نواف الزرو: نحو إعادة كتابة تاريخ الصراع استنادا الى الوثائق والحقائق والسردية التاريخية الحقيقية الموثقة
نواف الزرو 13-11-2024: نحو إعادة كتابة تاريخ الصراع استنادا الى الوثائق والحقائق والسردية التاريخية الحقيقية الموثقة
نوثق في المقدمة الاهمية التاريخية والقانونية والاخلاقية والثقافية -التربوية لتوثيق الإبادة الصهيونية في سياق الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني…؟!
ففي ضوء ذلك الكم الهائل من الوثائق والمعطيات الواردة حول الإبادة الصهيونية المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني وعلى نحو خاص ضد اطفال ونساء فلسطين، وعلى نحو أخص في قطاع غزة، نؤكد ان المواجهة مع المشروع الصهيوني وجرائمه مفتوحة، وتحتاج الى التوثيق والتأريخ كي تشكل لوائح اتهام ضد جنرالات وقادة الاحتلال حينما يأتي يوم الحساب الحقيقي والجاد جدا….؟.!
يقول أورن يفتاحئيل (أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة بن غوريون) أن “مشاهد القتل والدمار الاسرائيلية ضد الفلسطينيين فظيعة” وأن “هذه الحرب الاسرائيلية استمرار للمشروع والسلوك الإقليمي الإسرائيلي الذي تبنى هدفاً متشدداً ووحشياً يتمثل في إسكات الزمن الفلسطيني، أي محو التاريخ الكامل لهذه البلاد.. إسكات التاريخ يشكل أيضاً محواً للمكان الفلسطيني ومعه الحقوق السياسية الكاملة..القائمة بمشروعيتها وليس بمنة من إسرائيل.. والغزو الإسرائيلي لغزة-مثلا- ليس فقط عملية لوقف الصواريخ، أو لتلميع شخصيات للانتخابات أو محاولة لترميم الردع، والغزو ليس فقط محاولة لإسقاط حكومة المشروع السياسي الفلسطيني، وليس مسعى إمبريالياً (إسرائيليا-أميركيا) للسيطرة، وانما هو كل هذه الأمور، ولكنه أيضاً استمرار لإستراتيجية مديدة السنوات من إنكار ومحو وشطب أي ذكر لتاريخ هذا المكان في العصور الأخيرة، ومشروع المحو هذا ينخرط فيه الجميع تقريباً: السياسيون والفنانون ووسائل الإعلام والباحثون في الجامعات والمثقفون الإسرائيليون/ المشهد الإسرائيلي “.
عجوز السياسة الإسرائيلية شمعون بيريز أحد رواد الاستيطان والبرنامج النووي الإسرائيلي، واصل تكرار مقولة غولدا مائير بأنه” لم يكن هناك شعب فلسطيني في ال 67/ “.ورأى بيريز أن تلك الحرب شكلت محطة حاسمة ونقطة انطلاق لعهد جديد في الشرق الأوسط، كما أسست لأخطاء جسيمة لا تزال تأثيراتها مستمرة حتى اليوم، ولعب بيريز (المتوفي) دورا محوريا في تعزيز القوة العسكرية الإسرائيلية خلال السنوات التي سبقت الحرب، وقال ل “فرانس برس” “قبل حرب الستة أيام، كان العالم يثني على إسرائيل والناس يذرفون الدموع عليها. لكن كل هذا تبدل بين ليلة وضحاها”.وزعم ان “إسرائيل” التي بادرت إلى شن الحرب خشية التعرض لهجوم منسق تشنه جيوش عربية عليها، لم تكن تسعى أساسا لاحتلال أراض جديدة، وأضاف “لقد اتخذت الحكومة آنذاك القرار الصائب باقتراحها انسحاب إسرائيل الى الحدود الدولية مع مصر وسوريا لقاء السلام، فلم تكن هناك حدود مماثلة في ما يتعلق بالفلسطينيين لأنه لم يكن هناك شعب فلسطيني!”.
ولذلك استنادا ايضا الى هذه الخلفية الالغائية استخدمت دولة الاحتلال ” استراتيجية الضاحية- اي التدمير الشامل ومحو البنية التحتية وما فوق الارض عن وجه الارض ، على نمط ما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت في صيف/2006 ” فلذلك ما ظهر بعد “وقف اطلاق النار” ان هناك ” أحياء كاملة مدمرة ومحيت عن وجه الارض على نحو وصفه شهود عيان انه لا يصدق ابدا…!”، واحصائيا وصل عدد المباني التي دمرت الى نحو 225 الف مبنى منها نحو خمسة آلاف دمرت تدميرا كليا…!.
كما استخدم الاحتلال سياسة”الابادة والمجازر الجماعية البشعة التي ارتقت الى مستوى ما بعد الجريمة …والى مستوى المحرقة الحقيقية”، فكان هناك حتى اليوم” عشرات آلاف الشهداء والجرحى نحو 70% من الاطفال والنساء- وقد وصل العدد حتى احدث احصاء الى نحو 155 ألف شهيد وجريح ناهيكم عن آلاف المفقودين “.
