ترجمات عبرية

هآرتس: المعركة في لبنان تطرح على ايران معضلة استراتيجية

هآرتس 23/9/2024، تسفي برئيلالمعركة في لبنان تطرح على ايران معضلة استراتيجية

اثنان من الاسماء الجديدة – القديمة اضيفا في هذا الاسبوع الى بنك الاهداف المعدة للتصفية، طلال حمية وعلي كركي، الذي عينه حسن نصر الله لادارة المعركة بعد أن اغتالت اسرائيل فؤاد شكر وابراهيم عقيل. القادة الكبار الذين قتلوا والذين يوجدون على مرمى الهدف هم مجموعة القيادة المخضرمة في حزب الله، في جيل حسن نصر الله (باستثناء حمية الذي هو اكبر منه بعشر سنوات) الذين رافقوه منذ تأسيس الحزب.

من السابق لأوانه تأبين قدرات المنظمة القيادية وقيادتها. حسب حسن نصر الله فانه في 2021 كان عدد اعضاء الحزب 100 ألف مقاتل. وحسب تقديرات اكثر دقة فان العدد هو 40 – 50 ألف، يضاف اليهم عشرات آلاف الاطفال في اعمار 8 – 16 في الاطر شبه العسكرية مثل كشافة الامام المهدي، الذي تخرج من صفوفه قادة واشخاص رفيعين في الحزب. الحزب مبني بصورة هرمية والقرار النهائي هو في يد حسن نصر الله، لكن الحزب يستند الى مجلس شورى ونقل افقي للمعلومات. 

مجلس الجهاد، الجسم المسؤول عن الاستراتيجية العسكرية وترجمتها الى عمليات، لا يعتبر غواصة محكمة الاغلاق. في تقديرات الوضع ووضع سياسة الحزب يشارك رؤساء المجالس التي تشكله، التي من بينها المجلس التنفيذي، نوع من “حكومة التنظيم” الذي يترأسه هاشم صفي الدين، وهو يتحكم باقسام مركزية مثل الدعاية والاعلام، الوحدة المالية، القسم الطبي وقسم خدمات الرفاه. اضافة اليها يعمل المجلس السياسي – السياساتي المسؤول عن ادارة منظومة العلاقات السياسية والدولية، والمجلس القانوني ومجلس النشاطات البرلمانية.

رؤساء المجالس والاقسام لا يشاركون بشكل عام في القرارات العسكرية التي يتم اتخاذها بسرية كبيرة. مع ذلك، هم يشاركون في النقاشات حول سياسة الحزب والميزانية والقرارات السياسية التي تتعلق بالحفاظ على مكانة الحزب في النسيج السياسي – الاقتصادي في لبنان. البنية المدنية – السياسية – الاقتصادية لحزب الله لا تقل اهمية عن البنية العسكرية، وقد منحت الحزب قوته في وضع سياسة حكومة لبنان وصد قوانين أو دفعها قدما، وفي منع أو المصادقة على تعيين رئيس الدولة، وحتى التدخل في مواضيع استراتيجية من بينها ترسيم الحدود البحرية بين اسرائيل ولبنان، واستضافة اللاجئين السوريين أو طردهم، وتقسيم السيطرة على الشركات الحكومية.

الاضرار الكبير بسلسلة القيادة العليا تلزم حسن نصر الله بأن يكون اكثر مشاركة في التخطيط على المستوى الميداني وتوسيع صلاحيات السيطرة والقيادة للقادة الجدد. مستويات القيادة في الحزب الذي راكم تجربة قتالية في سوريا – هناك قتل اكثر من ألف مقاتل، تقريبا ضعف عدد القتلى في المواجهات مع اسرائيل في السنة الماضية –  تسمح لحسن نصر الله بأن يعين في وقت قصير قادة جدد. في الحقيقة هم اقل تجربة من اسلافهم، لكنهم عملوا بشكل ملاصق لكبار القادة الذين اداروا المنظومة لعشرات السنين وتعلموا اساليب العمل، بالاساس “روح القائد”. 

ربما أن ضخ “دماء جديدة” في القيادة العليا يمكن أن يزيد نجاعة حزب الله، حتى لو كانت المعرفة الشخصية والحميمية التي اعطاها القادة الكبار لحسن نصر الله والتي كانت مثابة ذخر كبير، لا سيما فيما يتعلق بالقرارات الاستراتيجية، إلا أنه لم تغب عن الحزب الخلافات الشخصية والفكرية. على سبيل المثال، تعيين شكر وعقيل لترأس هيئة الاركان لم يتم استيعابه بسهولة من شخصيات رفيعة اعتبرت نفسها ليست أقل جدارة منهم. ايضا بين اثنين منتخبين لم يكن دائما توافق على خطط العمل ضد اسرائيل وفي جبهات اخرى. 

مسألة اخرى تتعلق بمكانة حزب الله في لبنان بعد الهجمات الكبيرة على قواعده، لا سيما الضربة المدوية التي تكبدها الحزب في الهجوم على منظومات اتصاله اللاسلكية. هنا يجب التمييز بين مكانتين لحزب الله. من جهة، مكانته مقابل القوى السياسية الاخرى في لبنان، والعلاقة بينه وبين الشيعة وقوته في عمليات داخلية، سياساتية. من جهة اخرى، مكانته امام ايران ووكلائها في المنطقة. من ناحية سياسية حزب الله لا يمثل كل الشيعة في لبنان. ولكونه حزب فانه يتقاسم القوة مع حزب أمل، برئاسة رئيس البرلمان المخضرم نبيه بري. حسب استطلاعات اجرتها معاهد ابحاث في لبنان وفي الخارج فان حزب الله يحصل على دعم 70 في المئة في الطائفة الشيعية، ونسبة دعم قليلة في الطوائف الاخرى، حتى لو أنه في السنتين الاخيرتين حدث تآكل ضئيل وثابت في نسبة تأييده. 

العلاقة والاعتماد بين حزب الله والشيعة في لبنان يقوم على منظومة متشعبة وممولة بشكل جيد من المؤسسات المدنية، العيادات والمدارس ومنظمات الرفاه والمنظمات النسوية ومؤسسات تمويل تمنح قروض سهلة لسكان القرى الشيعية في جنوب لبنان، اضافة الى صناديق خاصة لترميم اضرار الحرب التي حجم مساعدتها اعلى من حجم مساعدة حكومة لبنان، هذا بفضل مصادر التمويل الكبيرة التي بناها التنظيم اضافة الى المساعدة السخية من ايران ونصيبه في ميزانية الدولة. 

التقدير هو أنه في المنظومة المدنية للحزب يتم تشغيل حوالي 70 ألف مواطن، الذين يعتاشون بشكل مباشر من التنظيم، ايضا آلاف المدنيين الذين يستفيدون بشكل غير مباشر من خدماته، مثل ارشاد المزارعين ودورات اسعاف أولي. منظومة الاتصال هذه لا يتوقع أن تتضرر بسبب الحرب، حتى لو اضطر عشرات آلاف السكان في قرى جنوب لبنان الى أن النزوح من هناك. النازحون قالوا لوسائل الاعلام بأنهم “على ثقة بأن حزب الله سيساعدهم على اعادة التأهيل بعد الحرب”، وأنه لا توجد لديهم توقعات كبيرة من حكومة لبنان.

سيطرة حزب الله على الخطوات السياسية امام الاحزاب والزعماء الخصوم لا يتوقع أن تتضعضع. فحزب الله وشريكته الشيعية حركة أمل لا يتمتعان باغلبية في البرلمان، لكن الشراكة مع قوى مختلفة يتوقع أن تستمر في الحفاظ على القوة التي بحسبها يتقرر هل ومتى سيتم انتخاب الرئيس الجديد في لبنان. في هذه القوى يندرج اعضاء مستقلون في البرلمان (حتى الفترة الاخيرة ايضا الحزب المسيحي)، التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي ابنه تيمور هو زعيم الحزب الاشتراكي التقدمي. الى حين انتخاب الرئيس ستستمر الحكومة المؤقتة (التي هي مؤقتة منذ ثلاث سنوات) برئاسة نجيب ميقاتي في قيادة الدولة.

