هآرتس: الثورة في سوريا تضع الحكومة في العراق امام مفترق طرق

هآرتس 24/12/2024، تسفي برئيل: الثورة في سوريا تضع الحكومة في العراق امام مفترق طرق
في الوقت الذي يواصل فيه الحوثيون هجماتهم على اسرائيل وعلى السفن في البحر الاحمر، فان جبهة العراق تحافظ على الهدوء منذ التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار مع لبنان قبل شهر. يبدو أن اساس وقف اطلاق النار في هذه الجبهة هو مبدأ “وحدة الساحات”، الذي يلتزم به على الاقل نظريا جميع وكلاء ايران؛ والذي بحسبه كما هي الحرب مشتركة، ايضا وقف اطلاق النار مشترك.
هذا المبدأ الذي لا يظهر الحوثيون أي نية لتبنيه، والذي وجه حسن نصر الله، يعتمد على المعادلة التي بحسبها وقف الحرب في قطاع غزة سيستدعي وقف اطلاق النار من قبل حزب الله. ولكن حسن نصر الله لم يتعهد باسم الوكلاء الآخرين، بل فقط باسم الحزب. والاكثر اهمية هو أن حزب الله اضطر على الموافقة على وقف اطلاق النار حتى قبل توقف النار في غزة، في الوقت الذي من غير الواضح فيه متى وهل ستتوقف الحرب هناك أصلا.
في هذا الوضع، حتى قبل البدء في الانقلاب الناجح للمتمردين في سوريا الذي اسقط نظام الاسد، واجهت الوكلاء معضلة. هل وقف النار في لبنان يمكن أن يلزمهم ايضا، رغم أن الحرب في غزة ما زالت مستمرة؟ أو أنه يجب عليهم التمسك بالمبدأ الذي وضعته ايران والذي يقول بأن كل وكيل مخول بالعمل حسب الظروف والشروط الموجودة في الدولة التي يعمل فيها. هذا المبدأ استهدف اعطاء طهران مجال للانكار والتنصل من المسؤولية عن نشاطات الوكلاء وكأنها منسقة وموجهة من قبلهم، وبالتالي، حماية نفسها من الهجوم المباشر. هذا المبدأ لم يعد يكفي لمواجهة الواقع الجديد في سوريا.
معظم القوات الايرانية انسحبت أو هربت من سوريا. فقد فقدت المواقع العسكرية في سوريا، وهي حتى الآن لم تنشيء علاقة مباشرة مع القيادة الجديدة في سوريا. الآن هي ملزمة بفحص خطواتها في المنطقة، وليس فقط امام اسرائيل. يجب عليها وضع بسرعة استراتيجية جديدة تبقي قدرتها على التأثير في لبنان حية، وايضا الاهتمام بالتمويل، وبعد ذلك اعادة ترميم حزب الله. وهي ايضا يجب عليها مواجهة فقدان سيطرتها في سوريا، بالاساس ازاء “السيطرة الودية”، حسب تعبير الرئيس ترامب، لتركيا على مراكز القوة في سوريا، والاستعداد لاحتمالية أن الدول الاوروبية ستطلب من مجلس الامن فرض العقوبات الدولية عليها مجددا على خلفية الخرق المستمر للاتفاق النووي، وحماية ذخائرها وعلى رأسها نفوذها في العراق.
قضية استمرار مشاركة المليشيات العراقية المؤيدة لايران في الحرب هي جزء جوهري في نسيج اعتبارات ايران. حسب منشورات عراقية ولبنانية فانه يبدو أن هذه القضية حصلت على حل منسق ومتفق عليه. ففي مقابلة مع وكالة “شفق نيوز” العراقية قال أول أمس كاظم البرطوسي، المتحدث بلسان مليشيا “سيد الشهداء”، إن نشاطات المليشيات ضد اسرائيل كانت مقترنة بنشاطات حزب الله في لبنان. وحسب قوله فان المليشيا التي ينتمي اليها هي واحدة من المليشيات المسلحة التابعة لـ “جبهة الاسناد”. “عندما تم التوصل الى وقف اطلاق النار توقفت نشاطات المليشيات العراقية. ايضا في العراق يوجد شركاء يبدون التحفظ من هذه النشاطات ولذلك يجب علينا الاصغاء اليهم”.
أمس نشر في موقع “الاخبار” اللبناني، المقرب من حزب الله، تقرير مفصل وصريح بحسبه جميع المليشيات اتفقت مع الحكومة العراقية على وقف النشاطات ضد اسرائيل. جميع الاطراف وافقت ايضا على عدم اعطاء تصريحات حول التطورات في سوريا، “على خلفية طلبات اقليمية ودولية لحل المليشيات وتسليم سلاحها للدولة”. وحسب المصدر الذي استند اليه التقرير فان مصدر رفيع في مليشيا “النجبناء” في العراق، قالت “ايران منحتنا حرية اتخاذ القرار في كل ما يتعلق بسوريا”.
العراق هو دولة رئيسية بالنسبة لايران، التي كانت الدولة الاولى التي اعترفت بالحكومة العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين، وسارعت الى اقامة قنصلية لها في اقليم الاكراد واصبحت حليفة العراق والشريكة التجارية الاكثر اهمية بالنسبة لبغداد. هكذا، كانت الرابح الاكبر من حرب الخليج الثانية. الانقلاب في سوريا يضع الآن ايران والمليشيات التي تحت رعايتها والحكومة العراقية ايضا على مفترق طرق غير مسبوق.
في الايام الاولى للثورة، عندما لم يكن معروف حتى ذلك الحين ما هو توجه المتمردين، وبالاساس درجة نجاحهم، اتخذت الحكومة العراقية موقف أدان التمرد وطالب بالابقاء على الوضع في سوريا على حاله. ولكن عندما تبين حجم النجاح فقد غيرت الحكومة العراقية اللهجة وبدأت تلائم نفسها مع الوضع الجديد، حيث دعت الى “تشكيل في سوريا دولة قانون تحافظ على حقوق الاقليات”. في نفس الوقت رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، بادر الى عدة لقاءات مع زعماء المنطقة من اجل تنسيق المواقف. العراق في الحقيقة “استضاف” تقريبا 3 آلاف جندي سوري هربوا اليه. ولكن خلال فترة قصيرة أمرتهم بالعودة الى سوريا بعد تجريدهم من سلاحهم، الذي تنوي ارساله الى النظام السوري. اضافة الى ذلك فان بغداد وجدت نفسها تحت ضغط دولي، بالاساس من قبل الولايات المتحدة التي طلبت منها العمل على حل “الحشد الشعبي”، وبالاساس المليشيات المؤيدة لايران.
المشكلة هي أن المليشيات العراقية اصبحت منذ زمن جزء لا يتجزأ من النظام نفسه. سيطرة داعش على اجزاء في العراق في العام 2014، والضعف المهين للجيش العراقي، ولدت قرار تاسيس “الحشد الشعبي” الذي يعتمد على الفتوى التي نشرها في حينه المفتي الشيعي الاكبر علي السيستاني، ووفقا لتعليمات رئيس الحكومة نوري المالكي. “الحشد الشعبي” الذي كان يشغل اكثر من سبعين مليشيا انبثقت عنه ايضا المليشيات المؤيدة لايران والتي اصبحت جزء من “حلقة النار” التي شكلتها ايران.
المليشيات في العراق غير متشابهة. البعض منها مخلص لعلي السيستاني، المعارض الايديولوجي والسياسي المتشدد لنهج النظام في ايران، وبعضها يتمتع برعاية سياسيين ورجال دين، الذين ليسوا بالضرورة يؤيدون ايران. ولكن المليشيات المؤيدة لايران تستخدمها ليس فقط كذراع عسكري، بل كأداة تأثير سياسية حسب النموذج الذي يعمل به حزب الله في لبنان. “الحشد الشعبي” اصبح جزءا رسميا ولا ينفصل عن قوات الامن في العراق، والمليشيات التي تشكله تحصل على التمويل من ميزانية الدولة. ولكن المليشيات المؤيدة لايران يوجد لها ايضا انبوب دعم موازي، الذي في جزء منه يتغذى على تمويل وتسليح ايران، وبعضها، حتى الجزء الرئيسي، يستند على سيطرة المليشيات بقوة الذراع على فروع اقتصادية كثيرة في الدولة مثل “البنوك الخاصة”، المناقصات الحكومية، آبار نفط ورسوم عبور وفرض رسوم محلية.
هذا التجمع الاقتصادي العسكري الذي يعمل حسب النموذج الذي رسخه حرس الثورة في ايران وحزب الله في لبنان، حولها الى نوع من نظام مواز، مع قوة ونفوذ على سياسة الحكومة الرسمية. ولكن مع القوة تأتي ايضا المسؤولية عن الحفاظ على هذه الذخائر. ضرورة الموازنة بين المصالح الداخلية في العراق للمليشيات وبين المصالح الايرانية، وبينها وبين التدخل في المواجهات الدولية، مثل الحرب في غزة وفي لبنان، أدت الى عدد غير قليل من الاختلافات. واحدى نتائجها هي أنه فقط عدد قليل من المليشيات المؤيدة لايران شاركت في “جبهة الاسناد” أو في “وحدة الساحات”، التي في اطارها هاجمت اهداف اسرائيلية وامريكية، في حين أن المليشيات الاخرى فضلت موقف المراقب.
مشكوك فيه اذا كانت الحكومة العراقية يمكنها حتى الاعلان بأنها تنوي تفكيك المليشيات، ناهيك عن البدء في حلها فعليا بدون أن تؤدي الى ازمة سياسية، وفي اعقاب ذلك مواجهات عنيفة في الشوارع. ولكن يجب عليها التوصل الى “الهدوء العسكري” من جانبها (ومن جانب ايران) من اجل تحييد الضغط الدولي ومنع احتمالية حدوث عصيان مدني في العراق، من قبل قطاعات كبيرة يمكن أن تستمد التشجيع من نجاح الثورة في سوريا. هذه القطاعات طورت خلال عشرات السنين المقاومة لنفوذ ايران في العراق. قرار المليشيات التنسيق مع ايران، وقف النار ضد اسرائيل وضد الاهداف الامريكية، من شأنه، على الاقل في الوقت الحالي، أن يوفر للحكومة العراقية ولايران الهدوء السياسي الذي تحتاجه الى حين اتضاح التطورات في سوريا ودخول الرئيس ترامب الى البيت الابيض.