هآرتس: ايران تحسب المخاطر وتؤجل الثأر لكنها لا تهمله
هآرتس 23/8/2024، تسفي برئيل: ايران تحسب المخاطر وتؤجل الثأر لكنها لا تهمله
“لقد فحصنا جميع التأثيرات المحتملة، ونحن لن نسمح لنتنياهو الذي يغرق في المستنقع بأن ينقذ نفسه. رد ايران سيكون محسوب جدا”، قال محسن رضائي، القائد الأسبق لحرس الثورة الايراني، في مقابلة مع “سي.ان.ان”. نغمة مشابهة اسمعها علي محمد نعيمي، المتحدث بلسان حرس الثورة، عندما قال: “الوقت في صالحنا، وفترة الانتظار لردنا يمكن أن تطول”. هذه التصريحات والفترة التي مرت منذ اغتيال اسماعيل هنية في بيت الضيافة الرسمي لحرس الثورة في طهران، المنسوب لاسرائيل، عملت على تغذية التقديرات في الغرب التي بحسبها ايران لا تنوي في القريب مهاجمة اسرائيل.
لا يوجد خلاف حول أن استعراض القوة الامريكي، اضافة حاملة طائرات وسفن صواريخ التي جعلت البحر المتوسط الى قاعدة مؤقتة، والتحذيرات العلنية للرئيس الامريكي جو بايدن، هي المركب الجوهري الذي أثر على تحليل “النتائج المحتملة” التي تحدث عنها رضائي.
يجب اضافة الى ذلك الجهود الدبلوماسية الكثيفة التي مارسها البيت الابيض بواسطة عدد من دول المنطقة، منها قطر والسعودية وسلطنة عمان وتركيا واتحاد الامارات، التي يوجد لكل واحدة منها وزن ثقيل على خطوات اتخاذ القرارات في ايران. هذه الدول هي الاهداف لاستراتيجية السياسة الخارجية الايرانية التي تطمح الى وضع نفسها وكأنها “صديقة البيئة” المحيطة بها، وأنها لا تشكل أي خطر على جيرانها.
هذه هي سياسة المرشد الاعلى علي خامنئي التي على تطبيقها ركز الرئيس ابراهيم رئيسي، الذي قتل في شهر أيار في حادثة المروحية. ايران عملت على التوضيح بأن استراتيجيتها لم تتغير حتى بعد هجوم الصواريخ والمسيرات ضد اسرائيل في شهر نيسان، الذي جاء ردا على اغتيال قائد “قوة القدس” لسوريا ولبنان، محمد رضا زاهدي. وقد عرضت في حينه هذا الهجوم الذي ابلغت عنه مسبقا جيرانها والولايات المتحدة كـ “رد محسوب”، لا يهدف الى اشعال حرب اقليمية، وأوضحت بأنها تستند الى “الحق الشرعي” في الدفاع عن سيادتها، حيث أن زاهدي تمت تصفيته في مبنى تابع للسفارة الايرانية في دمشق، الذي يعتبر مثل أي سفارة كجزء من اراضي الدولة.
يبدو أن الشرعية التي خدمت ايران في شهر نيسان ما زالت سارية المفعول، وحتى ربما بشكل أكبر، فيما يتعلق باغتيال اسماعيل هنية في طهران. الفرق هو أنه خلافا لـ “المقدمة المعتدلة” التي نشرتها ايران قبل الهجوم في شهر نيسان، وتأطير الحدث بأنه محدود ومتزن وأنه لمرة واحدة، في هذه المرة التصريحات الاولية ولدت الانطباع بأن ايران مستعدة لتجاوز الخطوط الحمراء، وحتى مواجهة احتمالية تطور حرب اقليمية ستضعها في مواجهة مباشرة مع امريكا. وقد ساهم في ذلك بالاساس الخطاب العدائي لخامنئي.
