هآرتس: حملة “انقر على السطح” في لبنان ليست بديلا عن وجود استراتيجية
هآرتس 18/9/2024، تسفي برئيل: حملة “انقر على السطح” في لبنان ليست بديلا عن وجود استراتيجية
في شهر آب 2020 شاهد لبنان كارثة بحجم تاريخي، الانفجار الضخم في ميناء بيروت. عدد المصابين في حينه بلغ 7 آلاف شخص واكثر، و300 قتيل ومئات الآلاف بقوا بدون مأوى، والاضرار التي تسبب بها الانفجار تم تقديرها بـ 15 مليار دولار. ولكن ابعاد الاضرار وعدد المصابين في عملية انفجار اجهزة الاتصال المنسوبة لاسرائيل، 4 آلاف شخص اصيبوا وحتى الآن 9 قتلى، هي بعيدة عن ابعاد الاضرار في انفجار الميناء، لكن الصدمة الوطنية عادت وظهرت من الذاكرة.
في تخطيط هجوم كهذا، كما يبدو من نتائجه حتى الآن، لا يمكن الافتراض بأنه فقط اعضاء حزب الله، المقاتلون ومن يؤيدون القتال، من بينهم سياسيين والسفير الايراني، سيصابون. هذا الهجوم لا يمكن أن يسمى “عملية تجميلية”. من ورائه يقف التوق الى ترسيخ ميزان الرعب والردع الذي يغير الواقع، ويتجاوز القدرة العلمية والتكنولوجية أو النية في احراج حسن نصر الله.
على صعيد التكتيك، طالما أنها تقف من وراء الهجوم كما يتهمون في لبنان، فان اسرائيل تجاوزت في هذه المرة بشكل متعمد قواعد “معادلة الرد” السائدة، التي فيها يجري الحوار العنيف بين اسرائيل وحزب الله منذ 8 تشرين الاول الماضي. هذه القواعد تأسست على قاعدة افتراض تقول بأن الطرفين غير معنيين بالحرب الشاملة، ويترتب على ذلك عمق الهجمات وحجم الاصابات في اوساط المدنيين ونوع السلاح الذي سيتم استخدامه.
تماثل الردود لم يتم دائما الحفاظ عليه، لكن أي انحراف عنه مثل تصفية قادة كبار، مثل فؤاد شكر ومحمد ناصر قائد القاطع الغربي في جنوب لبنان ووسام الطويل قائد قوة الرضوان وغيرهم، حتى الآن حافظ على اطار المواجهة الاساسي. حزب الله ومتحدثون رسميون في لبنان وجهوا اصبع الاتهام لاسرائيل على اعتبار أنها المسؤولة عن هذا الهجوم، وحتى أنهم وعدوا بالانتقام. ولكن حسن نصر الله حتى الآن لم يعط لهذا الهجوم تعريف جديد، الامر الذي يدل على نية استغلاله كذريعة لشن حرب شاملة.
عملية جماهيرية تحدث “اضرار جانبية” واسعة النطاق، تزرع الذعر ليس فقط في الشوارع والاسواق التي اصيب فيها مدنيون، بل يخلق انعدام الأمن الوطني. تأثير الجمهور لهذا الذعر معروف جيدا في اسرائيل، ويمكنه أن يخلق ضغط كبير على متخذي القرارات. ولكن اذا كان الهدف هو احداث تأثير مشابه في لبنان، يحرك حزب الله من اجل وقف هجماته، وبالاساس فصل الساحة اللبنانية عن ساحة غزة، فان هذا سيظهر كتوق بعيد المدى.
خلال اشهر يتم توجيه انتقاد جماهيري وسياسي لحزب الله من قبل سياسيين وصحافيين وشخصيات عامة، لكن حتى الآن هذا الانتقاد لم يتطور الى احتجاج جماهيري مثل النوع الذي احدثه الانفجار في ميناء بيروت أو الازمة الاقتصادية الشديدة. السبب يكمن كما يبدو في حقيقة أن المواجهة مع اسرائيل هي حدث يمس فقط جنوب لبنان، وبشكل جزئي البقاع في لبنان، لكن بيروت والمدن الكبيرة الاخرى معفية منه. مشكوك فيه اذا كان الهجوم في بيروت وفي الضاحية، معقل سيطرة حزب الله، سيغير هذه النظرية لأنها ما زالت تعتبر عملية موجهة لحزب الله وليس للمس بمواطني الدولة.
