في ذلك).

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى