هآرتس: سيناريو الرعب في رفح دفع مصر لأخذ الوساطة على عاتقها
هآرتس 28/4/2024، تسفي برئيل: سيناريو الرعب في رفح دفع مصر لأخذ الوساطة على عاتقها
النقاشات التي جرت في يوم الاربعاء في مصر وفي نهاية الاسبوع في اسرائيل، بمشاركة رئيس المخابرات المصري عباس كامل ونظيره في اسرائيل، وصفت بأنها “جولة الفرصة الاخيرة”. جولة هدفت الى منع اقتحام الجيش الاسرائيلي لرفح مقابل تحريك صفقة تبادل للمخطوفين واطلاق سراح سجناء فلسطينيين. الاشارات التي خرجت من غرفة المفاوضات اشارت الى “محادثات جيدة” و”اجواء ايجابية” و”مرونة اسرائيلية” و”فرص جيدة” – لكن هذه الاوصاف سمعت في جولات سابقة ولم تثمر أي نتائج. النبأ الوحيد المؤكد هو أن “حماس تفحص الصفقة وسترد عليها”. خلافا للجولات السابقة فان مصر هي التي بادرت وتقوم بتحريك المحادثات وليس قطر.
امارة الخليج لم تختف من الصورة، لكن يبدو أن الانتقاد الذي وجه اليها في الفترة الاخيرة وعدد من التطورات الاخرى أبعدتها عن مركز المنصة. وهذه التطورات شملت مطالبة عضو مجلس النواب الامريكي ستني بويار من الرئيس الامريكي بـ “اعادة النظر” في العلاقات مع قطر؛ والرد الشديد لرئيس الحكومة محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي بحسبه “قطر ستعيد النظر في تدخلها في الوساطة”؛ وايضا التقارير بأن الدوحة يمكن أن تطلب من قيادة حماس مغادرة قطر؛ وأن ايران توجهت الى الرئيس السوري بشار الاسد وطلبت منه فحص امكانية استيعاب قادة حماس في بلاده (الطلب الذي تم رفضه بشكل مطلق). هكذا فان مهمة الوساطة بكل ثقلها تم القاءها على مصر.
لكن القاهرة، خلافا للدوحة، ليس فقط تقدم خدمات الوساطة لصالح اسرائيل وحماس والولايات المتحدة. فالاستعدادات في اسرائيل وفي القطاع قبل العملية في رفح جعلت مصر الطرف الاكثر اهتماما، لأن أمنها الوطني معرض للتهديد. الآن مصر شريكة في الدفاع وتقوم بحشد كل الموارد السياسية من اجل التوصل الى الصفقة التي ستنقذها من سيناريو التهديدات المتوقعة ما وراء الحدود في رفح. في بداية الحرب كانت مصر تواجه تهديد يتمثل باقتحام مئات آلاف سكان غزة لاراضيها، لكن التهديدات في هذه المرة اصبحت واقعية وفورية اكثر.
في المرحلة الاولى من اخلاء شمال القطاع كان يمكن لنحو مليون مواطن غزي أن يتحركوا نحو الجنوب وأن يجدوا ملجأ محميا نسبيا لهم. ولكن الآن العودة الى شمال القطاع غير ممكنة، أو على الاقل هي محدودة جدا، وفي مصر يخشون (وبحق) من أن النازحين سيتحركون في هذه المرة نحو الغرب، الى شبه جزيرة سيناء وما بعدها. الجيش المصري في الواقع قام بنشر القوات على طول الحدود، والقاهرة اعلنت بأنها لن تسمح “لأي لاجيء فلسطيني” بالوصول الى اراضيها، لكنها ايضا سارعت الى اقامة معسكرات خيام كبيرة في خانيونس واعداد مساحات “محايدة” تحيطها الاسوار، التي سيتم استيعاب النازحين فيها، الذين رغم ذلك سينجحون في اجتياز الحدود. الامر الاخير الذي تحتاجه مصر هو صور وافلام لجنودها وهم يطلقون النار على اللاجئين الفلسطينيين الذين يهرب من هنا فان اداة الضغط لها يمكن أن تكون ناجعة اكثر.
الدعامة القوية للقاهرة توجد في واشنطن. حسب مقال نشره في نهاية الاسبوع المحلل في “نيويورك تايمز”، توماس فريدمان، فان الولايات المتحدة حذرت اسرائيل بأنه اذا قامت باقتحام رفح “رغم معارضة واشنطن”، فان الرئيس الامريكي يمكن أن يقيد صفقات السلاح معها. فريدمان، الذي ينقل رسائل رئاسية بشكل مباشر، اقتبس مصدر امريكي رفيع، الذي بحسبه “نحن لا نقول بأنه يجب على اسرائيل ترك حماس لحالها. نحن نقول إننا نؤمن أنه توجد طريقة اكثر تركيزا لملاحقة قيادتها بدون تدمير رفح وكل المباني فيها”. هذا الاقتباس يدل على الفرق الاساسي في الرؤية العسكرية الاسرائيلية والامريكية. ففي حين أن اسرائيل ترى في تدمير الكتائب الاربعة لحماس التي بقيت في رفح هدف حيوي في الطريق الى النصر المطلق، فان واشنطن تركز على فرصة لتدمير قيادة حماس، وبالاساس منع عملية عسكرية ستحدث كارثة انسانية كبيرة وتؤدي الى دمار مطلق سيترك غزة بدون بنى تحتية من اجل اعمارها.
في هذا الشأن واشنطن تدرك بشكل جيد تخوفات مصر. مواقفها امام القاهرة منسقة اكثر مما هي امام اسرائيل. ليس فقط القضية الانسانية هي التي ستكون على المحك عند احتلال رفح، بل شبكة العلاقات بين اسرائيل ومصر يمكن أن تصبح مواجهة مباشرة بينهما اذا ادركت مصر بأن رفح اصبحت تهديد استراتيجي. احتلال المدينة يعني السيطرة على محور فيلادلفيا القريب من الحدود، الامر الذي سيلزم بدخول قوات كبيرة من الجيش الاسرائيلي الى المنطقة، التي حسب اتفاق كامب ديفيد واتفاق المعابر من العام 2005، يجب أن تكون منزوعة السلاح وتوجد فيها فقط قوة مصرية محدودة من حيث الحجم والسلاح. اذا اصبحت منطقة الحدود الى ساحة معارك بين حماس والجيش الاسرائيلي، التي يمكن أن تنزلق الى اراضي مصر، فان هذا الامر سيضع القاهرة امام معضلة سياسية وعسكرية صعبة.
ايضا تم اقتباس مؤخرا مصادر رسمية مصرية في وسائل اعلام محلية: “مصر مستعدة لكل الاحتمالات وتعرف كيفية الدفاع عن اراضيها وسيادتها”. مصر لا تريد الوصول الى مفترق الطرق الحاسم هذا الذي سيلزمها بفحص علاقاتها مع اسرائيل ويضعها على مسار تصادم مع الولايات المتحدة. انهاء الحرب حيوي بالنسبة لها بدرجة لا تقل عن حماس. الاضرار الاقتصادية التي لحقت بها منذ بداية الحرب هي اضرار ضخمة: حوالي نصف مداخيلها من التجارة في قناة السويس تقلص بسبب هجمات الحوثيين على مسارات الملاحة الدولية في البحر الاحمر؛ فرع السياحة، الذي يشكل 12 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي الخام للدولة، نشر عن تقلص المداخيل منه بـ 30 في المئة؛ انتاج الغاز الطبيعي انخفض والحكومة تواجه دين خارجي كبير (167 مليار دولار في السنة)؛ سعر الجنيه المصري انخفض بشكل دراماتيكي مقابل سعر الدولار (بسبب خفض الاسعار الذي طلبه صندوق النقد الدولي كشرط لاعطاء القروض التي طلبتها القاهرة). كل ذلك يلزم مصر بأن تتحول من “وسيط محايد” الى دافع قوي يحتاج الى عقد الصفقة بين اسرائيل وحماس، حتى أكثر منهما.
نقطة الانعطاف
مصر تستعد في الحقيقة لاحتلال رفح، لكن حتى الآن هي تقدر أن مكانة المدينة تتراوح بين الهدف العسكري بالنسبة للجيش الاسرائيلي، الذي بدونه كما تدعي اسرائيل لا يوجد ما يمكن التحدث عنه حول تدمير حماس، وبين ورقة مساومة سياسية وانسانية، يتعلق بها مصير المخطوفين الاسرائيليين؛ لا يقل عن ذلك مصير العلاقات بين اسرائيل ومصر، واحتمالية التطبيع بين اسرائيل والسعودية. رفح في السابق تم استخدامها كورقة مساومة، لكن في الاتجاه المعاكس.
قبل ثلاثة اسابيع، عندما كانت اسرائيل تتخبط في كيفية الرد على هجوم ايران بالصواريخ والمسيرات نشر أن الولايات المتحدة عرضت صفقة، التي بحسبها فانه مقابل رد محدود ضد طهران يمنع التدهور الى حرب شاملة، ستحصل اسرائيل على “الاذن” لاحتلال رفح. واذا كانت مثل هذه الصفقة حقيقية فانها كانت جيدة في حينه واستهدفت منع سيناريو دولي عبثي. رد اسرائيل على ايران كان محدود حقا، لكن رفح ما زالت ليست ساحة لعب حرة للجيش الاسرائيلي. المدينة يمكن أن تحمي مصالح اقليمية وامريكية، تتجاوز بكثير الهدف التكتيكي لتصفية حماس، الذي هو في الاصل لا يحظى بثقة كبيرة من قبل واشنطن.