هآرتس: الجيش الإسرائيلي ينشيء بنى تحتية لمدى طويل في غزة ويستعد للبقاء فيها حتى 2025 على الأقل
هآرتس 13/11/2024، ينيف كوفوفيتش وآفي شاريف: الجيش الإسرائيلي ينشيء بنى تحتية لمدى طويل في غزة ويستعد للبقاء فيها حتى 2025 على الأقل
الاعمال هنا تتقدم بشكل حثيث. ما كان قبل بضعة اشهر اكوام تراب وانقاض بيوت مدمرة، اصبح الآن مواقع بناء في مراحل تطوير متسارعة. شوارع واسعة يتم شقها، لواقط هوائية يتم نشرها، وبنى تحتية للمياه والمجاري والكهرباء، وبالطبع مبان متنقلة. الحديث لا يدور عن مشروع جديد للحكومة أو رد معين على مشكلة غلاء المعيشة لمواطني الدولة، بل عن مشروع مختلف كليا.
هذه الصور الموجودة في ممر نتساريم يمكن رؤيتها في اماكن مختلفة في قطاع غزة. زخم التطوير في الذروة، والهدف، سواء كان الحديث يدور عنه بشكل علني أو غير علني، واضح: اقامة بنى تحتية لتواجد طويل للجيش في المنطقة، على الاقل في المرحلة الاولى.
منذ بداية الحرب سيطر الجيش الاسرائيلي على مناطق وعلى طرق في القطاع. ولكن البيانات التي وصلت لـ “هآرتس” تبرهن على الحجم والنطاق الذي يدور الحديث عنه الآن. الجيوب بدأت تذكر بفترة ما قبل الانفصال في 2005. شارع واسع في ممر نتساريم وفي محيطه مواقع جديدة.
في كيسوفيم ايضا تم شق شارع بجانبه منطقة تجمع وحوله منطقة مفتوحة، على الاقل حتى الآن. ولكن ليس فقط ما نراه على الارض يشير الى استمرار تواجد الجيش في القطاع في السنة القادمة. هذه النتيجة تظهر ايضا من الاطلاع على الرسم البياني للقتال في العام 2025، الذي حصل عليه مؤخرا ضباط وجنود في الخدمة النظامية وفي الاحتياط.
هذا يُبلغ أن الجيش الاسرائيلي في الفترة الاخيرة بدأ في “تسوية مناطق واسعة في القطاع، أو بلغة عسكرية اقل، تدمير المباني والبنى التحتية القائمة بشكل لا يمكن أن تختفي هناك اخطار على الجنود، وايضا لا يمكن لأحد العيش فيها. اضافة الى هذه النشاطات توجد اعمال بنى تحتية عسكرية جديدة، شق المحاور والطرق الواسعة وحتى تمهيد الارض لاماكن سكن لفترة طويلة. “نحن قمنا بالنوم في حظائر محمية مع قوابس ومكيفات. هذا كان بمستوى اعلى من كل المواقع التي كنت فيها في الخدمة”، قال للصحيفة ضابط خدم في نهاية الصيف في موقع قرب ممر نتساريم. “كان يوجد مطبخ للالبان وآخر للحوم، كنيس قاموا بادخاله، وغرفة العمليات كانت في حظيرة محمية”. حسب قوله الشعور كان أن الامر يتعلق بخط آخر في غلاف غزة أو في الضفة الغربية وليس تسوية مؤقتة في منطقة خطيرة. “نحن قمنا بالتجول بدون الخوذات والستر الواقية ولعبنا كرة القدم داخل الموقع”، قال نفس الضابط. “تقريبا في كل مساء كنا نشوي، لم يكن الشعور بأننا في منطقة قتال”.
بعد ذلك مر شهران تقريبا والظروف هناك تحسنت. كل ذلك الى جانب اخلاء شمال القطاع من المواطنين وتحويل المنطقة الى جيب عسكري. جهات رفيعة في المستوى السياسي وفي جهاز الامن يكررون بأن اخلاء شمال القطاع ليس جزء من “خطة الجنرالات” من اجل فرض الحصار على المنطقة واخلاء سكانها، التي بحسبها ايضا منع المساعدات الانسانية يعتبر أمر مشروع. ولكن مصادر امنية رفيعة تحدثت مع الصحيفة اكدت في محادثات مغلقة بأن ما يتم عرضه على الجمهور الاسرائيلي ليس بالضرورة ما يحدث بالفعل. مثلا، هذه الجهات قالت، الجيش الاسرائيلي مطلوب منه الآن اخلاء قرى ومدن من سكانها، ومن اجل تأكيد ذلك، في المنطقة التي كان يعيش فيها عشية الحرب اكثر من نصف مليون غزي، بقي الآن حوالي 20 الف غزي وربما أقل.
هذا الامر تم طرحه في محادثات اجراها في الفترة الاخيرة اشخاص رفيعين في ادارة بايدن مع نظرائهم الاسرائيليين. رجال الادارة حذروا من أنه حسب تقارير منظمات دولية فانه يوجد الآن خوف حقيقي من محاولة تجويع السكان المدنيين في شمال القطاع. الحديث يدور عن منطقة التي تقريبا لم يعد يوجد فيها أي بيت صالح للسكن، وهذا ليس بالصدفة. من محادثات مع قادة وجنود في الميدان، ومن جولة في منطقة القتال، يتبين أن الجيش الاسرائيلي يعمل بشكل ممنهج لتسوية المباني التي ما زالت قائمة هناك. “نحن لا نستيقظ في الصباح ونحضر جرافة “دي 9” ونقوم بتدمير الاحياء”، قال ضابط كبير شارك في القتال. “ولكن اذا كان يجب علينا التقدم الى اماكن معينة فنحن لا نعرض قواتنا للخطر بواسطة تفخيخ وعبوات”.
حتى الآن هناك سكان لا يذهبون الى أي مكان، لأنهم لا يريدون تكرار ما حدث لهم. كثيرون منهم هربوا من بيوتهم في شمال القطاع في بداية الحرب الى مدينة غزة، لكنهم عادوا الى الشمال بعد ذلك، رغم الظروف القاسية بسبب صعوبة الانتقال من مكان الى آخر مع عائلاتهم، التي عدد منها هم مصابون. الآن هم يعيشون في بيوت حتى لو كان عمرها غير معروف. يبدو أن معظم السكان في مناطق القتال ببساطة يفضلون احتلال مأوى آيل للسقوط وخطير قبل فصل الشتاء على المغادرة الى المجهول.
لكن وضع هؤلاء السكان الآن بعيد عن الاستقرار على خلفية جهود اسرائيل في ابعادهم من هناك، احيانا بمساعدة اطلاق قذائف المدفعية نحو مناطق مفتوحة قريبة من المناطق التي ما زالت مأهولة. “في الاشهر الاخيرة كل المطلوب أن تفعله القوات على الارض هو دفع السكان نحو الجنوب – تسوية البيوت على بعد بضعة كيلومترات من المحاور اللوجستية ومناطق تواجد القوات في ارجاء القطاع”، قال ضابط كبير خدم في القطاع قبل فترة قصيرة. في كل هذه المناطق يوجد بناء عسكري طويل المدى. “هذا ليس مواقع تبنى لشهر أو شهرين”، اوضح نفس الضابط.
شمال القطاع هو جزء كبير في الصورة ولكنه ليس كل الصورة. حسب الخطة التي يتم تنفيذها فان الجيش يعمل على الاحتفاظ بأربع مناطق كبيرة في المنطقة على الاقل. منطقة بارزة منها هي ممر نتساريم. سلاح الهندسة قام بشقها عند بداية الحرب وتم استخدامه كممر لوجستي للقوات العاملة وفيما بعد لادخال المساعدات الانسانية. ولكن مع مرور الوقت غير الهدف وصورته.
بعد اعمال تسوية واسعة في المنطقة لم يعد الحديث يدور عن ممر، بل عن منطقة واسعة لا توجد فيها مبان. فبدلا من البيوت يوجد شارع، وبدلا من الحي توجد صحراء. “اليوم عندما نقف في الممر”، قال أحد جنود الميدان، “في اماكن معينة لا نرى بيوت في غزة”. 5 – 6 كم هو عرض الممر الآن، بطول 9 كم، هو يؤدي الى مكان كانت توجد فيه مستوطنة نتساريم. هذا العرض غير نهائي، لأن مصادر تحدثت مع الصحيفة قالت إن قوات الجيش الآن تعمل على توسيعه، 7 كم، 3.5 كم على كل جانب.
لكن الحديث لا يدور عن شارع في أي مكان. في الواقع لا يوجد هناك بناء قديم، لكن جديد يوجد. بمعنى ما يمكن القول إن هذا مشروع رئيسي لمواقع غزة الجديدة. على جانبي الممر يوجد عدد منها، كبيرة – التي شوارع واسعة توصل اليها، وهي من شأنها أن تكون فيها قوات غير قليلة لفترة طويلة.
منطقة اخرى على خارطة الطرق الجديدة لاسرائيل هي محور فيلادلفيا. ففي الوقت الذي فيه الاتصالات من اجل التوصل الى اتفاق تبادل دخلت الى حالة جمود، والنقاشات ايضا حول اهمية الاحتفاظ به، فانهم في الجيش قاموا بتسوية مناطق واسعة على طول المحور. في عدة اماكن الحديث يدور عن كيلومتر واحد، وفي مناطق اخرى 3 كم. وحتى أنهم في المستوى السياسي طلبوا كيلومتر آخر.
حسب مصادر في الجيش فانه توجد في هذا المحور مناطق الـ 4 كم فيها هي سيناريو غير منطقي، لأن معنى ذلك هو تدمير احياء كاملة في رفح. وهي المبادرة التي يتوقع أن تزيد غضب المجتمع الدولي (الذي حتى الوضع القائم هو اشكالي بالنسبة له).
المنطقة الرابعة هي الاطول من بينها. الحديث يدور عن قطاع على طول الحدود بين غزة واسرائيل، وفرقة غزة هي المسؤولة عن اعادة تشكيله. بكلمات اخرى، منطقة عازلة بعرض كيلومتر على الاقل، بين مستوطنات الغلاف وصف البيوت الاول في القطاع. الهدف هو ابعاد تهديد القذائف المضادة للدروع عن بيوت سكان الغلاف. الطريقة هي تدمير احياء بالكامل.
لكن ما يحدث في هذه الاثناء حول كيبوتس كيسوفيم يشير الى أن مشروع التسوية لم ينته بعد. ففي الاسبوع الماضي اعلن الجيش عن فتح طريق مساعدة لوجستية من هناك الى داخل القطاع (أمس نشر أن هذا المحور سيستخدم ايضا لادخال المساعدات الانسانية). في هذه المرحلة الحديث يدور عن محور ضيق وقصير ينتهي في منطقة التقاء غير كبيرة. ولكن حسب ادعاء قادة في الميدان فانه هكذا ايضا بدأت المشاريع السابقة، وبسرعة فان ممر كيسوفيم سيصبح شبيها بالشوارع في محور فيلادلفيا.
حول الطريقة التي فيها حاجة معينة تتسع لتصبح مشروعا ثابتا، لا نعرف عنها فقط بواسطة الشوارع. هذه ايضا قصة المعبر الذي تمت اقامته بسرعة في بداية الحرب، الذي هدف الى ترتيب الانتقال من شمال القطاع الى جنوبه. واذا كان في البداية يشبه حاجز ارتجالي، فهو الآن اصبح معبر حدود يفصل بين دولتين.
“كما يبدو هذا على الارض فانه قبل 2026 الجيش الاسرائيلي لن يخرج من غزة”، قدر ضابط في أحد الالوية التي تقاتل في القطاع. “عندما نشاهد الطرق والمحاور التي يشقونها هنا، من الواضح أن هذا لا يخدم عملية برية أو اقتحام القوات لمناطق مختلفة. هذه المحاور تؤدي ضمن امور اخرى، الى اماكن تم اخلاء بعض المستوطنات منها. أنا لا اعرف عن نية لاعادة اقامتها، هذا ليس أمر يقال لنا بشكل صريح، لكن الجميع يعرفون الى أين هذا سيؤدي”.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook