معهد بحوث الامن القومي الاسرائيلي : لاعبون دوليون في الشرق الاوسط – لقاء وتضارب مصالح
بقلم عوديد عيران، معهد بحوث الامن القومي الاسرائيلي 1/5/2018
في العام 2017 مثلما في السنوات السابقة، اللاعبون الاساسيون في الساحة الدولية اتبعوا سياسة حذرة من استثمار موارد محدودة في الشرق الاوسط من خلال الرغبة في الامتناع عن الانجرار الى داخل المياه الاقليمية التي تغلي والتي واصلت الثوران، حتى لو كان معظمها يوجد على نار هادئة. من بين الاحداث الاساسية في الشرق الاوسط والتي اشغلت اللاعبون الدوليون كانت الحرب ضد داعش، استقرار نظام بشار الاسد في سوريا واشتداد حدة النزاع الشيعي – السني، لا سيما بين السعودية وايران. مسائل اخرى كانت تعميق النظام الاستبدادي لرجب طيب اردوغان في تركيا، محاولة الاكراد الانفصال عن العراق، محاربة النظام المصري للارهاب الجهادي في شبه جزيرة سيناء، محاولة المصالحة بين المعسكرين المتخاصمين في الساحة الفلسطينية – حماس في قطاع غزة أمام فتح/ السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، الحرب في اليمن وتأثير الاضطرابات التي تسود النظام السياسي في السعودية على المنطقة.
في هذا المقال سيتم فحص سياسة القوى العظمى بشأن مسائل اساسية موجودة على الاجندة في الشرق الاوسط، وبخصوص مصالح وسياسة اسرائيل: التحدي المركب الذي تضعه ايران، المرحلة التي ستأتي بعد حسم الحرب ضد داعش، وخاصة في سياق الحرب في سوريا والجهود المبذولة لثبات استقرار الدولة، وعلاقة واشنطن وموسكو في هذه السياقات، العلاقة بين روسيا وايران وتحسين علاقة روسيا مع دول اخرى في الشرق الاوسط؛ دور الاتحاد الاوروبي في المنطقة؛ تدخل الصين المتزايد في المنطقة؛ العلاقة بين مثلث اسرائيل – الهند – الصين.
التغيير الاكثر بروزا من جهة اسرائيل كان بالطبع انتقال ادارة الولايات المتحدة الى عهد الرئيس ترامب بعد ولاية الرئيس اوباما الذي تصادم معه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في موضوعين اساسيين: علاقة اسرائيل مع الفلسطينيين والمشروع النووي الايراني. المواقف الافتتاحية لترامب في هذين الموضوعين خلقت قاعدة تفاهم واسعة ومفتوحة بين حكومة اسرائيل والادارة الامريكية، لكن ما زال يجب متابعة تحقق التوقعات، مثلا في موضوع التعهد بنقل السفارة الامريكية الى القدس أو بخصوص تغيير جوهري في مقاربة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الذي وقع بين الدول العظمى وايران. في الجانب الفلسطيني تبدلت المخاوف التي نشأت بسبب تصريحات مؤيدة لاسرائيل اسمعها ترامب وهو ما زال مرشح للرئاسة – في التقدير بأنه يمكن اجراء نقاش ايجابي معه من ناحيته، لكن ايضا هذا التقدير يمكن أن يتغير على ضوء مبادرة امريكية لتأييد حل للنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين في حالة وضعه على الاجندة.
المعضلة الايرانية: فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني 2016 خلق توقعات بحدوث انعطافة هامة في السياسة الامريكية حول القضايا الاساسية في الشرق الاوسط. كمرشح للرئاسة اوضح ترامب أن اهدافه الاساسية في المنطقة هي تصفية داعش وتقويض الاتفاق النووي مع ايران (جي.سي.بي.أو.إي) من خلال انسحاب الولايات المتحدة منه. الدول المؤيدة لامريكا في المنطقة وعلى رأسها السعودية واسرائيل ومصر والاردن لم تخف خيبة الأمل من القبضة اللينة حسب رأيها، التي استخدمها الرئيس السابق براك اوباما تجاه ايران وحلفائها، وبدرجة ما ايضا تجاه روسيا التي عمقت سيطرتها في سوريا ووسعت علاقاتها في المنطقة من خلال استغلال ضعف ادارة اوباما. ولكن بعد مرور سنة تقريبا على دخول ترامب الى البيت الابيض تبرز في اوساط حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط خيبة أمل ايضا من الادارة الجديدة. استنادا الى سلوك الولايات المتحدة في المنطقة لا يمكن تشخيص استراتيجية واضحة أو القول إن الادارة الامريكية تصمم على الغاء الاتفاق النووي مع ايران ومواجهة الشركاء الآخرين في الاتفاق بهدف تغييره، أو للاسف، الخروج الى حرب مجابهة ضد النجاحات التي سجلتها ايران في الشرق الاوسط – ايجاد مواقع سيطرة وزيادة نفوذها في المنطقة. لقد غير الرئيس ترامب وعده بالغاء الاتفاق النووي مع ايران بفرض عقوبات من قبل الكونغرس، التي حتى الآن لم تعمل على انسحاب ايران من الاتفاق. اضافة الى ذلك، الدول الاخرى الموقعة على الاتفاق اوضحت بأنها لن توافق على الغائه أو حتى على اجراء تعديلات عليه.
بعد بضعة اشهر من دخول ادارة ترامب الى الحكم فان اسرائيل والولايات المتحدة، التي قبل استكمال الاتفاق النووي وقفت ضد سياسة ادارة اوباما في هذا الشأن، اعترفتا بهذا الواقع وقامتا بالتركيز على امور اخرى في الحرب لكسب رأي زعماء الدول العظمى في الموضوع الايراني، وقامتا بتغيير خطابهما. اسرائيل ودول سنية في المنطقة تؤكد على النشاط التآمري لايران وعلى المساعدة التي تقدمها للمنظمات الارهابية وعلى ترسخ اقدامها في العراق واليمن وسوريا ولبنان بواسطة جهات ايرانية (حرس الثورة الايراني والمليشيات) وتطوير وسائل قتالية من قبلها، منها صواريخ بعيدة المدى. ولكن ايضا لتغيير الاولويات في الحرب ضد ايران التي تديرها اسرائيل، بالاساس امام الادارة الامريكية، لا توجد ضمانة للنجاح. حتى لو أن الادارة الامريكية توافق على ادعاءات اسرائيل التي تشاركها فيها دول اخرى في المنطقة بخصوص نوايا ايران وتداعياتها السلبية على نشاطاتها، لا يبدو في هذه المرحلة أن واشنطن قد بلورت استراتيجية لمواجهة مع ايران في الموضوع النووي وفي مسألة سلوكها في الشرق الاوسط.
كذلك السياسة الامريكية بالنسبة لما يجري في سوريا مرتبطة بهذه المسألة. في الحملة الانتخابية للرئاسة وكذلك بعد دخول ترامب الى البيت الابيض أكد بالاساس على النضال ضد داعش والحاجة الى انهاء معاقل الدولة الاسلامية. استمرار حكم بشار الاسد لم يكن حسب رأيه يشكل قلق سياسي و/ أو اخلاقي يقتضي تنحيته. تحقيق هدف احتلال معاقل الدولة الاسلامية في العراق وسوريا تقريبا بصورة كاملة في الاشهر الاخيرة من 2017 يطرح تساؤلات في واشنطن وفي عواصم الشرق الاوسط بشأن استمرار طريق الولايات المتحدة في هاتين الجبهتين. ويقدر أن الولايات المتحدة تستخدم في العراق وسوريا وحدات مختارة تعد حوالي 6 آلاف جندي وتواصل الهجوم جوا على اهداف داعش في كل يوم.
في ظل غياب اهداف واضحة في سوريا بعد التصفية الكاملة لداعش على اراضي الدولة، يطرح السؤال بشأن استمرار الوجود والنشاط للقوات الامريكية فيها. من الآن اصبح واضحا أنه خلافا لروسيا وايران فان العمل بتصميم للحفاظ على نظام الاسد، الذي يمنح شرعية للوجود السياسي والعسكري لهما في سوريا، ليس للولايات المتحدة في هذه الساحة مصالح واهداف محددة. إن عدم الوضوح في سياسة الولايات المتحدة تصعب ايضا على اسرائيل، التي لا تستطيع الخروج من نقطة افتراض بأن نشاطاتها للدفاع عن مصالحها في فضاء سوريا ستحظى بالدعم الكامل أمام لاعبين آخرين في هذا الفضاء، وبشكل خاص ايران وروسيا. القدرة الاسرائيلية على المشاركة في تشكيل تسويات مدنية وامنية في سوريا تقل كلما خفضت الولايات المتحدة حضورها في سوريا، وخاصة على الصعيد العسكري.
في الواقع المتشكل في سوريا والذي اساسه تثبيت مكانة ونظام بشار الاسد وتوطيد هيمنة روسيا (والى جانبها ايران) في الدولة، وبمعرفة ان روسيا تنوي الحفاظ على انجازاتها في هذه الساحة التي تراكمت في سنوات الحرب الاهلية، فان اسرائيل تتوق الى أن تجد في موسكو تفهم لاحتياجاتها الامنية في فضاء سوريا. الانجاز الروسي في سوريا الى جانب توثيق العلاقة بين موسكو وعواصم اخرى في المنطقة (تبرز في هذا السياق انقرة والرياض وبالطبع طهران) يبرز بشكل خاص على خلفية الصعوبات في مواضيع خارجية اخرى، وكذلك في مواضيع داخلية كان عليها أن تواجهها في الفترة الاخيرة. الانتخابات الرئاسية في روسيا جرت في آذار 2018، ونظام بوتين ما زال لا يعرض خارطة طريق لتحسين الوضع الاقتصادي. في هذا السياق يصعب على النظام الانخفاض المستمر لاسعار النفط الذي هو مصدر الدخل الاساسي للاقتصاد الروسي. وعلى الرغم من تصريحات الرئيس ترامب بشأن رغبته بالاستعانة بروسيا من اجل حل ازمات دولية، فان الاجهزة القضائية والتشريعية الامريكية تواصل نشاطها ضد روسيا بسبب اتهامها بالتدخل في الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة، وضم شبه جزيرة القرم والتدخل الروسي في اوكرانيا في 2014. هذه العوامل التي تشكل الخلفية تصعب على موسكو أن تزيد انجازاتها في سوريا (وكذلك ايضا تأثيرها المحدد على النظام في كوريا الشمالية) بهدف الخروج من نظام العقوبات الذي فرض عليها في اعقاب سياستها في اوكرانيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.
اضافة الى ذلك، فان التفاهمات التي تم التوصل اليها حتى الآن بخصوص تسويات في سوريا هي ذات اهمية كبيرة بالنسبة لاسرائيل. إن المحادثات الروسية الامريكية والتدخل الاردني على هامش قمة العشرين الكبار التي انعقدت في هامبورغ في تموز 2017 ساعدت في ايجاد منطقة تهدئة في جنوب سوريا، وفي هذا الاطار تم نشر قوة من الشرطة العسكرية الروسية في المنطقة. اتفاق آخر بين الولايات المتحدة وروسيا، ايضا هذه المرة بتدخل الاردن، تم التوصل اليه في اعقاب اللقاء غير الرسمي بين الرئيسين بوتين وترامب على هامش المؤتمر الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهاديء، الذي عقد في فيتنام في تشرين الثاني 2017. “مذكرة المباديء” التي تم الاتفاق عليها هدفت الى تسوية أي منع لوجود قوات اجنبية، أي غير سورية – في جنوب سوريا. عمليا، هذه الوثيقة تعكس المعضلات التي وجدت اسرائيل نفسها فيها بسبب رغبتها في الامتناع عن التدخل الزائد في سوريا، ازاء الحاجة الى الحفاظ على مصالحها الامنية في هذه الساحة، حيث عليها المناورة بين تدخل امريكا الآخذ في التضاؤل في سوريا وبين تفهم روسيا لاحتياجاتها، الى جانب التعاون بين روسيا وايران. وفي الوقت الذي هناك في مركز المباديء يوجد تفهم جزئي بخصوص عرض القطاع الامني شرقي الحدود بين اسرائيل وسوريا في هضبة الجولان، يجري نشاط عسكري لايران على الاراضي السورية على بعد قليل من حدود اسرائيل. موسكو من ناحيتها تعلن أنها ترى في وجود ايران في سوريا وجودا شرعيا، وأن روسيا نفسها لن تجبرها على اجلاء قوات اجنبية من سوريا. هكذا وجد الثالوث غير المقدس والذي تقع روسيا في مركزه، والذي تدير اسرائيل معه من جهة حوار يشمل جهاز لمنع الاحتكاك والضرر بين قواتهما والذي يتسع الى حوار اكثر شمولا بشأن مستقبل سوريا وميزان القوى فيها. ومن جهة اخرى روسيا ترى في ايران شريكة مركزية في الشرق الاوسط وفي الفضاء ما بعد السوفييتي في وسط آسيا.
العلاقات بين روسيا وايران توطدت في اعقاب الاتفاق بشأن المشروع النووي الايراني. الاتفاق حلل التعاون العسكري بينهما وساعد في توطيد التعاون بين الدولتين في كل ما يتعلق بالحرب السورية، لا سيما في اطار جهود تحقيق اتفاق بين الجهات الداخلية المشاركة في الحرب السورية، والذي سيضع حدا للحرب ويؤدي الى استقرار الدولة – عملية “الاستانة” (عاصمة كازاخستان) التي جرت برعاية روسية. رئيسا روسيا وايران تبادلا الزيارات في العام 2017 (الرئيس حسن روحاني زار موسكو في شهر آذار وبوتين زار طهران في شهر تشرين الثاني).
مع ذلك، الدولتان من شأنهما أن تجدا انفسهما في احتكاكات وخلافات في الرأي حول مستقبل الدولة السورية وبالنسبة للنشاطات التي تقوم بها ايران في الشرق الاوسط، لا سيما في سوريا، والتي من شأنها أن تتصادم بالمصالح الروسية في المنطقة وعلى الصعيد الدولي. في الوقت الذي يتبلور فيه في موسكو تقدير يقضي بأن تسوية سياسية في سوريا ستحتاج انشاء نظام فيدرالي والذي يعني اضعاف معين للنظام المركزي، أي نظام بشار الاسد في دمشق، فان موقف ايران من هذا الموضوع غير واضح. نقطة احتكاك اخرى بين روسيا وايران يمكن أن تكون زيادة دفء العلاقات بين روسيا – التي تريد توسيع دائرة نفوذها في الشرق الاوسط خلف محور ايران دمشق – وبين السعودية التي تريد هي ايضا ردا على الانسحاب الامريكي من المنطقة. الملك السعودي سلمان وولي العهد محمد بن سلمان زارا موسكو في 2017، وتم التوقيع على عدد من الاتفاقات تشمل اتفاقات لشراء السلاح الروسي.
تحسن مكانة روسيا في الشرق الاوسط ظهر ايضا في علاقتها مع تركيا. التحسن الذي بدأ بعد هبوط في اعقاب اسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا في 2015 امكن تحقيقه على خلفية تجاهل روسيا للتصرف الاستبدادي لاردوغان والانتقاد الشديد الموجه له في الساحة الدولية، لا سيما من الاتحاد الاوروبي. تركيا اشركت من قبل روسيا في عملية التسوية في سوريا، ويمكن الافتراض أن انقرة لن تعارض انشاء نظام حكم فيدرالي في سوريا اذا قررت روسيا تبني ذلك. لأن نظام كهذا سيمكن تركيا من تعميق نفوذها في الجانب السوري من الحدود بينها وبين سوريا.