اذا كان هدف الهجوم هو ضعضعة ثقة حسن نصر الله بالقدرة على تفعيل جميع منظومات السلاح لديه، لا سيما التي تحتاج الى قنوات اتصال متقدمة، بواسطة اظهار مدى اختراق هذه المنظومات، فانه مشكوك فيه هنا ايضا أن يحدث انقلاب في استراتيجية حزب الله. تنوع الصواريخ والمسيرات وانواع السلاح الاخرى التي توجد بحوزة حزب الله ومنظومات الاتصال البديلة التي اقامها خلال السنين لا تعطي اساس صلب لافتراض بحسبه التنظيم سيتم شله بسبب الهجوم الالكتروني. ولكن عملية بالجملة مثل هذه العملية قد ترسل رسالة واضحة ليس فقط لحزب الله، بل ليحيى السنوار ايضا. التفسير السائد هو أن مواجهة شاملة مع لبنان تخدم اهدافه، حيث أن هذه الحرب ستحقق حلم الحرب متعددة الساحات التي خطط لها ضد اسرائيل.
السنوار، مثل اسرائيل، لا يمكن أن يثق الى أين ستؤدي حرب واسعة النطاق بين لبنان واسرائيل. وهو لا يمكنه التأكد من أن ايران ستنضم الى هذه الحرب. وسوريا اظهرت في السابق عدم اللامبالاة ودرجة كبيرة من الحيادية بالنسبة للمواجهة مع حماس، والحوثيون يواصلون في الواقع هجماتهم في البحر الاحمر ولكنهم لا يقدرون على احداث الحسم. بالاساس، السنوار مثل اسرائيل، لا يمكنه أن يعرف الى متى سيكون حزب الله مستعد لمواصلة حرب الاستنزاف مع اسرائيل اذا تبين أن هذه الحرب تعرض للخطر الذخر الاستراتيجي الاكثر اهمية بالنسبة لايران في الشرق الاوسط.
السنوار يمكنه، وربما يجب عليه، الافتراض بأن “عملية اجهزة الاتصال” هي من نوع اجراء “انقر على السطح”، وهو التحذير الاخير قبل الحرب الشاملة في لبنان. يبدو أن هذا التطور مناسب لرؤيته الاستراتيجية، لكن ذلك يمكن أن يدفعه بالتحديد الى هامش الساحة ونزع قوته السياسية التي توجد له الآن امام اسرائيل، ايضا ليس فقط املاء شروط صفقة التبادل، بل املاء خطة سيطرته في غزة المرتبطة بوقف الحرب في القطاع.
الحرب في لبنان ربما ستضخم شعور “وحدة الساحات”، لكنها ستفصل غزة عن لبنان. هي ستنشيء ساحة مستقلة بين اسرائيل ولبنان بدون أن تكون مرتبطة بما سيعرضه السنوار. من هنا فان حرب استنزاف، ليس حرب شاملة، يمكن أن تخدم بشكل جيد السنوار، وحسن نصر الله ايضا. الاستنتاج من ذلك هو أنه اذا كانت اسرائيل، التي نسب لها هجوم اجهزة الاتصال، تقدر بأنه تكفي الرسالة التي ارسلها الهجوم في لبنان من اجل احداث انفصال بين الساحات، أو على الاقل اقناع السنوار بأن هذا الانفصال هو على الباب، فان هذا الهجوم لا يقف على ارجل ثابتة. هجوم اجهزة الاتصال ربما هو استعراض مدهش للقدرة الاستخبارية والتكنولوجية، ولكنه لا يغير تركيبة السيناريوهات الاستراتيجية لاسرائيل، التي هي محبوسة بين خيارين. الاول هو الحرب الشاملة التي ابعادها ومدتها وتكلفتها بالارواح والاموال غير معروفة، ومثلها ايضا قدرتها على تحقيق الاهداف المخطط لها، من بينها الهدف الجديد وهو اعادة سكان الجليل بأمان الى بيوتهم. الثاني هو صفقة مع السنوار تتضمن وقف الحرب في غزة واطلاق سراح المخطوفين ووقف النار في الشمال. هذه ليست صفقة احلام، لكنها تحيد معظم بنود عدم اليقين الكامنة في خيار الحرب الشاملة، وهي على الاقل ستسدد دين اخلاقي كبير تدين به الحكومة لمواطنيها.