هآرتس: السكان طردوا والجيش الإسرائيلي يقرر حقائق على الأرض
هآرتس 6/11/2024، عاموس هرئيل وينيف كوفوفيتش: السكان طردوا والجيش الإسرائيلي يقرر حقائق على الأرض
قبل بضع ساعات على فتح صناديق الاقتراع للرئاسة في الولايات المتحدة، أمس تحدث وزير الخارجية الامريكي، انطوني بلينكن، هاتفيا مع وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالنت. في البيان القصير الذي اصدرته وزارة الخارجية الامريكية تم تخصيص فقط جملة واحدة لالتزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اسرائيل من الهجوم الذي تهدد به ايران. باقي النص تم تخصيصه للمشكلة التي تشغل جدا في هذه الاثناء الادارة الامريكية في الشرق الاوسط وهي عمليات الجيش الاسرائيلي في شمال القطاع والتشويش على ادخال المساعدات الانسانية اليه.
قبل ثلاثة اسابيع ارسل بلينكن ووزير الدفاع الامريكي لويد اوستن رسالة شديدة اللهجة الى غالنت ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، طلبا فيها من اسرائيل أن تنفذ خلال ثلاثين يوم خطوات لتحسين الوضع الانساني في القطاع. وقد حذرا من أنه سيكون لغياب هذا الوضع تداعيات شديدة على ارساليات السلاح لاسرائيل. بعد ذلك أمر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الجيش الاسرائيلي سرا بالاهتمام بادخال 250 شاحنة مساعدات في اليوم الى القطاع وفقا لطلب امريكا، وهو العدد الذي لا ينجح الجيش الاسرائيلي في تلبيته.
في غضون ذلك اجاز الائتلاف في الكنيست قوانين لاغلاق مكاتب الاونروا، الامر الذي اغضب الادارة الامريكية التاركة. ولكن بلينكن يقلق بالاساس من الوضع على الارض في القطاع. في بيانه جاء أنه حث اسرائيل على اتخاذ خطوات تزيد حجم المساعدات – الغذاء، المياه وما اشبه من الامور الضرورية، للمواطنين في كل ارجاء القطاع. ودعا ايضا الى انهاء الحرب في غزة واطلاق سراح جميع المخطوفين وايجاد مسار يمكن المدنيين في غزة من اعادة بناء حياتهم واعادة اعمار القطاع. المحادثة بين بيلنكن وغالنت جرت بعد شهر تقريبا على بداية العملية بمستوى فرقة للجيش الاسرائيلي في مخيم جباليا في شمال القطاع. وحسب قوله فانه في المعارك في المخيم قتل تقريبا ألف مخرب وتم أسر 700 شخص من السكان المشتبه فيهم بعضويتهم في التنظيمات الفلسطينية. حوالي 55 ألف مدني تم اخلاءهم من المخيم وبقي فيه بضع مئات، الى جانب مجموعات صغيرة من مسلحي حماس. في المدن التي تقع شمال جباليا، بيت حانون وبيت لاهيا، بقي بضعة آلاف من المواطنين. “الاخلاء بالقوة”، قال، كان من اجل حماية السكان. وقد سبق ذلك في البداية محاولة تخويف من قبل حماس التي اطلق رجالها النار على الناس وقتلوا وأصابوا من ارادوا الهرب.
القلق والانتقاد في الولايات المتحدة وفي اوروبا من عملية الجيش الاسرائيلي ثارت ازاء التقارير الواردة من الميدان والتي تشمل القتل الجماعي للمدنيين (في الجيش يقولون إن حماس تضخم الاعداد بشكل متعمد)، الى جانب تدمير البنى التحتية. في الخلفية وقفت ايضا المنشورات الاسرائيلية حول “خطة الجنرالات” التي بلورها ضباط كبار في الاحتياط، والتي دعت الى طرد كل السكان الفلسطينيين بالقوة الى النصف الجنوبي للقطاع، جنوب ممر نتساريم (منطقة ناحل عوز)، التي يسيطر عليها الجيش الاسرائيلي. هؤلاء الضباط طلبوا ايضا عدم ادخال المساعدات الانسانية الى شمال القطاع.
الجيش الاسرائيلي يتنصل من العلاقة مع خطة الجنرالات، التي حصلت على انتقاد دولي، لكن في الواقع هو ينفذ جزء كبير منها. السكان لم ينتقلوا الى جنوب نتساريم، لكنه تم طردهم فعليا من ربع القطاع الشمالي الى جنوب جباليا، وربما حتى الى مخيم الشاطيء الموجود جنوبا اكثر بقليل. هذا النشاط يرافقه تدمير كثيف للبيوت والبنى التحتية من جباليا نحو الشمال، الذي يبدو أن البعض منه غير مرتبط مباشرة بالقتال. هذه التغييرات تقريبا لا يمكن اصلاحها وهي ستحتاج من الفلسطينيين الى سنوات لاصلاحها، هذا اذا تم اصلاحها. هذا هو الانطباع الذي تولد بعد زيارة في الميدان.
اهلا وسهلا بالقادمين الى ايلي عزة
بين كيبوتس نير عام وسدروت وعلى هامش الطريق تحت الجسر الذي يمر عليه القطار يمكن رؤية منشأة وضعت فيها خيام. بنظرة اولى تبدو هذه المنشأة مثل مخيم للكشافة. على مدخل هذا المخيم تم وضع لافتة كبيرة كتب عليها “ايلي عزة”. هذا المكان حظي بالنشر عنه في ويكيبيديا، الذي بحسبه فان الحديث يدور عن “مستوطنة غير قانونية اقيمت قرب كيبوتس ايرز على يد نشطاء من اليمين، الذين يريدون اقامة المستوطنات في قطاع غزة”.
منذ فترة غير بعيدة فكرة العودة الى الاستيطان في غزة كانت فكرة للمتطرفين في اليمين. شباب تلال ضائعين تركوا المزارع المعزولة والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية وجاءوا الى الغلاف للاستفزاز والضغط على المستوى السياسي والعودة لاقامة المستوطنات التي تم اخلاءها في عملية الاستيطان. ولكن ما ظهر قبل سنة كفكرة خيالية لعدد من المتطرفين اصبح في الاشهر الاخيرة بؤرة يحج اليها الحاخامات واعضاء الكنيست ونشطاء من اليمين المتطرف.
على مسافة غير بعيدة عن المخيم توجد ثغرة في الجدار الحدودي الذي تدخل منه قوات الجيش الاسرائيلي الى شمال القطاع. بعد السفر مئات الامتار في اراضي القطاع ظهر أن النشطاء في هذه الخيام قريبين اكثر من تحقيق الحلم مما يعتقد الجمهور الواسع. في العطاطرة وفي بيت لاهيا لم يبق أي بيت يمكن العيش فيه. المنطقة تظهر وكأنه حدثت فيها كارثة طبيعية. بين الانقاض لا يظهر أي من المواطنين، وكجزء من محاولة لطردهم فان الجيش يطلق النار من الرشاشات نحو المنطقة في الليل والى مناطق مفتوحة. المواطنين الذين يريدون العودة لا يمكنهم ذلك لأن الجيش يمنع ذلك. باختصار، لا يهم وبحق الاسم الذي يعطيه الجيش الاسرائيلي للعملية. ولكن الجيش بدأ مرحلة التطهير في شمال القطاع من خلال الاستعداد للاحتفاظ بالمنطقة لفترة طويلة.
على طول الطريق يمكن رؤية شاحنات ومعدات هندسية تعمل على تدمير المباني القريبة من الشوارع. وبدلا منها يتم شق طرق واسعة تستهدف السماح بحركة اكثر أمنا وأكثر سهولة للقوات في المنطقة. العقيد ينيف بروت، قائد لواء كفير، تولى المسؤولية عن منطقة العطاطرة وبيت لاهيا. وهو يقول بأن المهمة التي تحملها هي مواصلة العثور على والمس بالبنية التحتية الارهابية لحماس ونشطائها. وحسب قوله فانه في العملية الاخيرة لم يتم العثور على بنى تحتية تحت الارض أو سلاح ثقيل أو مواقع لانتاج السلاح. القوات الآن تقوم بتمشيط البيوت في محاولة للعثور على مسلحين وسلاح.
الواقع على الارض يدل على أن الجيش الاسرائيلي ينفذ عملية تقسيم لشمال القطاع الى قسمين. في المرحلة الاولى قام الجيش الاسرائيلي بتقسيم كل القطاع الى قسمين في منطقة ناحل عوز. والآن القسم الشمالي في القطاع يقسمه الجيش الى قسمين. لا يسمح للسكان بالعودة الى المناطق التي تم اخلاءها، وحتى في المناطق التي انتهت فيها نشاطات الجيش الاسرائيلي.
لواء “كفير” تم تعزيزه بالكتيبة 71 من اللواء 188، الذي منذ كانون الثاني الماضي يحارب على الحدود مع لبنان. حقيقة أن الجيش الاسرائيلي يقوم بارسال قوات للمشاركة في العملية في الشمال، خاصة كتيبة دبابات، لصالح السيطرة على المنطقة التي توجد في الجنوب، يمكن أن تشير الى نية المستوى السياسي التوصل الى انهاء القتال في الشمال والاستعداد لتواجد طويل في الجنوب.
المحاكمة ومشكلات اخرى
بشكل عام عمليات الجيش الاسرائيلي تدل على محاولة وضع حقائق على الارض لفترة طويلة. في الجيش كما هو معروف لا يوجد أمر ثابت اكثر من المؤقت. اضافة الى التوتر المتزايد مع المجتمع الدولي فانه يتوقع أكثر أن يزداد التوتر في فترة “البطة العرجاء” للادارة الامريكية، بدون صلة بنتائج الانتخابات، واستمرار العمليات في شمال القطاع يمكن أن ينزل ضربة شديدة بالاتصالات حول عقد الصفقة، الامر الذي سيزيد الخطر على حياة المخطوفين المحتجزين في القطاع، الـ 101 جندي ومدني.
الجيش الاسرائيلي لا يعمل هنا في فضاء فارغ، بل حسب تفاهمات صامتة مع المستوى السياسي. ويتعزز الانطباع بأن نتنياهو يعمل بشكل متعمد لصالح شركائه في اليمين المتطرف. فقد اعلن قبل بضعة اشهر في مقابلة مع القناة 14 بأنه يؤيد اعادة بناء المستوطنات في القطاع، لكن هذا هو كل ما يهم حزب قوة يهودية وحزب الصهيونية الدينية في الحرب، حتى بثمن حياة المخطوفين. وحقيقة أن هذه الاحزاب تستخدم ضغط مشابه من اجل استمرار الحرب في لبنان – التي يبث نتنياهو توقعات متفائلة حول انهائها بعد بضعة اسابيع – تدل على سلم الاولويات الحقيقي لهذه الاحزاب.
نتنياهو خضع لضغط المستوطنين لأنه حسب رؤيته لا يوجد امامه خيار آخر. وهو يأمل أن التحالف السياسي معه سيساعده في البقاء في الحكم، وفي نفس الوقت تأجيل تقديم شهادته في محاكمته الجنائية التي يتوقع أن تبدأ في بداية الشهر القادم. وبغرض تأجيل التجنيد فقد تم حشد التهديد على حياته ايضا، وهو الامر الذي يحرص على التأكيد عليه منذ اطلق حزب الله طائرة بدون طيار تفجرت على نافذة غرفة النوم في منزله الخاص في قيصاريا في منتصف تشرين الاول الماضي.
اثناء ذلك فان نتنياهو ومكتبه يغرقون في مشكلات اخرى. ومن غير الواضح اذا كانت هذه المشكلات تعرض بشكل مباشر حكمه، لكنها بالتأكيد تزيد التوتر والخوف في اوساط مساعديه ومستشاريه. في التحقيق الذي اجراه الشباك في قضية سرقة المعلومات الاستخبارية السرية من قسم استخبارات الجيش الاسرائيلي واستخدامها لغرض الحملة ضد عائلات المخطوفين، وقد تم حتى الآن اعتقال أحد المتحدثين وهو ايلي فيلدشتاين. وربما سيتم التحقيق مع مساعدين آخرين. اليوم سمح بالنشر أن الشرطة تجري تحقيق يتعلق باحداث حدثت منذ بداية الحرب في مكتبه. في الخلفية يوجد ما نشر في “يديعوت احرونوت” عن شكوى في الشرطة قدمها السكرتير العسكري لنتنياهو في حينه، الجنرال آفي غيل، للاشتباه بمحاولة تغيير محاضر جلسات.