هآرتس: صفقة مخطوفين مع حماس كفيلة بأن تعيد السلطة الفلسطينية الى قطاع غزة
هآرتس 12/7/2024، تسفي برئيل: صفقة مخطوفين مع حماس كفيلة بأن تعيد السلطة الفلسطينية الى قطاع غزة
ديفيد ايغنوشيوس نشر يوم أمس في “واشنطن بوست” بأن اسرائيل وحماس أبدتا الموافقة على اقامة “حكم مؤقت” في غزة، سيبدأ العمل مع بداية المرحلة الثانية في صفقة المخطوفين، الذي فيه الطرفين لن يحكما في القطاع. الحفاظ على الامن سيكون مسؤول عنه قوة تضم 2500 شخص من “مؤيدي السلطة الفلسطينية” الذين اسماءهم تمت المصادقة عليها من قبل اسرائيل. هذه القوة، كما جاء في التقرير، سيتم تدريبها من قبل الامريكيين وستحصل على الدعم من الدول العربية.
يبدو أن الحديث يدور عن مسودة اولية لبنية النظام المحتمل، الذي يمكن أن يدير غزة بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي، الانسحاب المطلوب حسب صفقة التبادل التي نشرها الرئيس الامريكي وصادق عليها بنيامين نتنياهو. ولكن في هذه الاثناء من الافضل التعامل مع هذه البنية كسيناريو آخر لا يمكن اعتباره خطة عمل قابلة للتنفيذ.
من أين سيأتي هؤلاء “المؤيدين للسلطة الفلسطينية” الذين لمكن أن يقوموا بدور شرطة الحماية في القطاع؟ في قائمة القوة البشرية الامنية في السلطة الفلسطينية يوجد 70 ألف شخص مسجل كمجند. 30 – 35 من بينهم يخدمون في الضفة الغربية، منهم 8 آلاف شرطي والباقون يعملون في اجهزة المخابرات على أنواعها، حرس الرئيس وادارة الخدمة الامنية وجهاز الدفاع المدني. النصف الآخر، 30 ألف مجند مسجلون في غزة، لكنهم “جنود اشباح” الذين منذ 2007، السنة التي سيطرت فيها حماس على القطاع، استمروا في تلقي رواتبهم ولكنهم لم يعملوا في وظائف شرطية أو أمنية.
قبل نصف سنة، عندما عملت الولايات المتحدة على الدفع قدما باقامة سلطة “مجددة” تستطيع ادارة القطاع (المفهوم الذي انتقل الآن الى اسفل الدرج)، تم فحص امكانية احياء قوات الشرطة الفلسطينية في غزة وتحويلها الى قوة يمكن أن تتحمل المسؤولية عن الحماية المدنية ومرافقة قوافل المساعدات الانسانية، وربما فيما بعد تشكيل القوة الامنية المحلية التي تستطيع مواجهة حماس بدعم قوة عربية أو دولية اخرى.
في شهر آذار نشرت “واشنطن بوست” بأنه بناء على طلب من الامريكيين قامت السلطة باعداد قائمة شملت 2000 – 3000 شخص الذين يمكنهم نظريا أن يكونوا مناسبين لهذه المهمة. نظريا لأنه لا أحد كان يمكنه أن يعرف في حينه أو حتى الآن كم هم الذين منهم بقوا على قيد الحياة بعد عمليات القصف الاسرائيلية. ربما هذه القائمة هي الاساس للقوة التي تحدث عنها ايغنيشيوس. ولكن حتى لو صادقت اسرائيل على تشغيلهم فان الحديث يدور عن اشخاص يحتاجون الى التدريب والاعداد العسكري الطويل، واذن من اسرائيل بتسليحهم، وسيارات مدرعة ودعم لوجستي.
