هآرتس: بدون حل للشمال، الطرفان يعودان الى روتين القتال
هآرتس 26/8/2024، عاموس هرئيل: بدون حل للشمال، الطرفان يعودان الى روتين القتال
إسرائيل وحزب الله اعلنا أمس، كل واحد بطريقته، عن انتهاء الجزء الأخطر في التصعيد الأمني المناوب بينهما. بعد بضع ساعات على احباط الهجوم المخطط له على إسرائيل بواسطة هجوم وقائي لسلاح الجو في جنوب لبنان اعلن حزب الله بأنه انتهت بنجاح المرحلة الحالية في عمليته. في حين أنهم في إسرائيل، استنادا الى التقدير بأن التوتر خف قليلا، حدثت قيادة الجبهة الداخلية التعليمات للجمهور ورفعت معظم القيود على حركة السكان في مركز البلاد وبدرجة اقل في الشمال. أيضا حركة الطيران في مطار بن غوريون منه واليه تم استئنافها خلال بضع ساعات.
حزب الله فشل فعليا. في البداية هاجم سلاح الجو ودمر آلاف الصواريخ ومنصات الاطلاق للمنظمة الشيعية. مع ذلك، عندما نفذ حزب الله الهجوم بالصواريخ والمسيرات قتل إسرائيلي واحد، جندي في سلاح البحرية. في حين أن اطلاق المسيرات على هدف في مركز البلاد لم يسفر عن نتائج.
ليس للمرة الأولى، في ظروف مشابهة، اختار حزب الله تسويق أكاذيب للجمهور في لبنان وفي الدول العربية. في بيان حزب الله قيل إن الهجوم حقق أهدافه ونجح في ادخال اسراب من المسيرات الى أراضي إسرائيل. ربما هذا بالتحديد هو سبب الرضا المعين: ربما أن الزعماء الشيعة يريدون تهدئة النفوس. رئيس حزب الله، حسن نصر الله، القى في المساء خطاب طويل وملتو في بيروت. وقد قال إن إسرائيل بالأساس هاجمت منصات اطلاق وهمية وأن الحزب لم يتكبد أي اضرار مهمة في هذه الهجمات. ولكنه لم يهدد مباشرة بمواصلة الثأر من إسرائيل.
كل ذلك لا يضمن أن حزب الله لا يقوم باعداد مفاجآت أخرى في القريب، أو أن الحوثيين في اليمن لن يطلقوا المزيد من المسيرات نحو تل ابيب، كجزء من الحساب المفتوح الذي ما زالت تديره ايران. في احباط الهجوم من الشمال لا يكمن أي حل للوضع غير المحتمل الذي يعيش فيه السكان على الحدود الشمالية منذ عشرة اشهر ونصف. لا يوجد للحكومة أي فكرة عن كيفية إعادتهم الى بيوتهم ووقف اطلاق الصواريخ والمسيرات كل يوم على الجليل وهضبة الجولان (الحكومة تتحفظ من الخيار المعقول الذي تطرحه الولايات المتحدة وهو التوصل الى صفقة ووقف النار مع حماس).
الاطلاق نحو الشمال استمر طوال اليوم، أيضا بعد موجة اطلاق كثيف اطلق فيها في المرحلة اكثر من 200 صاروخ والكثير من المسيرات، لكن يبدو أنه في هذه الاثناء خطر الحرب الإقليمية، الذي حلق فوق الشرق الأوسط خلال ثلاثة أسابيع، تضاءل بشكل كبير، وهذا لا يعتبر شيء قليل.
أضافة الى ذلك فانه مرة تلو الأخرى تم الكشف عن التفضيل الواضح في قيادة ايران وحزب الله. عندما تقف امامهم إمكانية الدخول الى حرب شاملة مع إسرائيل التي يمكن أن تعرضهم لاحتكاك عسكري متزايد مع الولايات المتحدة أيضا هم يفضلون القيام بخطوة الى الوراء. حلم رئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، حول وحدة الساحات ضد إسرائيل وتحويل المواجهة الى حرب شاملة، لم يتحقق حتى الآن.
خطة الهجوم المقدرة لحزب الله ردا على اغتيال من وصف بأنه رئيس اركان الحزب، فؤاد شكر، في الضاحية في بيروت، كان معروفة في إسرائيل وفي الولايات المتحدة منذ فترة. حزب الله ربما خاف من الحرب الشاملة، لكنه كان مستعد لتمديد حدود المخاطرة من ناحيته. الهدف كان الاضرار الكبير بقواعد الجيش الإسرائيلي في الشمال، إضافة الى عملية مركزة في تل ابيب. حسب نصر الله القصد كان قواعد ومنشآت في غليلوت، حيث يوجد هناك (حسب مصادر اجنبية) مقر قيادة الموساد وقواعد لسلاح الاستخبارات، من بينها قيادة الوحدة 8200.
لكن هذا الهجوم تم احباطه بفضل الجهود الاستخبارية والعملياتية المثيرة للانطباع لجهاز الاستخبارات وسلاح الجو وهيئة الأركان العامة. في الساعة 4:40 فجرا هاجمت الموجة الأولى التي كان فيها اكثر من 80 طائرة حربية أربعة مواقع لحزب الله في جنوب لبنان، التي كان الابعد من بينها يوجد في شرق مدينة صيدا (بصورة متعمدة لم يتم اختيار اهداف في بيروت أو في البقاع). الهجوم استمر لعشرين دقيقة تقريبا. في الموجة الثانية شاركت 20 طائرة حربية تقريبا، وقد أصيب هناك حسب تقديرات الجيش حوالي 6 آلاف صاروخ ومنصات اطلاق، معظمها من الصواريخ ذات المدى القصير.
