هآرتس: سلسلة التفجيرات التي نسبت لاسرائيل كشفت حزب الله في حالة ضعفه واهانت قيادته
هآرتس 18/9/2024، عاموس هرئيل: سلسلة التفجيرات التي نسبت لاسرائيل كشفت حزب الله في حالة ضعفه واهانت قيادته
هجوم اجهزة الاتصال اللاسكية في لبنان الذي خلف أمس حوالي 4 آلاف مصاب و9 قتلى، عاد وقرب اسرائيل وحزب الله من شفا الحرب الشاملة. حزب الله يتهم اسرائيل بهذا الهجوم الذي لم تتحمل المسؤولية عنه بشكل علني وهو يهدد بالانتقام. اذا كان في المرات السابقة قد ظهر على طول المواجهة التي اندلعت في 7 تشرين الاول بأن حزب الله يحاول السيطرة على صورة الرد وتجنب تدهور كامل فانه لا يوجد يقين بأن هذا ما سيحدث في هذه المرة. العملية التي تم نسبها لاسرائيل كشفت حزب الله في ضعفه وأهانت قيادته. هذا ليس من الامور التي من المعتاد المرور عليها مر الكرام في الشرق الاوسط.
سلسلة التفجيرات الكبيرة حدثت في الساعة الرابعة بعد الظهر تقريبا، بالاساس في الضاحية الجنوبية في بيروت. ولكن حسب عدة تقارير فان تفجيرات اخرى حدثت في دمشق وفي البقاع وفي جنوب لبنان. الاهداف كانت اعضاء حزب الله، من بينهم شخصيات رفيعة التي جزء منها كان في قيادة الحزب وبعضها كان في اماكن مدنية مختلفة. التفجيرات كانت بصورة متزامنة في اجهزة استقبال الرسائل واجهزة الاتصال التي كانت بحوزة الاعضاء. من بين المصابين كان بعض عابري السبيل وعائلات اعضاء في حزب الله. تم الابلاغ عن 9 قتلى وحوالي 400 شخص باصابة بالغة، لكن التفاصيل ما زالت غامضة ومن غير الواضح بالضبط عدد قتلى الحزب نفسه. وقد نشر أنه حتى السفير الايراني في لبنان اصيب في انفجار، ولم يتم التبليغ اذا كان لديه جهاز اتصال لحزب الله هو نفسه أو كان يوجد مع رجال الحزب.
يبدو أن أحد نجح في اختراق شبكة الاتصالات السرية لحزب الله، ووضع في وقت سابق في اجهزة الاتصال مواد متفجرة وتشغيلها عن بعد في الوقت المناسب. هذه العمليات في منظومة السايبر، ايضا في اطار جهود التخريب، تسمى عملية “الزر الاحمر”. القصد هو أن العملية تكون جاهزة منذ فترة طويلة ويمكن تشغيلها حسب الرغبة عند الحاجة، مع مفاجأة العدو. يبدو أن من قام بالاعداد للعملية وتنفيذها قد قام بعمل مهني كبير. المنظومات العملياتية لحزب الله تبين أنها مخترقة وتضررت بدرجة كبيرة، بصورة يتوقع أن تثير عدم الثقة في صفوف الحزب والتآكل في منظومة القيادة والسيطرة لديه في الفترة القريبة القادمة. يمكن الافتراض أن حزب الله سيكرس وقت كبير الآن لجهود الدفاع، العثور على ثغرات حماية اخرى وتشخيص المسؤولين. يمكن التقدير بأن حزب الله سيحقق بشكل معمق، ضمن امور اخرى، في سلسلة التزويد لهذه الاجهزة. الهجوم الذي ينسبه حزب الله لاسرائيل سبقته تطورات صاخبة في المنظومة الامنية والسياسية في اسرائيل. في الاسبوع الماضي بدأت حاشية رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تنشر تقارير بأن توجهه هو نحو عملية هجومية في لبنان الى درجة الحرب الشاملة، هذا بعد أن امتنع خلال 11 شهر عن فعل ذلك وصد بين حين وآخر محاولات وزراء وضباط تحريك عمليات بهذا الاتجاه. في وقت لاحق تصاعد النزاع مع وزير الدفاع، يوآف غالنت، وأول أمس تم التسريب بأن نتنياهو قريب من الاتفاق مع عضو الكنيست جدعون ساعر، الذي بحسبه سينضم اربعة اعضاء كنيست من قائمة اليمين الرسمي برئاسته الى الائتلاف، وساعر سيستبدل غالنت.
المفاوضات السياسية تم تجميدها أمس قبل بضع ساعات على الهجوم. المحللون نشروا أن نتنياهو وغالنت قد انتقلا الى صفقة حول “موضوع أمني هام”. يبدو أن قضية عزل غالنت واستبداله بساعر دخلت الى التجميد المؤقت، وربما الطويل، ازاء التصعيد المتوقع. ربما أن نتنياهو قد حقق المكاسب السياسية المطلوبة بالنسبة له من هذه العملية حتى بدون تنفيذها. ساعر تم عرضه كمن هو مستعد لبيع ما تبقى من روحه مقابل المنصب، وغالنت تبين أنه لا توجد له قوة سياسية مستقلة، والجمهور ايضا لن يخرج في هذه المرة بجموعه للاحتجاج على المناورة القذرة لعزله. يبدو أنه يمكن ابقاء الآن الاثنين في حالة ضعف في مكانهما. في الاتفاق بينه وبين ساعر، كما تم التسريب، تقرر أن قرار اختيار رئيس الاركان القادم سيتم اتخاذه بشكل مشترك مع رئيس الحكومة (هذا هو ايضا الوضع القانوني الفعلي، لكن مع الاخذ في الحسبان العلاقة بين نتنياهو وغالنت، فان الامور كانت محل التساؤل). سياسيا اذا تم تنفيذ عملية الاستبدال بين غالنت وساعر فسيتبين أن هذه خطوة حاسمة في صالح نتنياهو، الذي يتوقع أن يقود ائتلاف واسع ومستقر أكثر.
لكن كل هذه الصفقة الحزبية اقل اثارة للاهتمام، في ضوء تزايد اخطار الحرب. ان تقارب الاحداث بين مؤامرة عزل غالنت والهجوم في لبنان يضع الكثير من الضباب فوق اعتبارات رئيس الحكومة والكابنت. هل، على فرض أن اسرائيل تقف وراء هذا العمل المنسوب لها من قبل حزب الله، العملية التي بالتأكيد تم الاعداد لها منذ فترة طويلة، قد تم تنفيذها في الوقت الصحيح؟ هل اسرائيل تريد ردع حزب الله عن الاستمرار في اطلاق النار نحو الشمال وأن تفرض عليه اتفاق يشمل سحب قواته عن الحدود اللبنانية، أو أن الهدف هو جر الحزب الى حرب؟ وما هي طبيعة العلاقة بين المستوى السياسي ورؤساء اجهزة الامن، وفيما بينهم هم انفسهم.
بعد فترة مثيرة للاحباط، سنة تقريبا، التي لم تنجح فيها اسرائيل في تحقيق أي حسم في أي جبهة فانه يزداد الضغط على رؤساء جهاز الامن لعرض نتائج، اضافة الى الاغراء بايجاد حلول عنيفة التي تأثيرها مؤكد كما يبدو. هذا ما حدث ايضا في قضية تصفية الجنرال الايراني حسن مهداوي في دمشق في نيسان الماضي، وفي عملية اغتيال اسماعيل هنية وفؤاد شكر في تموز الماضي، وفي عملية قصف ميناء الحديدة في اليمن. جميع هذه العملية حصلت على التعاطف النسبي من الجمهور ونتنياهو تفاخر بمعظمها، لكن حتى الآن هي لم تؤد الى أي تغير واضح في تطورات الحرب.
في العام 2021 قام سلاح الجو الاسرائيلي بقصف المترو (الانفاق)، وهي منظومة القيادة التحت ارضية لحماس في قطاع غزة قبل انتهاء عملية “حارس الاسوار”. الخطة الاصلية تم التخطيط لها بأن تكون عملية الافتتاح للحرب وشملت عملية تمويه لكتائب في القطاع، التي استهدفت جعل مئات المخربين يهربون الى مخبأ في الانفاق وعندها قتلهم بواسطة قصف شديد. ولكن العملية التي نفذت كانت ضعيفة ومحدودة. فحماس لم ينطلي عليها التمويه وابقت الانفاق فارغة. عدد مقاتليها الذين قتلوا في الهجوم يمكن عدهم على الاصابع.
الجيش الاسرائيلي والمستوى السياسي (الذي كان في حينه ايضا برئاسة نتنياهو) تفاخروا في البداية بالعملية وقاموا بعرضها كتعبير عن عظم القدرة الاستخبارية والتكنولوجية. بعد ذلك تبين أن اسرائيل قامت باحراق ورقة عملية هامة عندما كشفت قدرة مفاجئة لم تؤثر على اعتبارات العدو. الظروف في هذه المرة مختلفة قليلا لأن الحرب مستمرة، في الحقيقة بقوة محدودة. وحتى الآن يمكن التساؤل هل اضافة الى جباية الثمن من حزب الله العملية التي نسبت لاسرائيل تدفع قدما باهداف الحرب، التي فقط أول أمس اضاف اليها الكابنت اعادة سكان الشمال الى بيوتهم. يثور الانطباع بأن اسرائيل تنتظر رد حزب الله: حزب الله تلقى ضربة قاسية في بيروت، الثانية بعد اغتيال شكر، واذا قرر الرد في عمق اراضي اسرائيل فربما المعنى سيكون التدهور الى الحرب.
في المرة السابقة، في نهاية شهر آب، حزب الله قام بحل المعضلة بواسطة الاكاذيب. فردا على تصفية شكر وبعد انتظار طويل اطلق حزب الله عدة مسيرات هجومية نحو اسرائيل ولكنه تم اسقاطها فوق البحر في منطقة حيفا. حزب الله قال إن المسيرات انفجرت فوق المواقع العسكرية في غاليلوت، وهكذا اغلق الموضوع من ناحيته. الآن تم فتح حساب جديد دموي اكثر، سيكون من الصعب اغلاقه بواسطة بضع اكاذيب واختلاقات اخرى.
لا يوجد حسم في الافق
قبل ساعتين على الهجوم نشر الشباك بيان استثنائي كشف فيه عن قضية قديمة فيها تطور حديث. في ايلول الماضي انفجرت عبوة ناسفة في متنزه اليركون في تل ابيب، ولم تسبب اصابات. بعد ملاحقة اعتقل فلسطينيون من الضفة الذين قاموا بتشغيلها. التحقيق معهم اظهر أنه تم ارسالهم لتنفيذ العملية من قبل حزب الله، الذي حاول اغتيال شخص رفيع سابق في جهاز الامن. الآن تم افشال محاولة اخرى لخلية من نفس التنظيم كانت تنوي العمل بشكل مشابه ضد شخص رفيع آخر. اضافة الى العملية في مجدو في السنة الماضية فان هذه محاولات لتنفيذ عمليات من قبل حزب الله بواسطة عبوات ناسفة قاتلة داخل اسرائيل.
اسرائيل الرسمية لم تتطرق أمس الى الهجوم في لبنان. مكتب رئيس الحكومة أمر الوزراء بعدم اجراء المقابلات مع وسائل الاعلام، لكن أحد عباقرة الاعلام الجديد والذي هو من محيط رئيس الحكومة اختار التحاور في موقع “اكس” (تويتر سابقا) مع أحد منتقدي نتنياهو، مراسل “هآرتس” حاييم لفنسون، وألمح الى مسؤولية اسرائيل عن الهجوم في لبنان. معروف أن التغريدة المتبجحة تم حذفها بعد فترة قصيرة (كما حدث عندما كان من المهم لنتنياهو التفاخر بزيارة له في السعودية قبل بضع سنوات). يبدو أن الخطر تم اخذه في هذه المرة بجدية لأن المكتب سارع الى اصدار بيان تنصل فيه من نشر المنشور وقال إن هذا الشخص لا يعتبر من المستشارين المقربين من رئيس الحكومة، رغم أنه عمليا ما زال يعمل في الحاشية المقربة من نتنياهو.
الهجوم الذي نسبه حزب الله لاسرائيل نفذ بصورة بعيدة عن الاعلام وفي ذروة حرب طويلة. حتى الآن كان من الواضح أن ايران وحزب الله يريدون سفك المزيد من الدماء الاسرائيلية في الشمال لمساعدة حماس في حربها في غزة، لكن عدم الدخول الى حرب مباشرة وشاملة. قوة ضربة أمس والنشر حول اصابة السفير الايراني يمكن أن تؤثر في هذه المرة على اعتباراتهم. وربما الى درجة تغيير السياسة. الانجاز العملياتي المنسوب لاسرائيل مدهش جدا، لكن في الوقت الذي وعد فيه نتنياهو الجمهور منذ فترة قصيرة بأننا نوجد على بعد خطوة من النصر المطلق على حماس، الآن يبدو أننا اكثر قربا من السابق من حرب واسعة ايضا مع حزب الله. الحسم في جميع الجبهات ما زال لا يلوح في الافق.