و كان هناك الى جانيب كل ذلك ان”اطلقت قوات الاحتلال الكلاب لنهش جثث الشهداء “، وكان هناك” مئات العائلات المحتجزة في غرف صغيرة داخل المنازل ” و كان هناك ” الموت يترصد المواطنين في كل زاوية ” ، وكذلك كان هناك ان ” فلسطين تشهد اضخم واخطر عدوان حربي مجازري و أطول حصار في تاريخ الصراعات “، وكان هناك ان” بلدوزرات الاحتلال اخذت تعمل على إعادة رسم خريطة فلسطين من جديد ” …
الى ذلك، اثقلت مشاهد القتل الجماعي المروع والتدمير الزلزالي التي ألحقتها آلة الحرب التدميرية الإسرائيلية مجددا الذاكرة الفلسطينية …
فهدير الطائرات والدبابات والجرافات داخل على امتداد مساحة القطاع لم يتوقف عن أهلها أبداً ..
وعربدة الوحدات الخاصة وأصوات التفجيرات الإرهابية المبيتة وصواريخ المروحيات والاغتيالات باتت تطغي على كل شيء فيها ..
والمعالم االحضارية التراثية التي كانت تتشابك لتصنع غزة هاشم بعبقها التاريخي ، أخذت تتحول إلى مشاهد من الركام .. وإلى جزء من التاريخ ..
فالاحتلال يستهدف دائما ليس فقط اقتراف المحارق والمجازر الدموية الجماعية، وانما وهذا الاخطر يستهدف عبر ذلك محو تراث فلسطين بكاملها، بغية تصفية القضية بكافة عناوينها وملفاتها وحقوقها…!
غير ان حسابات البيدر في المحرقة الاسرائيلية الاخيرة لم تأت على قدر حسابات الحقل…
اذن – ليست الارض الفلسطينية وحدها هي التي يصول ويجول البلدوزر الصهيوني فيها اجتياحات وقتلاً ونسفاً وتدميراً واستيطاناً وبناءا للمزيد والمزيد من المستعمرات والجدران التي من شأنها في نهاية المطاف، اذا لم يتم تعطيل البلدوزر، ان تهود وتطوب فلسطين بالكامل لصالح المشروع الصهيوني، وانما ايضاً ذكرى وذاكرة النكبة التي تتعرض لاجتياحات بلدوزرية تجريفية شرسة بمنتهى الخطورة الاستراتيجية.
كان موشيه ديان قال في مقابلة اجرتها معه مجلة “دير شبيغل”الالمانية في تشرين الاول 1971: “في تشرين الثاني عام 1947 رفض العرب قرار التقسيم (الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة) وفي عام 1949 (بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة) عادوا الى المطالبة بتنفيذه”.
و”في عام 1955 – والكلام لديان ايضاً كانت جميع الدول العربية المعنية ترفض اتفاقيات الهدنة، وبعد حرب حزيران 1967 عادوا الى المطالبة بانسحاب اسرائيل الى حددو الرابع من حزيران”.
“ولن افاجأ – يؤكد ديان – بعد حرب اخرى تسيطر فيها اسرائيل على مناطق عربية جديدة في الاردن او سوريا اذا ما طالبوا بالعودة الى الحدود الحالية..”.
في الصميم والجوهر انما يتحدث ديان عن حالة التفكك والعجز والاستخذاء العربي اولاً، ثم يتحدث عن ضعف الذاكرة العربية وحالة عدم الاكتراث واللامبالاة من جهة ثانية، بينما يمكننا ان نستشف من اقواله من جهة ثالثة ان الصراع الحقيقي ليس فقط على الارض المحتلة والمغتصبة وانما ايضاً على الذاكرة والوعي الجمعي والثوابت القومية العربية.
يسعى البلدوزر دائماً بلا كلل او ملل او توقف او استرخاء الى التهويد الشامل للوطن المغتصب هناك – جغرافياً وسكانياً وحضارياً وتراثياً واقتصادياً – وذلك عبر التزييف الشامل لكل العناوين والملفات..
كما يعمل الى جانب كل ذلك من اجل تفريغ ذكرى النكبة من مضامينها وكذلك ذاكرة النكبة من كل معانيها ودلالاتها.. في الوقت الذي يشن هجوماً تجريفياً منسقاً واستراتيجياً على العقل والوعي الجمعي العربي المتعلق بالنكبة.. الذكرى والذاكرة..
في هذا السياق لفت انتباهي واثار ذهولي خبر قرأته في صحيفة هآرتس العبرية تحت عنوان : “لنكتب ..كي لا ننسى : حتى لو لم يكن هناك من يقرأ..؟” وجاء في الخبر : “ان مؤسسة “يد فشيم”اليهودية في القدس تتلقى وتصدر سنويا 200 كتاب مذكرات شخصية ليهود عايشوا – على حد زعمهم- المحرقة/ الكارثة اليهودية “…؟!!!
