هآرتس: الجيش الإسرائيلي يستخدم مواطنين فلسطينيين كدرع بشري لتمشيط أنفاق في غزة
هآرتس 14/8/2024، ينيف كوفوفيتش وآخرين: الجيش الإسرائيلي يستخدم مواطنين فلسطينيين كدرع بشري لتمشيط أنفاق في غزة
في البداية يصعب تشخيصهم. بشكل عام هم في العشرينيات، دائما يحيط بهم جنود برتب مختلفة، وهم على الاغلب يرتدون الزي العسكري. ولكن نظرة مركزة اكثر ستكشف أنهم لا يرتدون الاحذية العسكرية بل أحذية رياضية وأيديهم مقيدة الى الخلف ووجوههم يظهر عليها الخوف. هؤلاء هم “الشاويشيون”، كما يسمون من قبل الجنود والضباط. هؤلاء فلسطينيون تم استخدامهم بشكل عشوائي من قبل وحدات الجيش الاسرائيلي في القطاع، ولهم هدف واحد وهو أن يكونوا دروع بشرية للجنود في عملهم. “قالوا إن حياتنا اكثر اهمية من حياتهم”، قال بعض الجنود. “التي في النهاية من الافضل أن يبقى جنودنا على قيد الحياة وهم الذين يتفجرون بالعبوات”.
هذا الوصف جاء في احدى الشهادات التي وصلت الى هآرتس. شهادات جنود وقادة. الصورة التي تظهر هي أنه في الاشهر الاخيرة هذا الامر يحدث في كل ارجاء قطاع غزة بمعرفة من الضباط الكبار، وحتى مكتب رئيس الاركان.
هذا الامر يتكرر مرة تلو الاخرى. فالجنود يعثرون على المدنيين من غزة “المناسبين” من اجل هذه المهمة، ويجلبونهم الى الالوية والكتائب التي تعمل في القطاع. “يوجد تفاخر في ذلك”، قال مصدر شارك في عملية العثور على هؤلاء المدنيين.
القادة بالرتب العليا يعرفون ذلك”، قال نفس المصدر. لكن هذه المعرفة لم تزعج الجيش في اظهار السذاجة ازاء التوثيق الذي نشر قبل نحو شهرين في قناة “الجزيرة”. في الفيلم الذي تم عرضه ظهر جنود للجيش الاسرائيلي وهم يقومون بالباس معتقلين فلسطينيين الزي العسكري والستر، ويضعون عليهم كاميرات ويرسلونهم الى البيوت المدمرة وفتحات الانفاق. كل ذلك وأيديهم مكبلة. في الادارة الامريكية غضبوا من هذا التوثيق، لكن حسب قول نائب المتحدث بلسان وزارة الخارجية الامريكية، فدينت باتل، الذي رد على التقرير وقال: “في اسرائيل وفي الجيش الاسرائيلي قالوا بأنهم يحققون في هذه الاحداث وأن ما ظهر في هذه الافلام لا يعكس قيمهم وهو يشكل خرق للتعليمات والاجراءات”.
لكن هذا النشر فاجأ الجنود في الميدان بشكل أقل. “عندما شاهدت تقرير “الجزيرة” قلت: نعم، هذا صحيح” قال ذلك للصحيفة جندي نظامي شارك في تشغيل غزيين كدروع بشرية. “بعد ذلك شاهدت رد الجيش الاسرائيلي الذي لا يعكس بالضبط الواقع. هذا حدث على الاقل بمعرفة من قائد اللواء”. ربما نفس هذا الجندي يمكنه فهم محاولة اسرائيل التنصل من هذه الافعال. ولكنه قال “في الجيش يعرفون أن الامر لا يتعلق بحادثة لمرة واحدة لقائد فصيل شاب وغبي، الذي قرر بنفسه أن يفعل شيء ما”.
من المحادثات التي اجرتها “هآرتس” يتبين أنه على الاغلب “المجندون” هم شباب بالغون. مع ذلك، هناك شهادات بأنه في بعض الحالات ايضا تم استخدام فتيان أو اشخاص كبار في السن (احيانا يطلب من كبار في السن الدخول الى البيوت، قال احد الجنود)، تكلم العربية يعتبر ميزة بالنسبة للجيش الاسرائيلي من اجل تشغيلهم في المباني والانفاق، حيث مطلوب منهم ابلاغ القوات التي توجد في الخارج.
يجب عليك تنفيذ بمهمة واحدة تتمثل في تنظيف فتحة النفق وسيتم اطلاق سراحك”، قال احد الجنود من تجربة شخصية. هذا ما قيل للمرشحين بتنفيذ هذه المهمة. ولكن هذا الوصف ليس بالضرورة دقيق. فرغم أنه يوجد فلسطينيون طلب منهم أن يبقوا مع الوحدة 24 ساعة فقط، إلا أن هناك آخرون يبقون ليومين أو حتى لاسبوع. “عندما تكون في الامر أنت لا تعرف ما هو غير الصحيح”، قال نفس الجندي. “المؤكد هو أن هذا شعور فظيع”.
الاحداث التي تم وصفها في المحادثات مع “هآرتس” (التي تم التحدث عن بعضها في “نحطم الصمت”)، حدثت في مناطق مختلفة في القطاع. ولكن النموذج كان متشابه جدا كما يتبين من قصة جندي تواجد هناك لاشهر. ذات يوم عندما وصل مع اصدقائه الى بيت قائد اللواء رأى شخص غير معروف وهو يمشي ذهابا وايابا ويرتدي الزي العسكري، بدون سترة واقية ويرتدي حذاء رياضي، ويرافقه جنود لحراسته. حسب قول الجندي طلب من الجنود مرافقته حتى الى المراحيض، والاهتمام باطعامه.
الجندي قال بأنه في هذه المرحلة لم يفهم أي شيء عن هذا الامر. هو واصدقاؤه تساءلوا اذا كان هذا أسير، أو ربما عميل. ولكن في اليوم التالي عرفوا لماذا هو موجود هناك. القوة تم الطلب منها الخروج لفحص نفق كان في مجال نشاطاتها القتالية. ولكن عندما رأى الجنود الشاشة عرفوا أن الفلسطيني تم ادخاله الى الداخل، وهو يرتدي الزي العسكري ويديه مكبلة الى الخلف، وأنه توجد كاميرا على جسمه. “سمعوا نفس عميق جدا، يبدو بسبب الخوف”، قال جندي شاهد الفيلم. “ببساطة قاموا بادخاله وهو يقوم برسم خارطة للمكان في الوقت الذي كان فيه قائد اللواء يرى من الخارج ما يوثقه”.
عندما اثيرت التساؤلات في اوساط الجنود، كما قال مصدر كان يوجد هناك، حاولوا الشرح بأن هذه الفكرة هي أنه اذا كان البيت مفخخ أو اذا كان كمين أو مخربين في المكان، فعندها سيقتلونه هو ولن يقتل الجنود. هناك ايضا كانت المرة الاولى التي قال فيها القادة كلمة “شاويش”. ولكن هذه كانت المرة الاخيرة.
جندي في هذه القوة قال إن هذا الامر تكرر؛ قبل أي نشاط كانوا يخرجون “الدرع البشري” قبل الجميع بعشر دقائق وينتظرون قائد اللواء في المكان. “الناس بدأوا يطرحون الاسئلة. وبسرعة ثارت فوضى حول هذا الامر”، قال احد الجنود. “كان هناك من قالوا بأنهم غير مستعدين لتفيذ عمليات اذا شارك فيها هذا الغزي الذي اضطر للتضحية بنفسه. كان هناك بالطبع من أيدوا ذلك، لكن لدينا كانوا قلائل، بالاساس القادة الذين خافوا من الضباط المسؤولين عنهم”.
هناك على الاقل حالة واحدة معروف منها بأن الفلسطيني الذي تمت التضحية به أصيب. مصدر عسكري شارك في اقتحام الجيش الاسرائيلي لمبنى قال بأنه تم ارفاق مع قوة غزي تم الباسه ملابس بيضاء، كجزء من محاولة جعل المسلحين الفلسطينيين الذين تواجدوا في المبنى يخرجون. وقد تقرر ادخال الغزي الى هناك كوسيط من اجل التحدث معهم. ولكن هذه الخطوة لم تثمر، وحسب قول نفس المصدر فان المسلحين قاموا باطلاق النار عليه.
عندما لا يكون أي شك
إن استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية لم يولد في الحرب الحالية. ففي عملية السور الواقي في 2002 كان هذا اسلوب سائد في الجيش، الذي سمي “اجراء الجار”، وهو استخدام الجنود للمدنيين الفلسطينيين في الضفة من اجل تمشيط البيوت خوفا من أن تكون مفخخة. أو ادخال الفلسطينيين الى البيوت قبل قوات الجيش الاسرائيلي من اجل البحث عن المطلوبين. وبعد ازدياد القصص والتقارير حول هذا الامر قامت منظمات حقوق الانسان بتقديم التماس للمحكمة العليا، التي حكمت في 2005 بأن هذا الاجراء مخالف للقانون الدولي وهو غير قانوني. رئيس الاركان في حينه دان حلوتس أمر الجيش بتنفيذ قرار المحكمة العليا. لقد مرت عشرين سنة على ذلك، لكن يبدو أن هذا الاسبوع عاد.
في الاشهر الاخيرة فضلوا في الجيش عدم التطرق رسميا للامر، رغم حقيقة أنه طرح في المحادثات بين كبار الضباط. من المعلومات التي وصلت للصحيفة يتبين أنه من بين كبار الضباط الذين عرفوا عن استخدام المدنيين الغزيين رئيس الاركان هرتسي هليفي، وليس هو وحده. “قائد المنطقة الجنوبية، يارون فنكلمان، يعرف ذلك ايضا”، قال للصحيفة مصدر في القيادة. “في كل نقاش طرح فيه هذا الموضوع كان هناك قادة حذروا من التأثيرات القيمية والقانونية اذا تم كشف هذا الامر على الملأ. كان هناك ضباط طلبوا وقف المحادثات والسماح لهم بالخروج”. هذه الظاهرة ليست جديدة ولم تبدأ فقط في الفترة الاخيرة بل قبل ذلك بكثير، كما قال جندي نظامي. “قبل خمسة اشهر تقريبا تم جلب فلسطينيان”، يتذكر هذا الجندي. “أحدهما كان في العشرينيات والآخر ابن 16. قيل لنا: قوموا باستخدامهما، هما غزيان، قوموا باستخدامهما كدروع بشرية”.
في نفس اليوم، كما قال هذا الجندي، اصدقاءه بدأوا في التساؤل والاستيضاح حول من أعطى التعليمات لاستخدام مدني كدرع بشري. “لقد حاولوا قول شيء حول 7 تشرين الاول، ليس شيء ملموس”، قال نفس الجندي. “احدهم قال: لا تضربوهما اكثر من اللزوم لأننا نحتاجهما من اجل فتح الاماكن”. (نقاط يحتاج الجنود اليها، مثلا بيوت). هذا التوجيه كان فقط واحد من تعليمات الاحتفاظ التي حصل عليها الجنود. مثلا، طلب من الجنود الاحتفاظ بالغزيين وهما مكبلان ومراقبتهما كي لا يهربا أو، لا سمح الله، أن يدخلا الى طوابق أو غرف يوجد فيها قادة. ومن اجل أن لا يموتا بسبب الجوع فقد وفروا لهم الغذاء والمياه.
مصدر كان قريب من الغزيين قال إن عدد غير قليل من الجنود هناك شعروا بعدم الراحة وصرخوا وطلبوا اجابة. “معظمهم عرفوا أنه توجد هنا اشكالية يصعب عليهم استيعابها”، قال. ولكن كما قال قاموا باسكاتهم. احد القادة توجه لأحد الجنود الذي طلب اجابة وقال له: “هل أنت لا توافق على أن تكون حياة اصدقاءك أهم من حياتهم. أليس من الافضل أن يكون اصدقاءنا أحياء ولا يتفجروا بعبوة، وبدلا منهم يتفجر هؤلاء؟ هذا ليس سؤال. هذه الامور قيلت بشكل واضح وعرف الجميع بأنه لا مجال لاثارة الشك الزائد”، قال هذا المصدر.
جندي تحدث مع الصحيفة قال بأنه في محادثة وجه لوجه بين الجنود والقادة حصلوا على نوع من الاجابة على سؤال لماذا. وقد قيل لهم، ضمن امور اخرى، بان هذا بسبب أن الكثير من الكلاب في وحدة عوكيتس (العثور على المواد المتفجرة ومهاجمة المخربين)، ماتوا أو أصيبوا أو تم تسريحهم (أي الاخراج من الخدمة بعد حدوث هبوط في المشاعر العملياتية).
هذا الادعاء لم يتم الحصول على تأكيده من مصدر اعلى. وبعض الجنود يعتقدون أن الامر يتعلق فقط بذريعة استهدفت تهدئة ضمائرهم.