“محظور الخوف من الحرب النفسية التي يقوم بها الصهاينة والولايات المتحدة ضد ايران. الهدف منها هو التخويف وجعل ايران تتراجع في عدة جبهات، وايضا ازدياد قوة العدو”، قال خامنئي في الاسبوع الماضي في الاحتفال بذكرى ضحايا الحرب بين ايران والعراق. هكذا، خلال عشرات السنين اظهرت ايران الاستعداد للوقوف ضد تهديدات وضغوط دولية كبيرة حتى عندما اعتبر موقفها “غير منطقي” ويناقض لمصالحها. ولكن بنفس المستوى هي اثبتت أنه عندما يتغلب اعتبار الفائدة على اعتبار التكلفة فانها تفضل تبني الاستراتيجية البراغماتية.
في شهر أيار 2003، بعد فترة قصيرة على الغزو الامريكي للعراق، عندما خشيت ايران من أنه يمكن أن تكون الهدف القادم للقوات الامريكية تم نشر بأن جهات في حكومة محمد خاتمي نقلت للرئيس جورج بوش اقتراح يقول بأن ايران ستكشف بشفافية عن مشروعها النووي وأنها ستتوقف عن مساعدة حزب الله وحماس مقابل التزام امريكا بأمنها واستئناف العلاقات الدبلوماسية معها. الرئيس بوش لم يرد على هذا الاقتراح، الذي حسب التقارير في حينه حصل على مصادقة خامنئي. المشروع النووي تم تجميده لفترة، ولكن تم استئنافه بعد ذلك.
مرت عشر سنوات على فرض العقوبات الشديدة منذ ذلك الحين، الى أن قامت ايران باستئناف المفاوضات حول المشروع النووي. ومرت سنتان اخريان الى حين وقعت عليه بمصادقة كاملة من خامنئي الذي صك في حينه مفهوم “مرونة بطولية”. وحسب قوله فان المرونة حيوية عند الحاجة من اجل مصالح الدولة. واسئلة مثل ماذا كان سيحدث لو أن الولايات المتحدة استأنفت العلاقات مع ايران في 2003 أو أن الرئيس ترامب لم يختر الانسحاب من الاتفاق النووي في العام 2018، هي اسئلة جيدة ربما للانتقاد السياسي أو مادة للأدب الخيالي، لكنها ليست ذات صلة بالتعامل مع الواقع الذي تطور نتيجة الانعطافة نحو الخروج غير الصحيح من التاريخ.
بعد مرور ست سنوات على تجميد الاتفاق النووي وتخفيف “الضغط بالحد الاقصى” الذي استخدمه الرئيس ترامب والرئيس بايدن، فان ايران تحتفظ بما فيه الكفاية من اليورانيوم المخصب بمستوى “عملياتي”، يمكنها اذا قررت ذلك من انتاج القنبلة النووية في فترة زمنية قصيرة. حسب عدد من التقديرات، بضعة اسابيع أو شهرين. في اعقاب قرار ترامب حصلت ايران على ضربة اقتصادية كبيرة، لكنها لم تنهر. وهي الآن تقوم بتصدير نفط أكثر، مليون ونصف برميل يوميا مقابل 400 ألف برميل في نهاية 2018. قدرتها التكنولوجية، على الاقل في المجال العسكري، قد تتطور. فمن دولة زبونة لروسيا، اصبحت دولة مصدرة للسلاح والصواريخ والمسيرات لروسيا ودول اخرى.
لكن هناك فجوة كبيرة تفصل بين قدرة الدولة على تطوير تكنولوجيا مثيرة وتحقيق الارباح من تصدير المسيرات لروسيا (تكلفة انتاج المسيرة في ايران من نوع شاهد 136 تتراوح بين 20 – 50 ألف دولار، لكن يتم بيعها لروسيا بحوالي 190 ألف دولار)، وتصدير النفط للصين، وبين تغطية احتياجاتها الاقتصادية. تقرير صندوق النقد الدولي من شهر نيسان قدر أن ايران تحتاج الى سعر 121 دولار لبرميل النفط من اجل الحفاظ على ميزالنية متزنة. ثمن برميل النفط في هذا الاسبوع بلغ 79 دولار، ويتوقع أن يهبط. اضافة الى ذلك وحسب تقرير لوكالة “رويترز” فان ايران تعطي الصين تخفيض يبلغ 13 دولار للبرميل، وفرصة ايران لسد هذه الفجوة متدنية، إلا اذا حدثت فجأة ازمة نفط عالمية.