السلطة الفلسطينية يوجد لها في الحقيقة 8 مراكز لتدريب رجال الشرطة والامن. والمنشأة الرئيسية في اريحا يمكن أن تدرب 900 شخص في كل دورة. ولكن حتى هذه المنشأة تعاني من النقص في المعدات والتمويل، حقول رماية حية لا توجد فيها منذ سنة ونصف لأن اسرائيل لا تسمح باستيراد الذخيرة الحية التي تنتظر في الاردن، وفقط عدد معين من المجندين يذهبون بين حين وآخر الى الاردن من اجل التدرب على النار الحية. ولكن حتى لو تم حل موضوع التمويل والتدريب والتسليح، وحتى لو افترضنا بأن حماس ستسمح لهذه القوة بالعمل، فان 2500 شخص، الذين يمكن أن يعملوا كرجال شرطة في كل القطاع وتأمين مؤسسات ومواجهة عصابات الجريمة المسلحة التي تعمل الآن بكل قوتها في القطاع، والدفاع عن قوافل المساعدات الانسانية، يشكلون فقط قطرة في بحر.
لكن هذه العملية يمكن أن تحطم الحاجز الاساسي الذي يقف أمام الانتقال الى سيطرة مدنية فلسطينية في القطاع، الحاجز المتعلق برفض اسرائيل المطلق السماح للسلطة الفلسطينية بوضع موطيء قدم لها في غزة. هذه القوة ايضا يمكن أن تكون رأس الجسر لدخول القوة الدولية، بالاساس عربية، التي ستستخدم كحزام امني للقوة الفلسطينية التي يمكن أن تهديء اسرائيل من عودة حماس الى السيطرة المدنية رغم أنه ما زال مطلوب حتى الآن تعاونها.
سيناريو مشاركة قوة متعددة الجنسيات في غزة يتدحرج منذ بضعة اشهر بعد المحادثات التي اجراها وزير الخارجية الامريكي ومستشار الامن القومي الامريكي والمبعوث الامريكي الخاص للشرق الاوسط مع قادة في الشرق الاوسط ومع الرئيس محمود عباس. في هذه المحادثات تم طرح أنه لن تكون قوة فلسطينية أو اجنبية مستعدة للعمل طالما أن اسرائيل توجد في القطاع. حسب معرفتنا فان السعودية وقطر ودولة الامارات وعدت بالمساعدة في تمويل اعمار القطاع، لكن عدم ارسال قوات. حتى مصر والاردن اوضحت بأنها لن تشارك مباشرة في ادارة القطاع أو حمايته، حتى لو كانت السلطة الفلسطينية هي صاحبة البيت في القطاع.
لكن في 11 حزيران، في الحدث السنوي للمنتدى العالمي للجنة اليهودية الامريكية (أي.جي.سي) عرض ساليبان سيناريو اثار موجة من التقديرات والتفسيرات. “اذا توصلنا الى صفقة (بشأن المخطوفين) وعملنا حسب خطة المراحل فنحن يمكن أن نصل في النهاية الى مبادرة أمنية وحكومية مؤقتة تؤدي الى أن لا تكون غزة منصة للارهاب، وأنه لن تنطلق منها بعد الآن أي هجمات ضد اسرائيل مثل النوع الذي شاهدناه في 7 اكتوبر”، قال. ولكنه لم يعط أي تفاصيل حول ماهية هذه “المبادرة الامنية والحكومية” المؤقتة، ومن الذي سيترأسها ومن الذي سيشارك في المنظومة العسكرية في غزة، وهل اسرائيل والسلطة توافقان أصلا على تبني هذه الخطة.
الواضح هو أن حماس لن تكون جزء من هذا “الحكم المؤقت”. حسب تقرير “واشنطن بوست” الذي لم يؤكد عليه أي مصدر رسمي في حماس، فان حماس ابلغت دول الوساطة بأنها مستعدة للتنازل عن الحكم في غزة في اطار الاتفاق المؤقت. ولكن في شهر شباط الماضي اعلن موسى أبو مرزوق بأن “حماس لا تطمح الى حكم غزة كهدف. منذ فترة نحن نطلب من السلطة الفلسطينية بأن تقوم بدورها في القطاع. يوجد لنا فقط طلب واحد وهو عدم التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني”. وقد قال في حينه بأنه في 2017 وافقت حماس على تشكيل “حكومة وحدة” فلسطينية لا تكون حماس جزء منها. هذه الحكومة تشكلت حقا في نفس السنة ولكنها تفككت بعد سنتين تقريبا.
