هآرتس: إسرائيل تقترب من حرب في لبنان ومرة أخرى بدون اهداف
هآرتس 12/9/2024، تسفي برئيل: إسرائيل تقترب من حرب في لبنان ومرة أخرى بدون اهداف
قائمة طويلة، مفصلة ودقيقة، وربما دقيقة جدا، نشرتها أمس صحيفة “الاخبار” المقربة من حزب الله حول المساعدة السخية التي وفرها ويوفرها الحزب للسكان في جنوب لبنان. ضمن امور اخرى المساعدات تشمل 288.617 وجبة طعام، 79.906 منحة مالية في الشهر للعائلات “الصامدة”، أي العائلات التي بقيت في القرى في جنوب لبنان، وللعائلات المهجرة، مساعدات من اجل العثور على ملجأ لـ 25.784 شخص، الذين تدمرت بيوتهم، و3.188 مخصصات لاجرة الشقة، ومساعدة لـ 6.171 عائلة من اجل شراء اثاث للبيوت، و4.604 منح تعويض لاصحاب البيوت التي تدمرت.. الخ. التفصيل الكامل الذي يشمل عشرات البنود لا ينسى الاشارة الى أنه مقارنة مع الوضع في حرب لبنان الثانية فانه في هذه المرة حزب الله لا ينتظر اليوم التالي للحرب وهو يعمل من اجل “ملء الفراغ المعروف والمعتاد الذي تركته الحكومة ومؤسساتها ومنظمات المساعدات المحلية والدولية”.
هذا النشر في الواقع هو جزء من حملة حزب الله من اجل التأثير على الرأي العام في لبنان امام الانتقاد الجماهيري والسياسي له حول الحرب، لكنه غير منفصل ايضا عما يقرأه ويسمعه حزب الله عما يحدث في اسرائيل. فهناك يسود الاحباط واليأس في اوساطـ 100 ألف مواطن اسرائيلي الذين لا يمكنهم العودة الى بيوتهم، ويد الحكومة الاسرائيلية المقبوضة التي لا تفعل بما فيه الكفاية لمساعدة العائلات الاسرائيلية “الصامدة” أو التي تم اخلاءها من بيوتها.
إن تهجير عشرات آلاف المواطنين الاسرائيليين يعتبره حسن نصر الله كجزء من الانتصار في المعركة مع اسرائيل، كما يعرض اشغال الجيش الاسرائيلي على الحدود الشمالية كاسهام له في “وحدة الساحات”، اسهام يقلل الضغط عن قطاع غزة. ومشكوك فيه اذا كان السكان في جنوب لبنان أو الذين تم تهجيرهم من بيوتهم راضين عن القلق والمساعدات السخية التي يوفرها حزب الله لهم، أو المقارنة مع وضع مواطني اسرائيل. حسن نصر الله في الحقيقة وعد سكان الجنوب بأنه بعد انتهاء عملية “الثأر” التي نفذها كانتقام على تصفية فؤاد شكر يمكنهم العودة بأمان الى بيوتهم، لكنهم يجدون صعوبة في ملاءمة هذه الدعوة مع الهجمات المستمرة لسلاح الجو الاسرائيلي. في هذه الاثناء هم، مثل الحكومة اللبنانية ودول المنطقة والولايات المتحدة، يدركون أنه لا يوجد لهذه الحرب أي نهاية وجميع الاطراف بدأت في الاستعداد “للحرب الواسعة”.
في لبنان يقومون بفحص بخوف كبير الاشارات التي تدل على الظهور القريب لمثل هذه الحرب. الى جانب التصريحات العدوانية التي تأتي من اسرائيل والتحذيرات التي ترسلها الادارة الامريكية للحكومة اللبنانية حول نية اسرائيل، فان كثافة هجمات اسرائيل آخذة في الازدياد، والمجال الجغرافي المتضرر، لا سيما قرى الجنوب في محيط مدينة صور، يتم تفسيرها كنية اسرائيل لخلق “حزام عازل” بين الجنوب وبين نهر الليطاني. في لبنان ينشرون ايضا عن الاضرار الكبير بمنطقة الاحراش الكثيفة في محيط مدينة صور، التي فيها حسب الشكوك يتم تركيز منظومة صواريخ حزب الله للمدى القصير والمتوسط. ويفسرون ايضا هذه الهجمات كنية لتمهيد الارض قبل هجوم واسع. ايضا الهجوم الكبير في سوريا مساء يوم الاحد الذي قتل فيه 16 شخص وتضمن حسب تقارير المركز السوري لحقوق الانسان ثلاث جولات من القصف التي وجهت بالاساس الى “مركز الابحاث العلمية” قرب مدينة حماة، يبرهن حسب محللين لبنانيين وعرب على نية تتجاوز الهجوم المحدود لموقع عسكري، الذي هوجم في السابق بضع مرات.
مرة اخرى صحيفة “الاخبار” عرضت أمس نظرية اصلية عن خطط اسرائيل، التي بحسبها تخطط لغزو البقاع في لبنان عبر سوريا لفصل البقاع عن جنوب لبنان، وأن “جهات لبنانية” فحصت في السابق الامر مع رؤساء منظمات المتمردين السوريين الموجودين في اوروبا حول امكانية المشاركة مع اسرائيل ضد حزب الله أو الامتناع عن ذلك. حسب “الاخبار” فان المواقف كانت منقسمة.
هناك شك اذا كان قد تم فحص هذا الخيار بجدية، لكن نشر هذه الامور بالذات في الموقع المقرب من حزب الله يدل على الغضب في الحزب من أن سوريا لم تنضم حتى الآن الى “جبهة المساندة” وأنها لم تشارك في القتال. سوريا في الحقيقة حصلت من حسن نصر الله على “الاعفاء” من الحاجة الى المشاركة في الثأر على تصفية فؤاد شكر، لكن دمشق لا تحتاج الى مصادقة حسن نصر الله. فموقفها المنسق في الواقع مع ايران يستند الى تحليل مصالح سوريا والتهديد المتوقع عليها بسبب تدخلها في الحرب.
في نفس الوقت حزب الله ما زال محبوس في الاملاء الذي صاغه هو نفسه والذي يقول بأن المواجهة مع اسرائيل أو وقفها يرتبط بالتطورات في غزة وباتفاق وقف اطلاق النار مع حماس.
طالما أن هذه المعادلة سارية المفعول فان هامش العملية الدبلوماسية لوقف المواجهة في الشمال يرتكز بالاساس على ارسال الرسائل الهجومية والتهديدات الصريحة، سواء لحزب الله أو ايران، بهدف تقليص ساحة المواجهة لمنع اندلاع حرب شاملة. في موازاة ذلك تستمر المحادثات بين الولايات المتحدة وفرنسا والحكومة اللبنانية، وبشكل غير مباشر حزب الله بواسطة “مفوضه” رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، حول خطة اليوم التالي التي اساسها يرتكز على شكل تطبيق القرار 1701. ولكن في هذا الاسبوع فاجأ وزير خارجية لبنان، عبد الله بوحبيب، القيادة السياسية في الدولة عندما ابلغها بأنه تحدث مع “جميع الاطراف المتعلقة بهذا الشأن بأن لبنان مستعد لاجراء مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل حول وقف الحرب”، قال. “نحن نتحدث مع كل الدول ومع مجلس الامن بأنه عندما سيتم التوصل الى وقف لاطلاق النار فانه يجب على مجلس الامن اتخاذ قرار جديد ليس نسخة معدلة للقرار 1701”.
من غير الواضح الامر الذي جعل بوحبيب ينشر هذه الاقوال المتناقضة مع موقف حكومة لبنان الثابت، الذي يقول بأنه يجب تنفيذ القرار 1701 بشكل كامل، ربما مع تعديلات صغيرة، لكن بدون تغيير جوهر هذا القرار. بوحبيب تعرض أمس لسيل من الانتقادات وسارع للتوضيح بأن “كل ما قيل حول اتخاذ قرار جديد (بدلا من القرار 1701) هو أمر نظري ولا يعتبر بديل عن القرار الاصلي. ولكن نحن دائما منفتحين على اجراء محادثات ايجابية مع كل الشركاء في اطار المباديء والتفاهمات الداخلية”.
المباديء والتفاهمات الداخلية في لبنان تعتبر ايضا “موضوع نظري”، لكن يبدو أن اقوال الوزير لا تستند فقط الى “النظرية”. مصدرها في التفسيرات التي حصل عليها من الولايات المتحدة، وبشكل غير مباشر من اسرائيل، التي بحسبها القرار 1701 فقد الاهمية امام التهديد البالستي بعيد المدى لحزب الله. هذا القرار يطلب من حزب الله الانسحاب الى ما وراء نهر الليطاني وبذلك ابعاد تهديد الصواريخ قصيرة المدى والقذائف التي تتسبب بأضرار كبيرة، لكن ليس فيها ما يمكنه احباط تهديد الصواريخ بعيدة المدى أو تهديد المسيرات. المعنى هو أنه حتى لو تم التوصل بمعجزة الى اتفاق لوقف اطلاق النار في قطاع غزة، الذي سيقوم حزب الله بتبنيه، فان ذلك لن يكفي لتوفير الشعور بالامان وتمكين سكان الشمال من العودة الى بيوتهم.
يتضح هنا ايضا عدم وجود استراتيجية اسرائيلية واضحة توضح التسوية التي تسعى اليها مع لبنان وحزب الله. لأنه مقابل تدمير حماس، أو على الاقل تدمير قدراتها العسكرية والقضاء على سيطرتها المدنية في غزة التي تمت صياغتها كجزء من اهداف الحرب، فان تدمير حزب الله لم يعتبر هدف. اسرائيل ايضا لم تحدد تهديد لبنان الذي تطمح الى تحييده، حيث أن جزء كبير منه سيستمر في الوجود حتى لو تم تنفيذ القرار 1701. هل اسرائيل شريكة في الموقف “النظري” لوزير خارجية لبنان، الذي يقول بأنه يجب العمل على اتفاق جديد وقرار جديد في مجلس الامن؟. يبدو أنه مثلما في غزة فان اسرائيل تقوم بالاستعداد لحرب في لبنان بدون استراتيجية أو سياسة واضحة حول ما تريد تحقيقه في هذه الحرب.