هآرتس: على حزب الله أن يختار إما الانثناء أو الحرب
هآرتس 19/9/2024، عاموس هرئيل: على حزب الله أن يختار إما الانثناء أو الحرب
سلسلة منشورات في وسائل الاعلام الاجنبية، المتحررة من قيود الرقابة العسكرية في اسرائيل، تضيف تفصيل مهم لصورة المعلومات بشأن هجوم اجهزة البيجر واجهزة الاتصال على حزب الله أول أمس والذي استمر أمس في هجوم اصغر على اجهزة الاتصال التي توجد في حوزة المنظمة اللبنانية. حسب التقارير فان حزب الله كان على وشك اكتشاف الخطة العملياتية التي تمت بلورتها في اسرائيل على مدى سنوات، التي في اطارها تم تفخيخ آلاف اجهزة البيجر مسبقا، ووزعها حزب الله على اعضائه. قبل لحظة من اكتشاف العملية تم اتخاذ في اسرائيل القرار لتفعيلها.
النتيجة كانت ضربة عملية وضربة قوية في معنويات حزب الله. فآلاف من اعضائه اصيبوا وعشرة أو اكثر قتلوا ومنظوماته القتالية تبين أنها شفافة وقابلة للاصابة. أمس بعد أن دعا حزب الله اعضاءه للتخلص على الفور من اجهزة البيجر بدأت انفجارات في اجهزة اتصالات من نوع آخر وتم الابلاغ عن 20 قتيل و450 مصاب في ارجاء لبنان، من بينهم من اصيبوا في جنازة القتلى من أول أمس. بيوت وسيارات للاعضاء اشتعلت نتيجة الانفجارات التي كانت هذه المرة في اجهزة اكبر، لذلك ربما كانت تحتوي على كمية أكبر من المواد المتفجرة.
يبدو أنهم في حزب الله لم يتعلموا الدروس المطلوبة من الهجمات الاولى، والآن اعضاءه يدفعون ثمن اضافي. وللمفارقة، رئيس حزب الله، حسن نصر الله، دعا في شباط الماضي اعضاءه من التخلص من الهواتف المحمولة بذريعة أنها كشفت الحزب للاستخبارات الاسرائيلية. حزب الله تزود كبديل باجهزة البيجر القديمة على فرض أنها أكثر حصانة امام الاصابة، لكنه هكذا عرض نفسه لضرر اكبر بما لا يقاس. والآن الاضرار تمتد ايضا بواسطة اجهزة الاتصال.
يمكن الافتراض أنهم في الحزب سيبدأون التعامل الآن بحذر حتى مع الاجهزة الكهربائية المنزلية العادية. وكما اشار محلل “واشنطن بوست”، ديفيد ايغناشيوس، فان اسرائيل حولت للمرة الاولى اجهزة عادية للعدو الى اجهزة هجومية ضده. المعاني يمكن أن تكون كبيرة – استغلال اجهزة منزلية مرتبطة بالانترنت في هجمات قاتلة في المستقبل. والمعرفة لتنفيذ هذه الهجمات ليس بالضرورة ستبقى في يد دول ديمقراطية غربية.
حرف الانتباه السياسي
التقارير عن الاشتباهات التي ثارت في حزب الله ربما يمكنها شرح حرف انتباه المستوى السياسي، الذي انتقل أول أمس خلال دقائق من الانشغال الكثيف بعاصفة الاستبدال التي لم يتم تطبيقها بعد في وزارة الدفاع بين يوآف غالنت وجدعون ساعر الى سلسلة نقاشات محمومة حول الوضع في الشمال.
اذا كان قد اوشك على الانكشاف ذخر استخباري وعملياتي الذي تم تطويره، حسب المنشورات، خلال سنوات استعدادا لامكانية اندلاع حرب مع حزب الله، فانه يمكن معرفة لماذا كان من الملح لمتخذي القرارات اعطاء المصادقة على تشغيلها، قبل فقدان الاهمية الاستراتيجية الكامنة فيها (على فرض أن الحديث يدور وبحق عن هجوم لاسرائيل).
العملية التي نسبت لاسرائيل تثير ردود انفعالية من قبل خبراء في الجيش والمخابرات في ارجاء العالم. هذا أمر مفهوم. فهنا يتم تجسيد القدرة على اختراق بسرية لهدف سري للعدو، وتركيز الاصابة على نشطاء عمليين مع مس ضئيل جدا بالمدنيين (رغم آلاف المصابين)، والعمل بشكل متزامن ضد اهداف كثيرة وكشف العلاقة العملية السرية بين السفير الايراني في بيروت الذي اصيب بسبب انفجار احد الاجهزة وبين شبكات الارهاب المتشعبة لحزب الله. حتى الآن، في ظل غياب بيان فيه تحمل مسؤولية رسمية عن العملية في لبنان (باستثناء التغريدة غير المسؤولة من قبل حاشية رئيس الحكومة) والصعوبة في ادارة حوار كامل في هذا الشأن، فانه تثور هنا اسئلة اخرى.
الضربة المؤلمة جدا والمعقدة يجب أن تكون بمثابة ورقة يجب الحفاظ عليها كضربة الافتتاح لعملية عسكرية واسعة. الآن هناك من يقومون بمقارنة هذه العملية، رغم الفرق الواسح من حيث حجمها، مع عملية “موكيد” لسلاح الجو، التي تم تدمير فيها على الارض مئات الطائرات المصرية والسورية في بداية حرب الايام الستة. في الحادثة الحالية فان ما كان بعد الهجوم على اجهزة البيجر كان على شكل تفجير هذه الاجهزة. حتى أمس لم يتم النشر عن هجمات جوية كثيفة أو دخول بري لاسرائيل الى لبنان. نظريا على الاقل هناك خطر في أن يكون حزب الله هو الذي سيبدأ العملية القادمة في القريب، ويؤدي الى حرب شاملة ردا على الاهانة التي تعرض لها في بيروت.
فقط في جلسة الكابنت مساء يوم الاثنين تم تغيير اهداف الحرب، حيث اضيف اليها اعادة سكان الشمال الى بيوتهم (رغم أن نتنياهو يطرح هذا الامر في خطاباته كهدف منذ بضعة اسابيع). يبدو أنه ستمر بضعة ايام الى أن نفهم اذا كان لدينا هنا عملية استراتيجية يعدها المستوى السياسي استمرارا للضربة التي تلقاها حزب الله. هل التوجه هو نحو الحرب أو أن اسرائيل ببساطة تقوم باحصاء النقاط الايجابية التي راكمتها، وكأنه سيكفي تحقق عدد كاف من النقاط من اجل هزيمة حزب الله؟.
على فرض أن هذا كان هجوما اسرائيليا فان هناك تفسيرات محتملة لنوايا نتنياهو، الذي يبدو أنه يقود الآن بلورة السياسة في الشمال. الاول هو أن رئيس الحكومة يأمل بأن الضغط المتزايد وجنون العظمة المتزايد خوفا من المزيد من الهجمات الى دفع حزب الله في النهاية الى نقطة الانهيار. رئيس حزب الله، حسن نصر الله، سيدرك بأن الثمن الذي يدفعه مقابل اسهامه في صراع حماس في غزة، اطلاق الصواريخ والقذائف والمسيرات بشكل مستمر منذ بداية الحرب، باهظ الثمن ولا يمكن تحمله، وسيعمل على التوصل الى ترتيب لوقف اطلاق النار في الشمال وتنسحب بحسبه قوة “الرضوان” الى ما وراء نهر الليطاني بطريقة تسمح بعودة بعض السكان الاسرائيليين الى المستوطنات على الحدود.
التفسير الثاني هو أنه ربما أن اسرائيل تحاول جر حزب الله الى حرب. عندما سينجر حسن نصر الله الى الرد، فان اسرائيل ستستغل الشرعية الدولية التي ستحصل عليها بعد المس بمواطنيها وسيكون لديها ذريعة لشن حرب شاملة في لبنان. في الوقت الذي فيه حزب الله وايران يفضلون استمرار المناوشات الحالية دون دفع الثمن الذي تشمله المواجهة العسكرية بدون قيود. هذا ما يخشون منه في لبنان. مصادر مقربة من حزب الله قالت أمس إن الحزب يلاحظ نية اسرائيل، جره الى الداخل، لكن كل ذلك تقديرات فقط. رئيس الحكومة منع أول أمس الوزراء من اجراء المقابلات، وايضا القيادة الامنية تحافظ على الصمت.
اليوم بعد الظهر ربما سيتلاشى عدد من علامات الاستفهام، حيث يتوقع أن يلقي حسن نصر الله خطاب في بيروت. في هذه الاثناء نشر أمس الصحفي المقرب من حسن نصر الله، ابراهيم الامين، محرر صحيفة “الاخبار” اللبنانية مقال متعرج حاول أن يطرح فيه موقف حزب الله. وقد وصف هجوم أول أمس بعملية امنية الاكبر من بداية المواجهة. وقال “نحن في وضع جديد”. و”حزب الله سيبحث عن رد مناسب على هذه الضربة”. قال الامين.
ربما أن اقوال حسن نصر الله ستوضح اكثر عما يدور الحديث. يجب الاخذ في الحسبان بأن هجمات اجهزة البيجر واجهزة الاتصال تضعضع ليس فقط الشعور بالامن الشخصي لقيادة المنظمة، بل ايضا الثقة بقدرة رجاله. سلسلة القيادة والسيطرة في الحزب في حالة الطواريء تضررت بشكل كبير. وحسن نصر الله بالتأكيد يتساءل اذا تم اختراق منظومات خساسة اخرى للحزب وما الذي سيحدث اذا قرر رجاله استخدام السلاح الذي تم الاحتفاظ به الى حين الحصول على الأمر. في المقابل، يبدو أن أي هجوم، بالتأكيد حادثة صارخة بيروت، يقرب حزب الله الى شفا الحرب الشاملة. هذه الحرب ليست عملية استخبارية يمكن السيطرة على كل نتائجها، بل هذه قصة مختلفة كليا، والطرفان فيها يمكن أن يدفعا ثمنا لم يتعودا عليه في السابق.
منطقة الراحة
في الوقت الذي فيه تجري كل هذه الامور، ووسائل الاعلام في اسرائيل وفي العالم مهووسة من قصص جيمس بوند في الضاحية، الجيش الاسرائيلي يواصل القتال في القطاع والجنود يستمرون في الموت. صباح أمس سمح بنشر أنه في مساء الامس في وقت قريب من الهجوم في بيروت قتل ضابط وجنديان وممرضة من لواء جفعاتي في حادث في حي تل السلطان في رفح. حتى الآن من غير الواضح اذا اصيبوا بتفجير بيت أو بواسطة صاروخ مضاد للدروع، واصيب ايضا خمسة جنود، بينهم ثلاثة في حالة حرجة. في حادث آخر اصيب اصابة بالغة ضابط. جميع المصابين هم من جفعاتي.
هذا تذكير بثمن القتال، في قطاع فيه الجيش الاسرائيلي سبق واعلن في مرات كثيرة مؤخرا عن هزيمة اللواء القطري لحماس. وفي نفس الوقت تم نسيان المخطوفين، والاحتجاج من اجل اطلاق سراحهم خفت، حيث في الخلفية توجد الصور المدوية من لبنان. نتنياهو عاد الى منطقة راحته: الصفقة عالقة وضغط الجمهور لوقف الحرب واعادة المخطوفين انخفض بشكل واضح.