هآرتس: في إسرائيل يأملون أن تدفع الهجمات على حزب الله الى التسوية، لكن حرب الاستنزاف قد تستمر زمنا طويلا
هآرتس 25/9/2024، عاموس هرئيل: في إسرائيل يأملون أن تدفع الهجمات على حزب الله الى التسوية، لكن حرب الاستنزاف قد تستمر زمنا طويلا
بعد اكثر من 500 قتيل في الهجمات الجوية الشديدة لاسرائيل على لبنان منذ يوم الاثنين اطلق حزب الله الكثير من الصواريخ نحو شمال البلاد، منطقة حيفا والاغوار والسامرة، ولكن حتى الآن امتنع عن الاطلاق نحو تل ابيب الكبرى. الرد المحدود نسبيا حتى الآن جغرافيا حتى الآن يمكن أن يعكس قوة الضربة لمنظومات قيادة وسيطرة حزب الله الشيعي والتدليل على التخبط في القيادة العليا، التي معظم القادة في ذراعها العسكري قتلوا في عمليات الاغتيال التي نفذها الجيش.
رئيس حزب الله، حسن نصر الله، تفاخر خلال سنوات باسلوب المعادلات، التي بواسطتها حاول ترسيخ ميزان ردع امام اسرائيل. كما يبدو بعد هجمات كثيفة جدا، شملت ثلاث عمليات اغتيال جوية في بيروت، في الاخيرة من بينها قتل أمس قائد منظومة الصواريخ في حزب الله ابراهيم القبيسي، فان ابواب جهنم يمكن أن تُفتح. هذا لم يحدث حتى الآن.
سياسة حزب الله حتى الآن يمكن أن تتغير، وبامكان الحزب أن يلحق اضرار كبيرة باسرائيل، سواء في شمال البلاد أو في الوسط. يفضل عدم ارتكاب خطأ بتفاؤل سحري، رغم الضربات المؤلمة جدا التي لحقت بحزب الله في الاسبوع الماضي، إلا أنه يبدو أنها الاسوأ في تاريخه. اذا كان التأخير حقا هو نتيجة التخبط فهذا يحدث كما يبدو لأن حزب الله يدرك أن الاطلاق نحو المركز سيؤدي الى هجوم مدمر لاسرائيل سيركز على الضاحية، الحي الشيعي في جنوب بيروت والذي هرب اليه الكثير من اللاجئين من قرى الجنوب.
في حين أن استخدام كثيف للسلاح الاستراتيجي مثل الصواريخ بعيدة المدى والمدى المتوسط يمكن أن تتسبب بأضرار قاسية لاهداف عسكرية ومنشآت بنى تحتية استراتيجية في وسط اسرائيل، مرهون بموافقة ايران. النظام في طهران قام ببناء هذه القدرة في لبنان لاستخدامها كردع ضد اسرائيل أمام مهاجمة المنشآت النووية في ايران. وهو الآن يجب عليه اتخاذ قرار اذا كان تفعيلها الآن، الامر الذي انجر اليه بسبب هجوم منسق من قبل حماس في غزة وتصميم حزب الله على مهاجمة اسرائيل كمظهر من التضامن مع الفلسطينيين، يبرر الثمن.
يبدو أن حسن نصر الله مرة اخرى اعتقد أنه يعرف الاسرائيليين افضل مما يعرفون هم انفسهم. ومرة اخرى مثلما في 2006 راهن على مغامرة ثمنها اعلى مما خطط له. حزب الله طرح نفسه خلال السنين كمثال يفتخر به في الطائفة الشيعية وكمدافع عن كل لبنان. الآن، كما حدث لحماس في غزة، يبدو وكأنه انزل كارثة على كليهما. على فرض أن ايران وبحق قامت ببناء “برنامج تدمير” يهدف الى هزيمة اسرائيل خلال بضع سنوات، ربما يتعين عليها الآن العودة الى طاولة الرسم. حماس كمنظمة عسكرية فقدت في السنة الماضي جزء كبير من قدراتها في الحرب مع الجيش الاسرائيلي. الآن قتل وأصيب الكثير من القادة الكبار في حزب الله، واصيبت منظوماته الاستراتيجية في فترة قصيرة جدا.
كل ذلك لا يعني أنه يجب الانجرار وراء النشوة في الاستوديوهات التي تعكس بشكل مقلق ايضا المناخ السائد في المستوى السياسي وفي اوساط الجيش الاسرائيلي. في الحقيقة يمكن فهم من أين جاء ذلك. اسرائيل تكبدت فشل واهانة فظيعين في 7 اكتوبر وحسن نصر الله يهددها منذ سنوات. من الجيد رؤية أن مهنة الاستخبارات والتفكير العملياتي خلال عقدين في الساحة الشمالية تؤتي ثمارها في فترة الامتحان، في تناقض صارخ مع ما حدث في القطاع. ولكن من الجيد عدم تصديق العدد المبالغ فيه، الذي ينتشر في المستوى السياسي منذ مساء يوم الاثنين، القائل بأن نصف قوة حزب الله الصاروخية تم تدميره. والجيش الاسرائيلي لا يوجد لديه أي تأكيد لهذه الاعداد، أما التقديرات الحقيقية فهي متواضعة اكثر بكثير.
مصدر امني رفيع سئل عن الأمر قال إن الهجمات قلصت بشكل كبير التهديد الاستراتيجي للجبهة الداخلية من قبل حزب الله وايقاع ضربة منسقة وواسعة على اسرائيل. مع ذلك اعترف المصدر بأنه “ما زال يوجد لديه قدرة كبيرة على الاطلاق”. في الوقت الذي يدور الحديث فيه عن اكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة تم تدميرها بشكل جماعي، اضافة الى حوالي 10 آلاف صاروخ اطلقها حزب الله، فان هذا ما زال لا يلغي التهديد. حزب الله يمكن أن يحاول التدمير وادارة حرب استنزاف، التي أدخل اليها مؤخرا مئات البلدات ومليون اسرائيلي. المس الكبير بالمواطنين الاسرائيليين سيولد مثلما في السابق ضغط عام على الحكومة كي تأمر الجيش الاسرائيلي بدخول اراضي لبنان وحل المشكلة، مرة والى الأبد (الأمل الذي تبدد على الاغلب).
في جهاز الامن يأملون أنه من خلال القصف من الجو سيتم خلق “امكانية كامنة للتسوية التي ربما يمكن استغلالها من اجل التوصل الى اتفاق جديد يقلص الخطر الذي يشكله حزب الله”، كما قال احد المصادر. هذا لن يحدث بسرعة، وفي كل الحالات القصد هو مواصلة الهجمات في الوقت الحالي.
غريغ كارلستروم، مراسل شؤون الشرق الاوسط في مجلة “ايكونوميست” احسن وصف الامور في “تويتر” عندما كتب: “لا توجد استراتيجية في أي مكان، سواء في اسرائيل أو في لبنان. حزب الله يقصف شمال اسرائيل منذ سنة، وكأن اخلاء سكان كريات شمونة هو هدف بحد ذاته. ولكنه فشل في تحقيق اهدافه الاستراتيجية مثل تخفيف الضغط العسكري على قطاع غزة أو فرض على اسرائيل وقف لاطلاق النار.
وحسب قوله فان “الضغط على حكومة اسرائيل ازداد واصبح من الاسهل على نتنياهو التصعيد وأخذ مخاطرة في لبنان. ولكن حتى ذلك الحين فان حسن نصر الله وضع نفسه في التزام تشكيل جبهة مساعدة لحماس. الآن هو يجد نفسه في شرك متوقع. هناك دعم قليل لحرب شاملة مع اسرائيل في اوساط اللبنانيين وأسياده في ايران. يوجد لاسرائيل تفوق واضح في التصعيد، ولكن اذا كانت فكرة اسرائيل هي أن حزب الله سيتراجع بسرعة وسيوافق على تطبيق القرار 1701 فان هذا يظهر كتمرين على التفكير بايجابية. هذا سيكون منطقي ولكنه مهين. لا يوجد لحسن نصر الله أي طريقة للنزول عن الشجرة وانقاذ صورته. واذا كانت اسرائيل تخطط للغزو البري لاقامة حزام امني جديد في اراضي لبنان فان التاريخ يعلمنا أن هذا أمر تافه”.
السلم المطلوب من اجل النزول عن الشجرة لم يوفره أي أحد حتى الآن لحسن نصر الله. الولايات المتحدة لم تستيقظ بعد من سباتها. الرئيس الامريكي في الحقيقة تطرق بشكل يفطر القلب الى المخطوفين الاسرائيليين في غزة، وطالب بانهاء الحرب في غزة وفي لبنان في الخطاب الذي القاه أمس في الامم المتحدة، لكنه لم يطرح أي مخرج جديد لهذه الضائقة. في الحقيقة توجد ضجة كبيرة حول صفقة محتملة جديدة تشمل الحل في غزة وفي لبنان. ولكن حتى الآن لم يتم الابلاغ عن أي تقدم حقيقي. في اقواله في الجمعية العمومية ظهر جو بايدن متعب وكأنه يحصي الايام قبل انتهاء ولايته. مستشاروه الكبار لا يبثون طاقة اكبر عندما يدور الحديث عن حل الازمات المعقدة والمتصاعدة في الشرق الاوسط.
نتنياهو الذي حتى الأمس نشر بأنه متردد بشأن توقيت ومدة سفره لالقاء خطاب في الامم المتحدة، يمكنه تعلم شيء أو شيئين من الرئيس المسن في كل ما يتعلق باظهار التعاطف مع عائلات المخطوفين والقتلى. هذا الامر اقل اثارة بالنسبة له الآن. في الوقت الذي اتباعه يمجدونه كعبقري استراتيجي، اوقع هزيمة بحزب الله بعد أن قام بتركيع حماس. كالعادة، النجاحات العملياتية هي له، والاخفاقات هي للمستوى الذي تحته.
في اوساط مؤيديه يتحدثون الآن فيما بينهم بحماس عن افكار اخرى مثل الغزو البري لجنوب لبنان واعادة اقامة منطقة امنية (هو نفسه ظهر اقل تحمسا، على الاقل من المركب البري)؛ أو اعادة السيطرة على شمال القطاع واحتلاله، بروحية افكار الجنرال احتياط غيورا آيلاند. في ظهوره في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست تحدث نتنياهو عن الحاجة الى اعادة المخطوفين المحتجزين لدى حماس، وقال إن نصفهم لم يعودوا على قيد الحياة. هذه هي المرة الاولى التي يتطرق فيها الى هذا التقدير في منتدى مفتوح نسبيا، الذي تسربت منه هذه الاقوال. القصد واضح وهو اعداد الجمهور للتنازل عن المخطوفين لأنه لا ينوي التوصل الى صفقة تلزمه بتقديم تنازلات مؤلمة. ربما من أجل تحدي هذه الامور فقد نشر أمس وزير الدفاع صورة له مع رئيس قسم الاسرى والمفقودين، الجنرال احتياط نيتسان الون، وكرر الالتزام بتحريرهم كهدف سام للحرب.