حسب “نيويورك تايمز” تم قصف أيضا منصات اطلاق لصواريخ دقيقة ذات مدى متوسط، التي كان يمكن استخدامها في الهجوم على غوش دان في الساعة الخامسة صباحا. بعد ذلك اعترضت منظومات الدفاع الجوية عدد كبير من الصواريخ التي اطلقت نحو مناطق مأهولة، وسلاح الجو نجح في اسقاط الكثير من المسيرات التي تحركت نحو الجنوب. الهجوم الوقائي والاعتراضات التي جاءت في اعقابه شوشت واحبطت معظم قدرة الاطلاق التي خصصها حزب الله للعملية، بعضها بدون أن يتمكن الحزب من تشغيلها. المسيرات التي استثمر حزب الله في تحريكها نحو الجنوب الكثير من الجهد التخطيطي، تم اسقاطها بشكل جزئي فوق البحر. معظمها لم تصل الى الجنوب اكثر من خط العرض في مدينة حيفا.
بعد خمس دقائق على بداية الهجوم اعلن المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي والمتحدث بلسان قيادة الجبهة الداخلية للجمهور في إسرائيل عن ما حدث وطلبوا من السكان في المناطق القريبة من الحدود البقاء قرب الملاجيء. عندما تم اطلاق الصواريخ بعد نصف ساعة كان حجم الضرر وعدد المصابين صغير نسبيا. عدم المس بغوش دان ساعد أيضا في تهدئة النفوس رغم أنه يوجد لسكان الشمال ادعاء أساسي ومبرر بأن الحكومة والجيش يعطون أهمية استراتيجية اكبر للاطلاق على المركز، ولا يستخدمون وسائل مشابهة لإحباط الاطلاق على الشمال. هذا مثال آخر على ذلك بعد اطلاق مسيرة الحوثيين التي قتل بسببها احد الإسرائيليين في الشهر الماضي. أيضا في حينه إسرائيل ردت بقصف شديد لميناء الحديدة في اليمن بعد أن تجاهلت لاشهر اطلاق المسيرات من هناك نحو ايلات.
إسرائيل ما زالت تريد تحقيق ثلاثة اهداف. كبح معين لنشاطات حزب الله، إبقاء ايران خارج اللعبة والحرص على التنسيق الأمني الوثيق مع الأمريكيين. ورئيس الأركان الأمريكي الجنرال تشارلز براون وصل الى المنطقة أمس لتنسيق عمليات الدفاع المطلوبة.
حقيقة أنه حتى الآن لم تشتعل حرب إقليمية تسمح باستمرار المفاوضات حول عقد صفقة التبادل ووقف اطلاق النار في القطاع، التي تم استئنافها أمس في القاهرة بمشاركة بعثة رفيعة من جهاز الامن في إسرائيل. في هذه الاثناء على الأقل طموحات السنوار القاتلة لم تتحقق حتى الآن. والسؤال هو هل سيكون هذا كاف لدفعه مرة أخرى الى العودة الى مفاوضات فعالة، حيث رئيس الحكومة نتنياهو يعطي إشارات بأنه لا ينوي اظهار أي مرونة في المسائل المختلف عليها، منها التصميم على عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا. في المقابل، الولايات المتحدة قدمت الآن لإسرائيل مساعدة مهمة جدا للدفاع عنها. الإدارة الامريكية يمكن أن تترجم ذلك كضغط آخر على نتنياهو كي يظهر المرونة في ساحة الجنوب.
في غضون ذلك اعلن الجيش الإسرائيلي أمس عن قتل العريف أول عميت تساديكوف من لواء المظليين، في انفجار عبوة ناسفة في رفح، واصابة جندي آخر من المظليين إصابة خطيرة. تساديكوف (20 سنة) من بيت دغان، هو الجندي رقم 700 الذي قتل في الحرب. بعد ذلك قتل جنديان، العريف اول دافيد موشيه بن شتريت، الجندي في سلاح البحرية الذي قتل أمس على قارب دبورة، والرقيب احتياط شلومو يهونتان حزوت، جندي الاحتياط الذي قتل في القطاع. يتم فحص احتمالية أن بن شتريت أصيب بشظايا صاروخ اعتراض تم اطلاقه نحو مسيرة من لبنان كانت تحلق قرب القارب. نصف القتلى في الحرب قتلوا بعد المعارك التي جرت في يوم المذبحة في 7 أكتوبر. فقط في الأيام التسعة الأخيرة قتل 12 جندي، من بينهم خمسة جنود في نهاية الأسبوع. في الضفة الغربية قتل في هذه الفترة مواطن إسرائيلي في عملية تفجير.
الثمن الدموي في القطاع وبدرجة اقل في الشمال بقي مرتفع جدا. عندما يتم التأكيد على الحاجة الى عقد صفقة ووقف اطلاق النار، فان الحديث لا يدور فقط عن انقاذ المخطوفين، بل وقف النزف الكبير والمستمر لحياة الجنود. إسرائيل تقوم بدفع ثمن باهظ في حرب تجد صعوبة في حسمها، التي تستمر في التوسع الى ما لانهاية.