البنك المركزي في ايران نشر بأن اجمالي ديون حكومة ايران والشركات المتفرعة عنها للبنوك تبلغ الآن 118 مليار دولار، اكثر 4 مليارات من السنة الماضية. العلاج في ايران هو الاقتراض من صندوق التطوير الوطني، الذي يمكن أن يستخدم كصندوق في حالة الطواريء، والذي حظر على الحكومة في السابق الاقتراض منه. من غير المعروف كم هي الاموال التي تراكمت في هذا الصندوق، لكن حسب تقارير ايرانية فان الحكومة اقترضت في السابق منه حوالي 100 مليار دولار. الوسيلة الثانية التي تستخدمها ايران بشكل مبالغ فيه هي طباعة النقود، الخطوة التي اغرقت السوق بالريالات التي فقدت قيمتها بشكل دراماتيكي وأدت الى تضخم وصل رسميا الى 42 في المئة، الذي لا يعكس بصورة كاملة الارتفاع الكبير للاسعار. تقرير البنك الدولي الذي نشر في شهر حزيران قدر بأن النمو في هذه السنة سيبلغ فقط 3.2 في المئة مقابل 5 في المئة في السنة الماضية، وفي السنة القادمة سيبلغ 2.7 في المئة.
في هذا الاسبوع حصل بزكشيان على انجاز استثنائي عندما صادق البرلمان في ايران على جميع المرشحين الـ 19 لشغل الحقائب الوزارية في حكومته. بزكشيان الذي تنافس في الانتخابات كممثل عن الاصلاحيين اثار في السابق الغضب الكبير في اوساط مؤيديه بسبب تشكيلة الوزراء التي عرضها، وبسبب اظهار اخلاصه المطلق لخامنئي. في هذا الاسبوع أثار ايضا العاصفة في اوساط المحافظين بعد أن كشف بأنه قبل عرض قائمة الوزراء على البرلمان قام بعرضها على خامنئي، الذي قام بالمصادقة عليها. المحافظون اعتبروا هذا الكشف كنية خبيثة لديه من اجل اشراك خامنئي بالمسؤولية عن أي عملية تنفذها الحكومة في المستقبل. ولكن دعم خامنئي حيوي اذا كان بزكشيان ينوي تنفيذ وعده بترميم الاقتصاد في ايران واجراء اصلاحات يمكن أن تمس بجيب حرس الثورة الذي يسيطر على أكثر من نصف الاقتصاد في ايران.
بزكشيان لا يريد تكرار خطأ روحاني الذي واجهة بصورة منهجية حرس الثورة، وفي نهاية المطاف وجد نفسه في مواجهة مع خامنئي. الدعم المسبق من خامنئي يمكنه ضمان، على الاقل على المدى القريب، ازالة عدة الغام، بالاساس امام البرلمان الذي يسيطر عليه المحافظون. بزكشيان يمكن أن يكون الرئيس الاخير الذي يخضع لسلطة خامنئي، وبالتالي سيكون ايضا هو المسؤول عن تشكيل ارث الزعيم الاعلى ومستقبل الدولة بعد ذهابه.
حسب بعض التقارير فان الرئيس بزكشيان توسل لخامنئي أن لا يهاجم اسرائيل من اجل عدم التصعيب على ولايته وأن لا يدخل الدولة الى عاصفة اقتصادية لا يمكن توقع نهايتها. واذا كانت محادثة الاقناع هذه قد حدثت فيمكن التقدير بأن الرئيس ايضا عرض على خامنئي النتائج المحتملة لمثل هذه الحرب على ارثه، وربما ايضا ذكره بنتائج الحرب بين ايران والعراق التي شارك فيها. هذه الاعتبارات كانت الكابح المنطقي للامتناع عن الحرب الشاملة التي رافقت ايران منذ بداية الحرب في غزة. ولكن يصعب الآن قياس وزن الاهانة والتطلع الى الانتقام كعامل يوجه قرارات ايران. ومن الجدير التطرق الى الانتقام كهدف لن تتنازل ايران عنه، في الزمان وفي المكان المناسبين.
في هذه الاثناء الوقت في صالح ايران، كما قال المتحدث بلسان حرس الثورة. والوقت توجد له اهمية استراتيجية.