ازاء هذه الشبكة من العلاقات المتطورة بين روسيا ودول المنطقة، رغم العداء بين عدد من هذه الدول، مثلما بين السعودية وايران، يجب على اسرائيل أن تفحص استمرار توطيد العلاقات بينها وبين موسكو. الحوار مع موسكو هو ذخر استراتيجي لاسرائيل، رغم أنه في جزء منه هناك قيود وضغوط. في هذا السياق يجب على اسرائيل أن تسمع رأي الادارة الامريكية وأن تأخذه بالحسبان. الكونغرس في واشنطن يشير الى تقدم حذر يتم املاءه من الوجود الروسي، للاهتمام باحتياجات اسرائيل الامنية، وعن طريق تطور العلاقات الامريكية – الروسية. تحسن العلاقة بين واشنطن وموسكو يسهل على ايجاد تفهم في الولايات المتحدة للحوار الاسرائيلي الروسي. سوء العلاقة بين الدولتين العظميين سيجبر اسرائيل على فحص الرد في واشنطن على تعميق الحوار مع روسيا. الصعوبة في تقدير الاتجاهات بعيدة المدى في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وعدم اليقين الذي يبثه الرئيس الامريكي، تصعب على بلورة سياسة اسرائيلية ازاء روسيا في مواضيع اقليمية هامة بالنسبة لاسرائيل، لا سيما قدرتها على الحفاظ على حرية عملها في الفضاء السوري وازاء التحديات التي يضعها امامها محور ايران – دمشق – حزب الله.
الاتحاد الاوروبي – تحت ضغط ازمات داخلية في الدول الاعضاء فيه ومنها الحملات الانتخابية العامة التي جرت في 2017 في دول رئيسية وعلى رأسها فرنسا والمانيا، وفي اطار المؤسسة نفسها – فقد واصل الحفاظ على مستوى نشاط منخفض في الشرق الاوسط من خلال فقدان ما بقي من النفوذ الذي كان له في السابق في المنطقة. اساس النشاط الاوروبي وجه للحرب السورية ونتائجها، وخاصة لملايين اللاجئين السوريين الذين وصلوا الى بوابات اوروبا. مجلس الاتحاد (منتدى رؤساء الدول الاعضاء) تبنى في نيسان 2017 استراتيجية تجاه الازمة، وفي اساسها السعي لحل سياسي يستند الى وحدة الدولة السورية، سلامتها الجغرافية، سيادتها واستقلالها. الاتحاد الاوروبي صادق مجددا على دعمه للمعارضة السورية ومنظمات المجتمع المدني في الدولة. وهو يرى نفسه الممول الاكبر للمساعدات التي تعطى للاجئين، ولكن ايضا يعلن انه سيساعد في اعادة اعمار سوريا فقط عندما تحدث عملية الانتقال السياسي الشامل بمشاركة جميع الاطراف، أي قرار 2254 لمجلس الامن الصادر في كانون الاول 2015. يجدر القول إن هذا القرار تبنى اعلان الدول التي اجتمعت في جنيف في حزيران 2012 بحضور المندوب السامي للاتحاد لشؤون الخارجية والامن، والذي كان في مركزه حلم سوريا المتعددة والديمقراطية، التي تخضع للمعايير الدولية لحقوق الانسان وتمنح الفرص المتساوية دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو اللغة وما اشبه. الاطر المختلفة التي نشأت في السنوات التالية بهدف تحقيق الاتفاق في سوريا ابقت في معظمها الاتحاد الاوروبي خارج جماعة اللاعبين المؤثرين، رغم أنه يمكن الافتراض بأنه عندما يحين الوقت لوضع حل سياسي، الاتحاد سيعود ليكون شريك فعال.
إن التدخل المحدود للاتحاد الاوروبي في عملية التسوية في سوريا لا يمكنه مساعدة اسرائيل في الدفاع عن مصالحها الامنية بعيدة المدى في هذه الساحة. صحيح، في الاتحاد هناك ادراك للدور السلبي لايران في الشرق الاوسط، لكن في نفس الوقت هناك رغبة ضئيلة جدا لمواجهتها ومواجهة توابعها في المنطقة. اضافة الى ذلك، الحوار السياسي الاستراتيجي بين الاتحاد الاوروبي واسرائيل الذي كان ايضا في الماضي محدودا، ساء قبيل انتهاء المفاوضات على الاتفاق النووي، وعمليا كف عن الوجود. مجلس الاتحاد الذي هو الاطار الرسمي لادارة المفاوضات الثنائية بين الاتحاد الاوروبي وبين معظم جيران اوروبا ومنهم اسرائيل، لم يجتمع منذ فترة طويلة. في خلفية الانقطاع فان الخلافات العميقة في الرأي بين اسرائيل والاتحاد حول مسالة النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين والجمود السياسي. الخلافات وجدت تعبيرها في سياسة الاتحاد أن تطبق فعليا التمييز بين اسرائيل في حدود ما قبل 1967 وبين المستوطنات (مثلا عن طريق فرض الجمارك على تصدير منتجاتها) أو المساعدة المقدمة لمنظمات مختلفة تعمل حسب رأي اسرائيل ضد مصالحها. اختلافات الرأي هذه يمكن أن تتعمق في حالة طرح الادارة الامريكية، كما اعلنت عن نيتها القيام بذلك، مبادرة لتجديد العملية السياسية وتقوم اسرائيل برفضها أو تعتبر رافضة لها.
منذ بضع سنوات تفضل حكومات اسرائيل العمل امام دول اوروبا على المستوى الثنائي، من خلال تجاوز مؤسسات الاتحاد. اسلوب العمل هذا يمكنه أن يحقق اهداف اسرائيل طالما أن حكومات الدول الاعضاء في الاتحاد تتعامل مع هذا السلوك وطالما أن مؤسسات الاتحاد المركزية في بروكسل تنشغل بمشكلات اكثر اشتعالا. بعضها مثل التي تؤثر على مستقبله (مثلا، انسحاب بريطانيا وتأثير المفاوضات معها على ميل دول اعضاء اخرى الى اضعاف اطر المنظمة). في هذا الوضع مشكوك فيه أن تحظى اسرائيل في هذه المؤسسات بأذن صاغية لما يقلقها في مواضيع استراتيجية اقليمية. خروج بريطانيا من الاتحاد والعلاقة بين اسرائيل وفرنسا والمانيا التي هي ليست اكثر من سليمة، تقلل كذلك توقعات اسرائيل من اللاعب الاوروبي في الشرق الاوسط.
بالنسبة للصين، فهي ما زالت تعتبر لاعب احتياط في الساحة السياسية في الشرق الاوسط. تدخلها في المنطقة يتم صعوده لا سيما في الوضع الاقتصادي، وبدرجة ما في مجال بيع السلاح. الصين تستخدم مفهوم “طريق واحد وحزام واحد” كقاعدة لاختراقها الاقتصادي للمنطقة، وهي تضع الى جانبه الوسيلة المالية – البنك الآسيوي للاستثمار والبنى التحتية. الزخم الصيني يشمل شق الطرق والسكك الحديدية وتطوير موانيء. في حالات معينة مثلما هي الحال في اسرائيل، الاستثمارات الصينية تمتد ايضا الى مجالات اخرى. في العقد الاخير استثمرت الصين في المنطقة (ذلك يشمل شمال افريقيا، ولكن ليس اسرائيل) اكثر من 120 مليار دولار، التي تشكل حوالي 10 في المئة من اجمالي الاستثمارات خارج الصين.
في هذا السياق يحتمل حدوث في 2018 احد الاحداث الاقتصادية الاكثر اهمية، اذا اصدرت السعودية في هذه السنة 5 في المئة من رأس مال “ارامكو”، والمشتري كان المشتري الوحيد وهو الصين. عندها سيكون هناك تداعيات اقتصادية وسياسية بعيدة المدى لتدخل الصين في اتخاذ قرارات في مجتمع يمثل اكثر من أي جهة التأثير الحاسم للسعودية في سوق الطاقة العالمية. السعودية بكونها مصدرة لحوالي 10 في المئة من استهلاك النفط العالمي، هي العامل الاكثر تأثيرا على اسعار النفط التي يتم تحديدها من قبل كارتلين (احتكارين ماليين كبيرين) والابرز منهما هو منظمة الدول المصدرة للنفط “اوبيك”. حضور صيني محتمل في عملية اتخاذ القرارات في السعودية من شأنه التأثير على سعر النفط، وعلى مداخيل الدول المنتجة وعلى قدرتها على المساعدة في اقتصادات دول في الشرق الاوسط توجد على شفا الانهيار. النشاط المتزايد للصين في المجال الاقتصادي يمكن تفسيره بمفاهيم اقتصادية – الرغبة في ايجاد اسواق لمنتوجاتها وزيادة قدرتها الانتاجية، مثلا في مجال البنى التحتية. تفسير آخر هو حاجة الصين الى استيراد مصادر طاقة بدرجة يقين واستمرارية عالية، من هنا الاهتمام بالاستقرار الاقتصادي ايضا في الشرق الاوسط. في المقابل، بناء موانيء صينية في المحيط الهندي مثلا يزيد احتمالية أن النشاط الصيني في هذا السياق يمكن أن يكون له توابع ثانوية لن تكون اقتصادية فقط. بيع السلاح الصيني لدول الشرق الاوسط يخلق ايضا ارباح ليست مجرد اقتصادية فقط.
في موازاة تعميق العلاقة بين الصين وايران والعالم العربي فقد تعززت ايضا العلاقات الاقتصادية بين اسرائيل والصين. زيارة رئيس الحكومة نتنياهو في بجين تمت في ذكرى الـ 25 لاقامة العلاقة بين الدولتين. خلافا للعلاقة الصينية مع دول اخرى في الشرق الاوسط فان الصين تقيم تمييز واضح بين التعاون الاقتصادي مع اسرائيل وبين مواقفها السياسية في مواضيع تتعلق باسرائيل. نموذج العلاقات هذا لا يختلف في جوهره عن العلاقة بين اسرائيل ودول اخرى، باستثناء الزيادة السريعة في العلاقة الاقتصادية بين اسرائيل والصين وغياب كل توازن بين هذا التوجه وبين تصويتات الصين في المنتديات الدولية، أي عدم دعم صيني للسياسة الاسرائيلية. في المقابل الصين لا تترجم مواقفها بالنسبة للنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين الى خطوات اقتصادية ملموسة، كما يتصرف الاتحاد الاوروبي بالنسبة للتصدير الاسرائيلي من المناطق المحتلة في 1967، او الى دعم مالي لنشاطات التنظيمات المعارضة لسياسة اسرائيل في موضوع النزاع. اضافة الى ذلك فان التليين المحدود في خطاب الرئيس ترامب تجاه الصين الذي سجل في العام 2017 سيسهل على اسرائيل ادارة علاقتها مع الصين في مجالات حساسة مثل السايبر والاعلام في الفضاء الذي يلامس المجال الامني. ولكن الاهتمام الصيني (واهتمام دول اخرى) بهذه المواضيع يلزم اسرائيل بأن تفحص خطواتها من اجل الدفاع عن المصالح الوطنية.
بموازاة تطور العلاقة بين اسرائيل والصين في العام 2017، حدثت انطلاقة ايضا في العلاقة بينها وبين الهند. الفصل الكامل بين العلاقة الاقتصادية والسياسية كما تتبعها الصين في العلاقة مع اسرائيل، برز، وربما بصورة اكثر، في حالة الهند. في حين ان اسرائيل قطعت تحت الضغط الامريكي كل علاقة امنية مع الصين فان علاقة اسرائيل والهند تعمقت بالتحديد في مجال الامن، وكذلك رغم أن الهند لم تنحرف قيد أنملة عن نموذج تصويتها المناهض لاسرائيل، المشابه لنموذج التصويت الصيني (بالطبع باستثناء التصويت في مجلس الامن، الذي ليست الهند عضوة دائمة فيه). زيارة رئيس حكومة الهند نراندرا مودي لاسرائيل في 2017 كانت اكثر من زيارة رسمية لأنها مثلت تطور لمقاربة اكثر توازنا تجاه اسرائيل. على سبيل المثال، الهند غيرت تصويتها في عدد من المؤسسات الدولية وانتقلت من تصويت تلقائي مع الجانب العربي الى امتناع. هناك تشابه في نموذج العلاقات الاقتصادية للهند مع الدول العربية للنموذج الصيني لا سيما في كل ما يتعلق باستيراد مصادر الطاقة من الشرق الاوسط. لا يوجد للهند حقا استثمارات كبيرة في ايران والعالم العربي، لكن اقتصادها يستند بدرجة كبيرة الى التحويلات المالية لملايين الهنود العاملين في العالم العربي، لا سيما في الدول المنتجة للنفط والغاز. التغير في سياسة الهند تجاه اسرائيل هو لذلك سبب مشجع، وان كان سيتوجب على اسرائيل متابعة التطورات في العلاقات بين الهند والصين، حيث أن التصعيد في هذه الساحة على خلفية نزاعات حدودية أو المنافسة في المحيط الهندي من شأنها أن تجر الى تضارب المصالح الذي سيكون له تأثيرات ايضا على العلاقات بينهما وبين اسرائيل.
بالاجمال، فان فحص مكون العلاقات بين اسرائيل واللاعبين الدوليين المشاركين من الناحية العسكرية والسياسية والاقتصادية في الشرق الاوسط، يدل على منحى من الاستقرار وحتى التحسن في العلاقات، التي مصدرها دخول رئيس جديد الى البيت الابيض في بداية 2017. بتوسيع الحوار بين اسرائيل وروسيا وتعميق العلاقة مع الهند والصين، لقد ساهم في هذا التحسن ايضا انخفاض اهمية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني في الاجندة الاقليمية في الشرق الاوسط وفي الاجندة الدولية بشكل عام، وكذلك حقيقة أنه خلال هذه السنة لن يحدث على حدود اسرائيل احداث امنية هامة. في نفس الوقت هذا الميزان الايجابي من شأنه أن يميل سلبا في اعقاب تطورات مرتبطة بالسياسة الامريكية في الشرق الاوسط وخاصة فيما يتعلق بمسائل مركزية لاسرائيل – على رأسها انتشار قوات محلية واجنبية على الاراضي السورية، وكذلك مبادرة امريكية لاحياء العملية السياسية في حالة عرضها. رغم أن النزاع الاسرائيلي الفلسطيني لا يحتل مكانة عالية في الاجندة الاقليمية أو الدولية، إلا أنه يجب على اسرائيل الابتعاد عن وضع تلقى فيه عليها المسؤولية عن فشل المبادرة الامريكية. صحيح أنه لا توجد علاقة بين المسألة الفلسطينية والحل السياسي العسكري المستقبلي في سوريا، إلا أن اسرائيل ستحسن صنعا اذا سهلت على اللاعبين الاقليميين (باستثناء ايران) الاهتمام بادعاءاتها حول الحل في سوريا من خلال منع تأثير المسألة الفلسطينية على كل اعتباراتهم في الموضوع السوري.