هذه الحكومة غير قادرة على اتخاذ قرارات جوهرية في المواضيع الداخلية والخارجية، بالاحرى ادارة الحرب أو وقفها. هذه حكومة مريحة جدا لحزب الله، بعيدة عن الحكومة القوية لفؤاد السنيورة التي في العام 2006 جندت المجتمع الدولي لانهاء الحرب في 2006. يجب عدم اطالة الحديث عن الجيش اللبناني. فهو ذراع تنفيذي ضئيل ومفلس، وهو غير قادر على مواجهة القوات العسكرية التي تتفوق عليه لحزب الله والتي تملي حتى سلوك قوة اليونفيل في جنوب لبنان. امام القوى السياسية في لبنان وامام الجيش اللبناني فان حزب الله ليس بحاجة الى الصواريخ أو المسيرات، حتى لو تم تدمير كل منظومة صواريخه وتمت تصفية كل قادته الكبار فستبقى لديه قوة عسكرية يمكنها ضمان استمرار سيطرته السياسية في لبنان وتهديد خصومه. 

ضعضعة الحكم الذاتي

السؤال المهم من ناحية استراتيجية هو كيف أن الضربة الشديدة لحزب الله ستؤثر على علاقته مع ايران وعلى مكانته مع وكلائها. في نهاية الاسبوع وصل وزير الخارجية الايراني، عباس عراكتشي والرئيس الايراني مسعود بزشكيان الى نيويورك للمشاركة في لقاء الجمعية العمومية في الامم المتحدة، عراكتشي قال: “في كل ما يتعلق بلبنان فانه من الطبيعي أن يتخذ حزب الله قراراته بنفسه وأن يرد وفقا لذلك (على الهجمات ضده)”. يبدو أن عراكتشي يعبر عن سياسة ايران طوال الحرب التي بحسبها كل “فرع”، لبنان والعراق واليمن، يتصرف بشكل مستقل وفقا للظروف التي يمليها الواقع السياسي في كل دولة من هذه الدولة. 

توجد لحزب الله بشكل عام، وحسن نصر الله بشكل خاص، مكانة خاصة، لأن حزب الله هو المنسق والموجه لنشاطات “الفروع” من اجل “وحدة الساحات”. وأي مس خطير بقدرته، ليس فقط هزة معنوية في صفوف الحزب الاقوى من ناحية عسكرية من بين كل الفروع، بل يمكن أن يؤثر ايضا على الفروع الاخرى. لأنه بالفعل يبدو أن “جبهة الدعم” متعددة الساحات، التي تم تصميمها لتعزيز قدرة حماس على التفاوض، اصبحت ساحة واحدة، ولبنان احتلت مكان غزة. 

“معادلة الردود” التي اوجدها حزب الله امام اسرائيل خدمت حتى الآن بشكل جيد مصالح ايران، طالما أنها لم تجر طهران الى حرب شاملة، التي يمكن أن تكون مشاركة فيها بشكل مباشر. ايران “ساهمت” بدور المهديء في المعادلة عندما قررت عدم الرد حتى الآن على قتل اسماعيل هنية، رغم أنها تستمر في التهديد بأن الرد سيأتي. 

مع ذلك، امام توسيع الساحة في لبنان والتقدير بأن توجه اسرائيل هو نحو الحرب الشاملة، ايران يمكن أنه يجب عليها اتخاذ قرار استراتيجي مؤلم من اجل الحفاظ على ذخرها الحيوي، لبنان بسيطرة حزب الله. ربما هي ستدخل الى هناك في دور الوسيط، أو على الاقل الوسيط تحت الظل، من اجل أن تقود الى انهاء الحرب. واذا كانت ايران تنوي تغيير الاتجاه فسيكون بالامكان سماع اشارات حول ذلك على لسان بزشكيان في الخطاب الذي سيلقيه يوم الثلاثاء في الجمعية العمومية، على فرض أن التطورات على الارض لن تقرر الواقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى