نوران عوضين: إلى أين يتجه التصعيد بين الهند وباكستان؟

نوران عوضين، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية 8-5-2025: إلى أين يتجه التصعيد بين الهند وباكستان؟

أعلنت الهند فجر يوم السابع من مايو الجاري عن إطلاق عملية “سيندور”، حيث شنت قواتها “ضربات صاروخية دقيقة” على تسعة مواقع في باكستان تضمّ “بنى تحتية إرهابية”. تأتي تلك الضربات في إطار الرد الذي توعدت القيادة الهندية القيام به على إثر هجوم “باهالغام” الإرهابي الذي وقع في الشطر الهندي من كشمير، يوم الثاني والعشرين من أبريل الماضي، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 26 سائحًا (25 مواطنًا هنديًا ومواطن نيبالي واحد)، واتهمت بمقتضاه جماعة “عسكر طيبة” المتواجدة في باكستان، بتنفيذ هذا الهجوم، كما وجهت اتهامًا أيضًا إلى باكستان بدعمها الإرهاب العابر للحدود.
وبحسب بيان الحكومة الهندية، استهدفت عملية “سيندور” بنى تحتية إرهابية، حيث تم “تخطيط وإدارة الاعتداءات الإرهابية” ضد الهند. وأضاف البيان أن الضربات كانت محددة الأهداف ومدروسة وتهدف إلى تجنب أي تصعيد واتسمت بقدر كبير من ضبط النفس، مشيرًا إلى أنه لم يتم استهداف أي منشأة عسكرية في باكستان.
يعد هذا التصعيد بمثابة أحدث حلقات النزاع الهندي الباكستاني الممتد منذ عقود حول إقليم كشمير، والذي يشهد شطره الهندي، بين الحين والآخر، هجمات إرهابية، تُحيل الهند مسؤولية تنفيذها إلى الجماعات المسلحة المتمركزة في باكستان، وتتهم الأخيرة بتقديم دعم ضمني لهذه الجماعات، وهو الأمر الذي تنفيه باكستان باستمرار. وفي إطار التوعد الباكستاني بالرد في “المكان والزمان المناسبين”، تُثار التساؤلات حول إلى أي مدى قد يصل التصعيد الراهن بين الهند وباكستان.
تصعيد متبادل
تأتي عملية “سيندور” باعتبارها أحدث إجراء تصعيدي ضمن مجموعة الإجراءات التي نفذتها الهند مباشرة في أعقاب هجوم “باهالغام”، والتي تضمنت عدم السماح للمواطنين الباكستانيين بالسفر إلى الهند بموجب برنامج الإعفاء من التأشيرة لرابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي(SVES)، إلى جانب تقليص الحضور الدبلوماسي الباكستاني، وإعلان مستشاري الدفاع والبحرية والجوية في المفوضية الباكستانية العليا في نيودلهي أشخاصًا غير مرغوب فيهم، بجانب سحب الهند لمستشاريها الدفاعيين والبحريين والجويين من المفوضية الهندية العليا في إسلام آباد، واعتبار هذه الوظائف في المفوضيتين لاغية.
من جانبها، اعتبرت باكستان أن هذه الإجراءات تتسم بكونها أحادية الجانب وغير عادلة ولا أساس قانوني لها، خاصة في ظل غياب أي تحقيق موثوق أو أدلة مؤكدة تُثبت ارتباط باكستان بالهجوم الإرهابي، مُعلنةً عن اتخاذها لمجموعة من الإجراءات المماثلة، بجانب إغلاق مجالها الجوي أمام جميع شركات الطيران المملوكة للهند أو التي تديرها، وتعليق جميع التعاملات التجارية مع الهند، بما في ذلك من وإلى أي دولة ثالثة عبر باكستان.
فيما يعد الإجراء الأكثر خطورة والذي أعلنته الهند عقب الهجوم هو تعليق معاهدة مياه السند لعام 1960، وذلك “إلى أن تتخلى باكستان بشكل موثوق لا رجعة فيه عن دعمها للإرهاب العابر للحدود”. تكمن خطورة هذا الإجراء في طبيعة هذه المعاهدة، المُوقعة منذ عام 1960، برعاية البنك الدولي، والتي صمدت برغم خوض الجانبين لثلاثة حروب أعوام 1965 و1971 و1999. ومن ثم، ينذر تعليق الهند للمعاهدة بدخول متغير جديد من شأنه تغذية دورة هذا الصراع الممتد.
وقد رفضت باكستان بشدة القرار الهندي، مؤكدة على أن أي “محاولة لوقف أو تحويل تدفق المياه التي تخص باكستان بموجب معاهدة مياه نهر السند، واغتصاب حقوق الدول المشاطئة في الجزء السفلي من النهر، ستُعتبر عملًا حربيًا، وسيتم الرد عليها بكل قوة وحزم”. كما أعلنت باكستان أنه في ظل “سلوك الهند المتهور وغير المسؤول، الذي يتجاهل الاتفاقيات الدولية وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والالتزامات الدولية، فإنها ستمارس حقها في تعليق جميع الاتفاقيات الثنائية مع الهند، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر اتفاقية “شيملا” (الموقعة في يوليو عام 1972 والتي هدفت إلى إنهاء الصراع والمواجهة بين الجانبين وتطبيع العلاقات)، حتى تكف الهند عن سلوكها الواضح المتمثل في إثارة الإرهاب داخل باكستان، وعمليات القتل العابرة للحدود الوطنية، وعدم الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بشأن كشمير”.
وردًا على اتهامات الهند بخصوص الدعم الباكستاني للجماعات الإرهابية، أكدت إسلام أباد في أكثر من موضع امتلاكها أدلة دامغة على الإرهاب الذي ترعاه الهند في باكستان. وفي هذا السياق، نظّم المتحدث العسكري الباكستاني الفريق أول “أحمد شريف شودري” مؤتمرًا صحفيًا، يوم الثلاثين من أبريل الماضي، استعرض خلاله ما وصفه بـ “كيفية تنفيذ الهند للإرهاب داخل باكستان”، مشيرًا إلى أن لدى وكالات الأمن الباكستانية معلومات استخباراتية تفيد “قيام الهند بتنشيط شبكاتها الإرهابية لتنفيذ هجمات داخل باكستان”.
ضوابط حاكمة
يمكن النظر في مجموعة من الاعتبارات التي من شأنها ضبط خيارات التصعيد. وفي هذا الإطار، يمكن تقسيم تلك الاعتبارات إلى قسمين رئيسيين، يرتبط أولها بالاعتبار المحلي لكلا الدولتين، فيما يتصل الثاني بمصالح القوى الدولية، وتحديدًا الولايات المتحدة والصين.
أولًا، العامل الداخلي: فيما يتعلق بالهند، فقد فرض الهجوم حاجة القيادة الهندية لتصميم رد يتناسب مع حجم الضغوط الشعبية، لاسيما من جانب القوميين، بشكل يعزز من صورة الهند القادرة على ردع الإرهابيين، الأمر الذي أكده تصريح رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” عقب الهجوم حين توعد بملاحقة الإرهابيين حتى أقاصي الأرض. وعقب شن الهند لعملية “سيندور”، صرح الجيش الهندي في منشور على منصة “إكس” بـ “تحققت العدالة”.
من ناحية أخرى، أبرز هجوم “باهالغام” ضرورة تأكيد استعادة السلطة الرادعة للدولة الهندية في كشمير وخضوع الإقليم بشكل كامل لسيطرة نيودلهي في مواجهة حركات التمرد الساعية إما للاستقلال أو الانضمام إلى باكستان.
خلال زيارته إلى الإقليم في سبتمبر 2024، صرح رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” بأن الإرهاب في مراحله الأخيرة، معلنًا عن نيته تحويل المنطقة إلى منطقة جذب سياحي. وبالفعل، فقد شهدت السياحة بالإقليم ازدهارًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك، أثبت الهجوم أن الإقليم لا زال يسوده العنف والاضطراب.
في أغسطس 2019، أصدرت الحكومة الهندية قرارًا يقضي بإلغاء المادة 370 التي منحت الحكم شبه الذاتي لكشمير، وتحويل الإقليم إلى ولاية تحكمه الحكومة الهندية. وأوضحت السلطات الهندية أن من شأن هذه الخطوة أن تدمج كشمير بشكل أفضل في البلاد، وتضمن له الاستقرار والنمو الاقتصادي السريع. ومع ذلك، لم تنجح السياسات التي انتهجتها الحكومة الهندية في تحقيق الاستقرار بالإقليم، إذ يرى سكان الإقليم بأن هذه السياسات إنما تهدف إلى محاولة إصباغ الإقليم، الذي يشكل المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند، بالهوية الهندوسية. مما أدى إلى استمرار حملات التمرد. ففي عام ٢٠٢٤، شهد الإقليم ما لا يقل عن ٥٨ حادثة تمرد، إلى جانب اشتباكات مسلحة منتظمة بين المتمردين والقوات الهندية. بل وفي أعقاب هجوم “باهالغام”، قُتل جندي في الجيش الهندي في اشتباك مع متمردين بمقاطعة “أودامبور” الواقعة بالإقليم يوم 24 أبريل.
وفيما يتعلق بباكستان، يبرز العامل الداخلي باعتباره رقمًا مهمًا في معادلة الرد الباكستاني المنتظر. فمن ناحية، يأتي الهجوم في وقت تعاني فيه باكستان من أزمة داخلية متعددة الأبعاد، إذ تواجه حكومة رئيس الوزراء الباكستاني “شهباز شريف” تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية تقوض من نطاق تحركها سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وفي هذا السياق، تدرك باكستان الفارق الذي أصبح عليه ميزان القوى الاقتصادية والعسكرية بينها وبين جارتها الهندية، والذي مكّن الأخيرة من تبوأ موقع عالمي ومنحها قدر أكبر من الحركة، المُقيدة نسبيًا، في ظل امتلاك البلدين لأسلحة نووية.
ولا يعني ما تقدم أن يتجه الجانب الباكستاني للعدول عن الرد، وإنما ستعمل القيادة الباكستانية على تصميم رد يمنح واقع الأزمة التي يعيشها الداخل الباكستاني الأولوية، بحيث يضمن، بجانب رد الاعتبار، توحيد الصف الداخلي خلف القيادة الباكستانية. إذ تشير تقارير إلى أنه رغم حالة الصدام المتبادل بين الجانبين الهندي والباكستاني على مدار الأسبوعين الماضيين، فقد كان الحديث بين المواطنين حول الأزمة أقل مقارنة بمحادثاتهم بشأن التضخم والبطالة وحالة الاستقطاب السياسي التي نشأت في أعقاب الإطاحة برئيس الوزراء السابق، وزعيم حزب حركة إنصاف “عمران خان”، وتفاقمت جراء اعتقاله وتوجيه القضاء الباكستاني لما يزيد عن المائة اتهام إليه.
ثانيًا، العامل الخارجي: تشير مصالح القوى الدولية الحليفة لكلًا من الهند وباكستان إلى ضرورة خفض التصعيد والمضي نحو تهدئة التوترات. فبالنسبة للولايات المتحدة، تعد الهند ضمن أهم المحاور في الاستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى محاوطة الصين. وخلال زيارته الأخيرة إلى الهند، أكد نائب الرئيس الأمريكي “جيه دي فانس” بأن “العلاقة بين الولايات المتحدة والهند ستُحدد معالم القرن الحادي والعشرين”. من ناحية أخرى، ترى الهند في الحرب التجارية الراهنة بين الولايات المتحدة والصين فرصة لاستقطاب الشركات التي تبحث عن أماكن بديلة للإنتاج والتصدير إلى الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي قد يتعرض للتهديد في حال تحول التصعيد إلى صراع إقليمي أوسع.
من ناحية أخرى، قد لا يكون خيار التصعيد الموسع خيارًا مفضلًا بالنسبة للهند، لما سيعنيه من توجيه للموارد والقدرات العسكرية نحو الصراع مع باكستان، وذلك في الوقت الذي لم تصل في صراعها الحدودي مع الصين إلى حل حاسم. فعلى الرغم من توصل الجانبين في أكتوبر 2024 إلى ترتيب بشأن تسيير دوريات عسكرية على طول الحدود المتنازع عليها، الأمر الذي أسهم في تحسن علاقاتهما الثنائية، بشكل نسبي، قد تضيف التطورات المرتبطة بالمنافسة الأمريكية الصينية أبعادًا تقوض هذا التحسن.
ومع ذلك، يظل من مصلحة الصين عدم انخراط الجانبين في مواجهة أوسع، لما سيخلفه هذا الأمر من عدم استقرار في المنطقة، بما سينعكس سلبًا على مشاريع ومصالح الصين، لا سيما في باكستان، التي تعد أقرب شريك اقتصادي للصين وعنصر مهم في مبادرة “الحزام والطريق”. وخلال مكالمته الهاتفية مع نظيره الباكستاني، أعرب وزير الخارجية الصيني، يوم السابع والعشرين من أبريل الماضي عن دعم بلاده لباكستان، مشيرًا إلى أنه باعتبارها صديقًا قويًا لباكستان وشريكًا استراتيجيًا في جميع الأحوال، فإن الصين تتفهم تمامَا المخاوف الأمنية المشروعة لباكستان وتدعمها في حماية سيادتها ومصالحها الأمنية.
مسارات التصعيد
منذ عام 2016، ارتفع مستوى التصعيد بين الجانبين، إذ أصبح لجوء الهند لخيارات عسكرية بمثابة القاعدة التي يُقاس على مدى تطورها مسار الصراع الهندي الباكستاني. ففي أعقاب هجوم مسلحين على معسكر للجيش الهندي في كشمير عام 2016، مما أسفر عن مقتل 19 جندي هندي، وجهت الهند ضربات “دقيقة” عبر خط السيطرة الفاصل بين حدود البلدين. وفي إطار ردها على تفجير “بولواما”، عام 2019، والذي أسفر عن مقتل 40 فرد من القوات الأمنية الهندية، شنت الهند غارات جوية عميقة داخل باكستان.
ويتضح مما تقدم أنه بينما اقتصرت الهند في عملياتها السابقة على استهداف مواقع داخل كشمير الباكستانية، أي على الأراضي المتنازع عليها، شكلت غارات عام 2019 المرة الأولى التي تشن فيها الهند ضربات في العمق الباكستاني منذ الحرب الهندية الباكستانية عام 1971. وفي اليوم التالي لهذه الضربات، شنت باكستان غارات جوية انتقامية في الجزء الهندي من كشمير، أدت إلى معركة جوية نجحت القوات الباكستانية خلالها في إسقاط طائرة تابعة للقوات الجوية الهندية على الجانب الباكستاني من خط السيطرة الذي يفصل بين حدود البلدين في كشمير، وأسر قائدها.
ونتيجة لهذا الأمر، كثفت الهند من تواصلها الدبلوماسي مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بهدف الضغط على باكستان لمنعها من الإقدام على تصعيد الموقف أو إلحاق الأذى بالطيار. وبالفعل، أفرجت الحكومة الباكستانية عن الطيار الهندي بعد يومين من أسره، واصفة هذه الخطوة بأنها “بادرة حسن نية” تهدف إلى تهدئة التوترات.
وفي مذكراته عن فترة عمله كوزير للخارجية الأمريكية خلال الإدارة الأولى للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، أشار “مايك بومبيو” إلى “أن العالم لا يعرف على وجه الدقة مدى اقتراب التنافس بين الهند وباكستان من التحول إلى حرب نووية في فبراير 2019”. وفي مقاله المنشور بموقع Foreign Affairs، أشار المحاضر بجامعة “يال”، Sushant Singh، إلى عامل “حسن الحظ” في ذلك الحين، حيث أخطأت المقاتلات الهندية أهدافها ولم تقتل أحدًا داخل باكستان؛ وأعادت القوات الباكستانية الطيار الهندي على الفور؛ واستطاعت الحكومتان من ترويج النصر أمام جماهيرهم المحلية، هذا فضلًا عما أسهمت به الوساطة الأمريكية من دور في خفض التصعيد.
وفيما يتعلق بالتصعيد الهندي الأخير، أعلن المتحدّث باسم الجيش الباكستاني أنّ الضربات الهندية طالت “ثلاث مناطق”، تقع اثنتان منها في الشطر الباكستاني من كشمير والثالثة في إقليم البنجاب المحاذي للحدود الهندية. وبحسب وزير الدفاع الباكستاني “خواجة محمد آصف”، فإن جميع المواقع التي استهدفتها الهند هي مواقع مدنية، من بينها مسجدين وليست معسكرات للمسلحين.
وعلى خلاف عام 2019، الذي نفى فيه الجيش الباكستاني سقوط ضحايا، أعلن المتحدث باسم الجيش الباكستاني في بيانه الأول عن عملية “سيندور” مقتل ثمانية مدنيين، بما في ذلك طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات، هذا إلى جانب وجود عدد من الجرحى والمفقودين. كما أكد اجتماع مجلس الأمن القومي، الذي انعقد صباح السابع من مايو الجاري، احتفاظ باكستان بحق الرد دفاعًا عن النفس “في الوقت والمكان وبالطريقة التي تختارها للانتقام لخسارة أرواح باكستانيين أبرياء وانتهاك صارخ لسيادتها”.
وبرغم تأكيد نيودلهي عدم استهداف ضربتها إحداث أي تصعيد، فإنه في ظل أعداد القتلى من المدنيين، من المُرجح تنفيذ باكستان ردًا عسكريًا، يتضمن غارات جوية وقصفًا مدفعيًا، بما يُلبي هدف إسلام أباد في الثأر للمدنيين، ويتناسب في الوقت نفسه مع أزمتها الاقتصادية والأمنية الداخلية. فيما سيتوقف مدى تطور التصعيد المتبادل عند طبيعة المواقع التي قد يستهدفها الجيش الباكستاني، والاستجابة الهندية، كذا قدرة الوساطة الدولية على ضبط وتهدئة التصعيد العسكري المتبادل.
وعلى صعيد موازٍ، سيشكل الخلاف حول إدارة المياه بؤرة توتر متجددة ما بين الهند وباكستان، وذلك طالما لم تندرج ضمن محادثات خفض التصعيد التي قد يتوافق الطرفان على المضي بها. ففي خطاب لرئيس الوزراء الهندي مؤخرًا، أعلن بأن مياه الهند كانت تتدفق إلى الخارج، مشيرًا إلى أن هذا سيتوقف الآن خدمة لمصالح الهند”.
تؤكد العديد من التحليلات عدم إحداث تعليق المعاهدة لأثر فوري على مسار تدفق المياه نحو باكستان، إذ سيستغرق الأمر سنوات من مشاريع تطوير للبنية التحتية، واستثمارات تقدر بمليارات الدولارات لبناء سدود تتمكن الهند بمقتضاها من تعطيل حصة باكستان من المياه. ومع ذلك، تثار مخاوف حول مدى قدرة الهند على إجراء تغييرات طفيفة في توقيت وصول المياه، الأمر الذي في حال حدوثه سيتسبب في مشاكل حقيقية للزراعة والمزارعين الباكستانيين.
وختامًا، قد يكون من المحتمل أن يتجه الطرفان نحو تبني خيار التصعيد المحدود، الذي يكفل لكل طرف الظهور في جانب المنتصر. ومع ذلك، قد تسهم عوامل كالخلاف المائي والمشاعر القومية المتصاعدة ومخاطر سوء التقدير في اتخاذ التصعيد لأبعاد أوسع مما قُدِر لها في البداية.