رئيس مجلس الامن القومي الامريكي، جون كيربي، عبر عن “تفاؤل حذر” فيما يتعلق باحتمالية التوصل الى صفقة. اذا كان يوجد اساس، حسب قوله، فان قضية حكم غزة تصبح قضية ملحة اكثر. لأن المعنى العملي هو أنه في مرحلة النقاشات الاولى حول اطلاق سراح المخطوفين ستكون هناك ضرورة لصياغة على الاقل خطة لمستقبل الحكم في غزة، لأن جزء لا يتجزأ من شروط الاتفاق يتضمن ليس فقط وقف اطلاق النار، بل ايضا بداية انسحاب الجيش الاسرائيلي من التجمعات السكانية، وبعد ذلك من كل القطاع، وفي المرحلة الثالثة ستبدأ الرحلة الطويلة وباهظة الثمن والمركبة لاعادة اعمار القطاع.
أي انسحاب للجيش الاسرائيلي، حتى لو كان جزئيا، سيقتضي التواجد الفوري لقوة بديلة تدير الجهاز المدني في القطاع، وضمان توزيع المساعدات الانسانية وازالة مئات آلاف اطنان الانقاض والقمامة، وربما ايضا سيتولى المسؤولية عن ادارة الجانب الغزي في معبر رفح، كما تطلب مصر كشرط لاعادة فتح المعبر من جانبها.
اسرائيل تصر على أن تواصل السيطرة على محور فيلادلفيا وعلى منطقة الممر الذي اوجدته بين شمال وجنوب القطاع لمنع انتقال اعضاء حماس، الذي سيمكن لمئات آلاف المدنيين الغزيين العودة الى بيوتهم في شمال القطاع وترميم حياتهم. هذه العملية ستحتاج الى اقامة اجهزة تنسيق وادارة فلسطينية. جزء منها تستطيع السلطة الفلسطينية أن توفره بواسطة الموظفين المسجلين في قائمة القوة البشرية لها في القطاع، بالتعاون مع منظمات دولية وبتمويل الدول المانحة. ولكن من غير الممكن وصف كيف ستشكل مثل هذه الاجهزة بدون اشراك آلاف العاملين، مثل المعلمين ومربيات رياض الاطفال ومهندسين واطباء ورجال صيانة الذين سيحصلون على رواتبهم من حماس، وفي نظر اسرائيل يعتبرون اعضاء في هذه المنظمة حتى لو أنهم لم يحملوا السلاح في أي يوم. ربما ستضطر اسرائيل في حينه الى اتخاذ قرار استراتيجي يسمح بتشغيل رجال هذه الاجهزة حتى لو تم تشغيلهم من قبل حماس، شريطة أن لا تكون ايديهم ملطخة بالدماء. كل ذلك في الوقت الذي فيه جزء من القيادة العليا في حماس، على رأسها محمد ضيف ويحيى السنوار، ما زالوا يوجدون في غزة، إلا اذا تم التوصل الى اتفاق على ابعادهم.
إن التنازل العلني لحماس عن سيطرتها في القطاع ونقل السيطرة الى جسم فلسطيني، الذي مصدر صلاحياته هو السلطة الفلسطينية، أو الى السلطة نفسها، يمكن أن يسحب من حماس الانجاز السياسي الاكثر اهمية في تاريخها، السيطرة على منطقة جغرافية فلسطينية مستقلة ذاتيا، التي بواسطتها نجحت في وضع الاجندة السياسية للشعب الفلسطيني. ولكن هذه الخسارة ما زالت لا تقضي على حماس نفسها وقدرتها على الاندماج في المستقبل في م.ت.ف كجزء لا يتجزأ من القيادة الفلسطينية.