والغاية من هذه الكتب انها توثق تفاصيل المحرقة والمعاناة اليهودية ….؟!!
– تصوروا ….؟!!!
الامور لدينا مقلوبة تماما حيث يقومون بتوثيق جرائم مزعومة ومشكوك بامرها حتى بشهادات عدد كبير من المراجعين الامريكان والاوروبيين …بينما نحن الذين نتعرض لابشع الجرائم والانتهاكات في فلسطين والعراق وغيرها على يد الاحتلالات نطالب باقامة مراكز متخصصة لتوثيق جرائمهم…؟!!
الحقيقة الكبيرة الساطعة اليوم ان هناك اهمية قصوى بالغة الالحاحية لانشاء مراكز متخصصة لتوثيق -على سبيل المثال – المحرقة، والمجازر الدموية وجرائم الحرب الصهيونية المستمرة بلا توقف ضد شعبنا العربي الفلسطيني منذ دير ياسين الى مخيم جنين وما بعد مخيم جنين وصولا الى “محرقة غزة”.
فالمشهد الماثل امامنا في فلسطين منذ اقامة الدولة الصهيونية بالغ الوضوح:
* قتل مكثف للفلسطينيين دون تمييز عن سبق تخطيط ونوايا اجرامية مبيتة، وذلك عبر المجازر الدموية الجماعية والاغتيالات والاعدامات الميدانية المتصلة دون هوادة حيث لم ينج من المجازر الصهيونية لا المرأة اوالطفل ولا الشيخ او الشاب الفلسطيني.. فكل الفلسطينيين متهمون ومستهدفون وفي دائرة التصويب والقتل.
* تدمير وتهديم شامل للمدن والقرى والمخيمات والمنازل والاماكن المقدسة والآثار التاريخية والحضارية العربية في فلسطين وان كانت التنظيمات الارهابية الصهيونية قد هدمت ودمرت ومسحت نحو 535 قرية فلسطينية خلال فترة النكبة، فإن سياسة التدمير والتهديم لم تتوقف ابدا منذ ذلك الوقت، وقد وصلت ذروة جديدة لها خلال حرب “السور الواقي” والاجتياحات والتدمير الاخيرة وخاصة في مخيم جنين والبلدة القديمة من نابلس،لتصل الى ذروتها الاجرامية في غزة.
* ترحيل – ترانسفير- جماعي للفلسطينيين حيث هجرت عصابات ودولة الاحتلال ثلثي الشعب الفلسطيني الى خارج الوطن والبيت والاهل…!وما تزال تلك الدولة تخطط وتبيت وتسعى الى اجبار من تبقى من الفلسطينيين على الرحيل عن ارضهم وممتلكاتهم.
* العقوبات الجماعية.. حيث تقترف دولة الاحتلال سياسة العقوبات الجماعية ضد الشعب الفلسطيني برمته، وتشمل تلك العقوبات شتى صنوف القمع والتنكيل والاذلال والتجويع والتعطيش والاعتقالات والمحاكمات والحصارات والاطواق والحواجز العسكرية، ومساحة هذه المقارفات الاجرامية السافرة لا حدود لها.
* اغتصاب الارض والممتلكات – اذ تواصل دولة الاحتلال سياسة اغتصاب الارض والممتلكات العربية وتهويدها عبر بناء المستعمرات وتوطين الغزاة القادمين من اسقاع العالم بغير حق فيها.
* يضاف الى كافة هذه الممارسات الاجرامية الصهيونية سياسة التمييز العنصري -الابرتهايدي- التي تمارس على نطاق واسع ضد المواطنين العرب في اطار “الدولة الصهيونية” نفسها، وهذه الممارسات العنصرية ترتقي الى مستوى الجريمة في العرف الدولي.
فنحن كما هو واضح امام منظومة ممنهجة مبرمجة مبيتة مع سبق التخطيط والقرار والاصرار من المحارق والمجازر الدموية وجرائم الحرب المتنوعة الشاملة البشعة التي تنفذها دولة الاحتلال الاسرائيلي ضد شعب وشجر وحجر وارض فلسطين بما يتعارض مع المواثيق والقوانين الدولية.
شهدنا في الآونة الاخيرة تطورا دوليا جديدا يتمثل بانشاء محكمة الجنايات الدولية، التي نحتاج نحن كشعب فلسطيني وامة عربية الى حضور مكثف على مسرحها…؟.
الحاجة تتزايد يوما عن يوم ليس فقط الى توثيق جرائم الحرب الصهيونية في فلسطين بغية المطالبة بتقديم مقترفيها الى محكمة الجنايات الدولية، وانما بالاساس لان هذه المهمة التوثيقية هي مهمة تاريخية وقانونية واخلاقية وثقافية- تربوية -تعبوية لشعوبنا واجيالنا الراهنة والقادمة ايضاً.
ولان هذه المهمة التوثيقية الملحة تنطوي على اهمية كبيرة ايضاً في سياق اعادة كتابة تاريخ الصراع استنادا الى الوثائق والحقائق والسردية التاريخية الحقيقية الموثقة….!
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook