هآرتس: زمن المفاوضات: روافع الضغط استنفدت نفسها
هآرتس 12-4-2024، بقلم: تسفي برئيل: زمن المفاوضات: روافع الضغط استنفدت نفسها
أصبح هامش العمل أو “التفويض” الذي تم تزويد البعثة الإسرائيلية فيه التي ستسافر إلى القاهرة، المحك لجدية رئيس الحكومة للدفع قدما بصفقة تبادل للمخطوفين. تدل التقارير على أن الحديث في هذه المرة يدور عن “تفويض مهم”، لكن من غير الواضح حجم هامش العمل هذا مقارنة مع القيود التي فرضت على طاقم المفاوضات في السابق، بالأساس هل سيكون فيه ما يكفي من اجل التوصل إلى التوقيع على صفقة تكون مقبولة لـ”حماس”، ولا يقل عن ذلك أهمية، هل المسودة التي سيتم التوصل إليها، إذا حدث ذلك، تستطيع اجتياز حقل الألغام الذي ينتظرها في الحكومة بسلام.
لكن مجرد استئناف المحادثات يمكن أن يشير إلى صلاحية الافتراض الذي بحسبه الأطراف تريد التوصل إلى اتفاق. هذا الافتراض يشير أيضا إلى الاعتراف بأن حجم الضغط الخارجي، السياسي والاقتصادي والعسكري، الذي كان يمكن استخدامه على حماس من قبل قطر ومصر والولايات المتحدة ودول أخرى، استنفد، وقد حان الوقت لإجراء مفاوضات “تجارية” فيها يجب على كل طرف أن يوسع حدود موافقته إلى الحد الأقصى من اجل تحقيق أهدافه.
“لم تعد توجد لدى قطر أدوات ضغط يمكن استخدامها على (حماس)، على الأكثر هي يمكنها نفي قيادة (حماس) إلى دولة أخرى، لكنها بذلك ستفقد القدرة على مواصلة وساطتها، أيضا هذا النفي يمكن أن ينقل قيادة (حماس) إلى ايران أو سورية، ولن ينتج عنه فائدة كبيرة للتفاوض حول تحرير المخطوفين”، قال للصحيفة دبلوماسي غربي مقرب من المفاوضات. “شبكة العلاقات في داخل (حماس) وهرمية اتخاذ القرارات تضعضعت في أعقاب الحرب إلى درجة أنه من غير الواضح بأي درجة يستطيع إسماعيل هنية وخالد مشعل وأعضاء مجلس الشورى، الجسم التوجيهي الأعلى للحركة، أن يفرضوا طلباتهم على يحيى السنوار الذي يبدو وكأنه هو الذي يدير بشكل حصري شروط المفاوضات”.
الاستنتاج من ذلك هو أن قيادة “حماس” الخارج أصبحت هي نفسها وسيطا بين السنوار ودول الوساطة، وبينها وبين اسرائيل. هي لم تعد تستطيع أن تكون على ثقة بنوايا السنوار وتداعيات سلوكه على مستقبل الحركة. لقد كانت لقطر رافعة ضغط وتأثير على سلوك “حماس” الداخل طالما أنها كانت تمثل مصدر تمويل أساسيا للحركة، سواء في مرحلة تأسيس المنظمة في الثمانينيات أو في إطار مشروع “الهدوء مقابل الأموال”، الذي تم تفعيله بالتعاون مع اسرائيل. في مفاوضات سابقة بين “حماس” واسرائيل في أعقاب عمليات عسكرية كانت قطر هي التي أعطت ضمانات مالية، ليس فقط لـ”حماس” بل أيضا لمصر من اجل أن تستطيع لعب دورها في إعادة إعمار القطاع كما بدأت في ذلك بعد عملية حارس الأسوار.
مسألة تمويل إعادة إعمار القطاع في الحقيقة لا تقف الآن على جدول الأعمال كشرط لإجراء مفاوضات حول إطلاق سراح المخطوفين، لكن إعادة إعمار القطاع هي احد البنود التي تطلبها “حماس”، هو يمكن أن يتحول إلى بند مركزي إذا تم إحراز تفاهمات حول عودة السكان إلى شمال القطاع وإعادة الإعمار للبنى التحتية التي ستحتاج إلى الكثير من الأموال. قطر لا يمكنها أن تضمن أن تنفذ اسرائيل دورها في أي اتفاق سيتم التوصل إليه، لذلك ستكون الولايات المتحدة هي المسؤولة عن ذلك. لكن يمكنها أن تضمن تمويل إعادة الإعمار وهكذا تلبية طلبات السنوار.
أيضا رافعة الضغط المصرية لم تعد كما كانت قبل الحرب. في أساسها تقف سيطرة مصر على صنبور الدخول والخروج في معبر رفح، الأنبوب الاقتصادي الأكثر أهمية الذي خدم “حماس” والقطاع بشكل عام. ولكن في أعقاب الحرب أخضعت مصر سلوكها في المعبر لإملاءات اسرائيل والولايات المتحدة، وإزاء تهديد اسرائيل باحتلال مدينة رفح، العملية التي تعني السيطرة على معبر رفح، فإن أساس قوتها الآن يمكن أن يتمثل في تقديم الضمانات وربما أيضا شراكة مدنية، لكن ليس عسكرية، في إدارة القطاع في المستقبل.
النتيجة هي أنه إذا كانت سياسة اسرائيل حتى الآن في قضية المخطوفين تستند إلى استخدام الضغط السياسي من قبل دول الوساطة العربية، الآن نتائج المفاوضات ترتبط بضغط الجمهور في اسرائيل والتهديد السياسي، وما الذي يمكن أن يفعله هذا الضغط برئيس الحكومة. وبوزن الضغط السياسي والعسكري الذي تفرضه الإدارة الأميركية، التي بدأت تمسك بيدها فعليا إدارة الحرب.
للوهلة الأولى يبدو أن التوجه الذي تقود إليه الإدارة الأميركية يتساوق مع جزء من طلبات السنوار، على الأقل في كل ما يتعلق بإعادة سكان شمال القطاع إلى أماكنهم التي تم تهجيرهم منها، وزيادة حجم المساعدات الإنسانية التي يجب على اسرائيل السماح بدخولها إلى القطاع وتقليص حجم قوات الجيش الإسرائيلي في القطاع. لكن سيكون الادعاء بأن الإدارة الأميركية تخدم السنوار أو تعزز مكانة “حماس” في المفاوضات حول إطلاق سراح المخطوفين، سيكون ديماغوجيا رخيصة ومشوهة. الرئيس الأميركي يحاول ليس فقط إنقاذ ما تبقى من مكانة اسرائيل الدولية المحطمة وصد الانتقادات الدولية والداخلية على المساعدات العسكرية التي يقدمها لها. بايدن يضع تحرير المخطوفين على رأس سلم أولوياته، وخطواته أو إملاءاته تجبر الحكومة على فعل ما كان يجب عليها فعله من اليوم الأول الذي تم فيه اختطاف الـ 240 مدنيا.
تجربة صعبة
يوجد لبايدن والولايات المتحدة بشكل عام تجربة طويلة وصعبة في إدارة المفاوضات حول تحرير الرهائن وتبادل الأسرى. الإدارات الأميركية التي اعتقدت أنه يمكن إطلاق سراح مواطنيها بالعمليات العسكرية وفرض العقوبات أو عقاب جماعي آخر، أدركت، أحيانا بشكل متأخر جدا، أن تقليص الخسائر بالذات يمكن أن يثمر. المثال الصارخ على ذلك هو قضية الرهائن الذين اعتقلوا من قبل حرس الثورة الإيراني في 4 تشرين الثاني 1979. 53 رهينة تم احتجازهم في ظروف فظيعة مدة 444 يوما. اثنتان من محاولات الإنقاذ العسكرية لم تنجح، إحداهما انتهت بفشل ذريع. وفقط عملية مفاوضات طويلة ومتعبة، أدارتها الجزائر، التي في نهايتها وافقت الولايات المتحدة على عدة تنازلات أدت إلى التوقيع على اتفاق لتحريرهم في كانون الثاني 1981.
في الاتفاق كتب أن “الولايات المتحدة وافقت على إلغاء جميع الإجراءات القانونية التي تجري في المحاكم الأميركية، التي تتعلق بدعاوى لمدنيين ومؤسسات أميركية ضد ايران وضد مؤسساتها الحكومية وإلغاء جميع الأحكام التي صدرت حتى الآن، ومنع إجراء أي نقاشات قانونية تستند إلى هذه الدعاوى والعمل على إنهائها بواسطة تحكيم ملزم. الولايات المتحدة تتعهد بأنه من الآن فصاعدا ستتبع سياسة عدم التدخل، بشكل مباشر أو غير مباشر، سياسيا أو عسكريا في الشؤون الإيرانية”.
هذان التعهدان من بين الخمسة تعهدات هما اللذان وقعت عليهما الولايات المتحدة في إطار الاتفاق. التعهدات الأخرى تناولت إلغاء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على ايران منذ بداية القضية، إزالة الرهن عن كل العقارات والأموال والذهب الإيراني الذي تم تجميده في الولايات المتحدة وإعادة ممتلكات شاه ايران إلى سلطات الثورة (البند الذي لم يتحقق لأن ايران لم تعرف بالضبط كم هي ممتلكات الشاه ولم تعرف كيف تقدرها). الرئيس كارتر الذي وقع على الاتفاق لم يتسلم الرهائن الذين تم تسليمهم لوريثه رونالد ريغان كانتقام من سياسة دعم كارتر للشاه الذي أسقطته الثورة.
تنازلت الولايات المتحدة في هذا الاتفاق ليس فقط عن العقوبات، بل عن مبادئ أساسية في سياستها الخارجية، التي أهمها هو عدم إجراء مفاوضات مع منظمات إرهابية أو دول تؤيد الإرهاب. مثلما في اسرائيل، أيضا في الولايات المتحدة ضغط الجمهور ونشرات الأخبار الرئيسة التي أشارت كل يوم إلى عدد أيام اسر الرهائن حققت النتيجة المطلوبة.
اختطاف المواطنين الأميركيين لم ينته بالتوقيع على اتفاق مع ايران. ففي لبنان استمر “حزب الله” بعد فترة قصيرة في اختطاف مدنيين، وأيضا الرئيس الجمهوري ريغان، الذي نفى بشدة أي مفاوضات أو أي تنازل لمنظمات إرهابية، دفع لإيران بالسلاح كفدية عن تحرير مواطنيه من يد هذه المنظمة في القضية التي عرفت بالاسم سيئ الصيت “ايران غيت”.
سؤال هل المفاوضات وتقديم التنازلات والدفع ستعزز ايران لم يتم طرحه في حينه. تحرير المواطنين الأميركيين من الأسر اعتبر أمرا يستحق أي ثمن يدفع مقابله.