دراسات وتقارير خاصة بالمركز

معهد بحوث الأمن القومي الاسرائيلي: الميزان الاستراتيجي لايران وخصومها – وتأثيره على الساحة الاقليمية وعلى اسرائيل

بقلم سيما شاين، معهد بحوث الأمن القومي الاسرائيلي ١-٥-٢٠١٨م
ايران في الساحة الاقليمية
​عدد من التطورات في الساحة الاقليمية واصلت اسهامها في تعزيز مكانة ايران. وأحد هذه التطورات المركزية هو تصفية تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا. الحرب ضد معاقل داعش في العراق وسوريا التي قادها التحالف برئاسة الولايات المتحدة كانت ايضا من مصلحة ايران التي ترى في التهديد الذي تضعه داعش السنية المتطرفة امام الجهات الشيعية كعدو اول لها. إن تدخل المليشيات الشيعية العراقية لدعم قوة القدس برئاسة قاسم سليماني، وبالاساس التعاون مع الجيش العراقي، ساهم بشكل كبير في هزيمة داعش وتصفية معظم معاقله في العراق، وفيما بعد في سوريا ايضا.
​هذه العملية تنضم الى عمليات سابقة للولايات المتحدة في المنطقة عملت على تعزيز مكانة ترامب الاقليمية. الاهم منها كان ازاحة صدام حسين، العدو الاساسي للنظام في طهران، والذي سبقه ازاحة طالبان من افغانستان التي كانت العدو السني الصعب لايران. هذه التطورات خلقت عدد من الفرص لتعزيز مكانة ايران الاقليمية. في عدد من الحالات، على اساس قرار بقيادة عناصر من حرس الثورة – على تعميق التدخل المباشر وكذلك بواسطة حلفاء في المنطقة. ففي السنوات الاخيرة سجل ازدياد في التدخل المباشر لحرس الثورة وفي حالات معينة ايضا الجيش الايراني في سوريا والى جانبه آلاف الشيعة من العراق ومن افغانستان ومن باكستان الذين جندوا لمساعدة نظام بشار الاسد، وعمليا لضمان استمرار نظامه في سوريا. تعزز نظام الاغلبية الشيعية في العراق مكن ايران من تعميق نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري بواسطة مليشيات شيعية مقربة لايران، وهي الآن مندمجة في الجيش العراقي. هاتان العمليتان وصلتا في السنة الاخيرة الى النضج من خلال تعزيز تواجد ايران في العراق وسوريا في السنوات القادمة بصورة تمكنها من التأثير بصورة كبيرة على اتخاذ القرارات في هاتين الدولتين. هذا التمركز يخلق فعليا تواصل جغرافي بين ايران والبحر المتوسط ويمكن طهران من اقامة تواصل بري عبر العراق وسوريا الى حزب الله في لبنان. بذلك تؤمن ايران لنفسها قدرة على التدخل في مستوى اوسع في الازمات المستقبلية، في كل ساحة من هذه الساحات. اضافة الى ذلك، ايران توسع نفوذها في هذه الدول ايضا الى المجالات الاجتماعية وبالاساس الاقتصادية. لقد وقع بين ايران وسوريا اتفاق بحسبه تصدر ايران لسوريا خمس محطات لانتاج الكهرباء من اجل تعزيز شبكة الكهرباء في الدولة، وتم نشر نوايا ايرانية حول ربط شبكات الكهرباء في المستقبل في ايران وسوريا والعراق معا؛ ووقع اتفاق لاقامة محطة لتكرير النفط في سوريا، الذي في المرحلة الاولى يمكنه تكرير 40 ألف برميل في اليوم، وعند اكتماله سيصل في المستقبل حتى 140 ألف برميل يوميا.
​اضافة الى هذه التطورات خدم ايران ايضا نزاعان اقليميان آخران، لم تكن المبادرة اليهما، لكنها عرفت كيفية استغلال الامكانية الكامنة فيهما جيدا، من اجل المس بمكانة السعودية وتقوية اوراق مساومتها. الاول هو الحرب المستمرة في اليمن، حيث تجندت طهران هناك لمساعدة الحوثيين بالوسائل القتالية والتمويل والخبرة والتوجيه من قبل عناصر حرس الثورة، كما يبدو بتعاون خبراء من حزب الله. هذه المساعدة التي ازداد تعمقها في السنتين الاخيرتين تمنع فعليا السعودية ودولة الامارات من القدرة على حسم المعركة. هذا رغم وجود وسائل قتالية متقدمة جدا لدى السعودية والتي ميزانيتها العسكرية هي الثالثة من حيث حجمها بعد امريكا والصين وروسيا، من هنا فان الانطباع هو أن المملكة رغم استثمارها الضخم في الامن من شأنها أن تبدو فعليا مثل “نمر من ورق”.
​يضاف الى ذلك أن العملية العسكرية في اليمن تحولت الى عبء على الميزانية السعودية، في حين أن الحوثيين يسيطرون على شمال اليمن وعلى العاصمة صنعاء ويطلقون الصواريخ والقذائف على الاراضي السعودية كأمر اعتيادي. ايضا الى جانب الانتقاد الدولي ضد السعودية بسبب طريقة ادارة الحرب (تفاقم الوضع الانساني في اليمن والاضرار الكبير بالمدنيين)، ايضا عدد القتلى بين الجنود السعوديين المشاركين فيها يزيد على المئات (في ظل غياب عدد رسمي) وبوادر انتقاد داخلي مقموع. كل ذلك يثقل على نجاح سياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في هذه الساحة ايضا.
​الازمة الثانية هي التي خلقتها السعودية أمام قطر. في اطار هذه الازمة تفرض عدة دول عربية – السعودية ومصر والامارات والبحرين – منذ حزيران 2017 مقاطعة دبلوماسية واقتصادية على قطر. وتضع سقف طلبات مرتفع وحتى مبالغ فيه. هذه الطلبات تشمل خفض مستوى العلاقة مع ايران، اغلاق قناة “الجزيرة”، اخراج القوات التركية من الامارات، والاهم من ذلك وقف دعم الاخوان المسلمين.
قطر تدفع حقا ثمن لا بأس به، بالاساس اقتصادي، بسبب المقاطعة، لكن ايضا الثمن الذي تدفعه السعودية يزداد مع الوقت عن الانجاز الذي أرادت تحقيقه. صورة قوتها تضررت، حتى لو بسبب عدم قدرتها حتى الآن على اخضاع دولة صغيرة و”متمردة” مثل قطر. اضافة الى ذلك، أملها في دعم امريكا ضد قطر لم يتحقق وواشنطن تواصل ادارة حربها ضد داعش من قواعدها في قطر. ايضا محاولات الوساطة لوزير الخارجية الامريكية والكويت فشلت حتى الآن، والحل المحتمل للازمة يبدو بعيدا. ايران من ناحيتها تجندت لمساعدة قطر، سواء بالغذاء والاحتياجات الحيوية الاخرى أو فتح المجال الجوي لها للرحلات الجوية التي تخرج من قطر وتدخل اليها. في هذه الازمة تدفع السعودية ايضا ثمن من علاقاتها مع حليفاتها المسلمات وعلى رأسهم الباكستان التي اصبحت متوترة بسبب مواقفها المحايدة في الازمة.
تطور هام آخر جرى في السنة الاخيرة وخدم ايران هو تحسن العلاقات بينها وبين تركيا، بعد سنين من التوتر، بالاساس حول الحرب السورية ودعم الدولتين لقوى داخلية متعارضة. تركيا عملت من اجل ازاحة بشار الاسد وساعدت بالسلاح والمأوى عناصر تعمل ضد النظام السوري، وايران عملت لضمان بقاء الاسد بواسطة ارسال قوات ايرانية، قوات حزب الله وحتى مليشيات شيعية جندت في العراق وفي افغانستان وباكستان. ازاء الخوف التركي من تعزز القوات الكردية بمساعدة امريكية، ومن احتمال أن هذه ستنجح في انشاء شبه دولة مستقلة في سوريا، قررت انقرة التسليم باستمرار بقاء الاسد وانضمت لروسيا وايران، وهي تشكل الآن جزء من الثلاثية بقيادة روسيا التي تضمن مناطق التهدئة في سوريا، وبصفتها هذه ايضا ستكون شريكة في أي حل سياسي في سوريا. من الامثلة البارزة جدا على التقارب بين ايران وتركيا يشار الى الزيارة التاريخية لرئيس الاركان الايراني لانقرة في آب 2017، للمرة الاولى منذ القورة الايرانية في 1979؛ لقاء الرؤساء حسن روحاني ورجب طيب اردوغان في المؤتمر الذي عقد في الاستانة (في 9 ايلول)؛ زيارة اردوغان لايران في 4 تشرين الاول؛ وفي 22 تشرين الثاني القمة الثلاثية بين رؤساء روسيا وايران وتركيا في مدينة سوتشي في اطار الجهود للتوصل الى اتفاق سياسي في سوريا – القمة التي وصفها الايرانيون كانتصار على “الارهاب التكفيري”.
​الى جانب موضوع سوريا تبرز ايضا المصالح المشتركة والتنسيق القائم بين ايران وتركيا فيما يتعلق بكردستان العراق. هذه الشراكة بدأت فور اعلان رئيس الادارة الكردية الاقليمية في شمال العراق، مسعود برزاني، بأنه ينوي اجراء استفتاء عام حول مسألة اقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق – وهي عملية ووجهت بمعارضة من قبل ايران وتركيا – واستمرت بصورة اشد بعد اجراء الاستفتاء العام في 25 ايلول. نتائجه عبرت عن تأييد كبير جدا للاستقلال. من جهة انقرة صدرت تصريحات شديدة ضد برزاني والخطوة التي قادها صورت بأنها “خيانة”. هذا الموقف كان معارضا لازدهار العلاقة التجارية في السنوات الاخيرة بين تركيا والاقليم الكردي، الذي تضمن استخدامه كخط لتصدير النفط من الاقليم بصورة تتجاوز بغداد. مستوى التنسيق الذي وصلت اليه بغداد وطهران وانقرة في الرد الشديد الذي اظهرته تجاه الاستفتاء العام في كردستان سرع التراجع الكردي في كركوك التي يوجد فيها تجمع سكاني تركماني بارز، والتي ترى انقرة نفسها حامية له. تركيا نظرت بسلبية ايضا الى تضاؤل الوزن النسبي لها في هذا الاقليم امام عملية التعريب والتكريد التي استمرت سنوات، والاستفتاء الذي عارضته فتح امامها فرصة للعمل ضد هذه العمليات.
​في اطار توسع سلسلة المصالح المشتركة لايران وتركيا يمكن أن نسمي ايضا الازمة التي تطورت في الخليج منذ حزيران 2017، التي خلالها قطعت السعودية ودولة الامارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وخلال ذلك ايضا فرضت عليها مقاطعة جوية وبحرية. في هذه الازمة وجدت تركيا وايران انفسهما في نفس جانب المتراس. وهما تساعدان قطر على مواجهة تداعيات المقاطعة. بالنسبة لتركيا فان التحالف مع قطر هو أحد انظمة العلاقات الثابتة الوحيدة لها في السنوات الاخيرة. يوجد لهذه العلاقات ايضا قاعدة ايديولوجية التي تسمى احيانا “محور الاخوان المسلمين”. قرار انقرة انشاء قاعدة عسكرية في قطر وتسريع تطبيق هذا القرار في اعقاب ازمة الخليج هي دلائل بارزة على قوة العلاقة بين الدولتين. اضافة الى ذلك، تركيا تعتقد أنه اذا نجحت دول الخليج ومصر في اخضاع قطر فانها ستكون التالية في الدور لعمل معادي من جانبهما. التقارب بين تركيا وايران يتجلى ايضا في الصعيد الاقتصادي. الدولتان وروسيا ايضا وقعت على صفقة نفط وغاز ثلاثية للقيام بالتنقيب في ايران – وهذا امر هام جدا لتركيا التي لا يوجد لها مصادر طاقة عديدة في حدودها.
​على خلفية سلسلة طويلة من هذه الانجازات بالنسبة لايران في الساحة الاقليمية، والتي نتائجها هي فشل للسياسة السعودية، تبرز المواجهة المباشرة اللفظية والمتشددة بين السعودية وايران منذ تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد. إبن سلمان يحظى بالتشجيع من مواقف الرئيس ترامب في الموضوع الايراني ويزيد من تصريحاته ضد النظام في طهران، حيث وصف الزعيم الاعلى علي خامنئي بهتلر الجديد للشرق الاوسط. زيادة الحدة اللفظية هذه تنضم الى العملية التي يقودها ولي العهد بواسطة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري الذي اتهم في الرياض ايران وحليفها حزب الله بالتدخل في شؤون لبنان الداخلية.
​ولكن، هذا صحيح حتى كتابة هذه السطور، لا تظهر هناك سياسة سعودية منظمة وفعالة لتقليص انجازات ايران الاستراتيجية في المنطقة، لكن يظهر انعدام قدرة سعودية على بلورة معسكر سني بارز مناويء لايران امام المعسكر الشيعي المؤيد لايران، الموحد والذي يتمسك بالهدف. اساس الصعوبة امام السعودية ينبع من غياب قاسم مشترك بين بنية التهديدات حسب رأيها وبين رؤية جزء من شركائها في المعسكر السني، هذا الامر صحيح في كل ما يتعلق باعتبار ايران من قبل الرياض كعدوة مركزية، في حين أن مصر والاردن لا تضعانها على رأس قائمة التهديدات الامنية لهما، وترى في التهديد السلفي الجهادي أكثر خطورة على استقرارها. اضافة الى ذلك، يبدو أن هناك تضاؤل حتى لو جزئي في دعم دول في الدائرة الابعد مثل باكستان وافغانستان، الذين أيدوا بصورة تقليدية السعودية منذ سنين بسبب خطواتها المختلف عليها وكرد على جهود ايران لتحسين العلاقات معها.
​الميزان الايراني في الساحة الدولية
​في نهاية سنة على ولاية الرئيس ترامب، فان الميزان الاستراتيجي لايران في الساحة الدولية يبدو متحسنا في نواحي معينة ومليء بالاخطار من نواحي اخرى؛ الانجاز الاكبر لايران هو بلا شك العلاقات المتطورة بينها وبين روسيا، هذه العلاقات توجد الآن في عملية متواصلة من التقارب والتنسيق الذي يعتبر استثنائي بالنسبة للدولتين. العلاقات التي شهدت صعود وهبوط، بالاساس فيما يتعلق بانضمام روسيا لقرارات العقوبات ضد ايران في مجلس الامن، تسير في السنتين الاخيرتين في منحى تعزز، وحتى التسريع بعد بلورة الاتفاق النووي. في اعقابه تمكنت الدولتين من تجديد التعاون العسكري، والتعبير الاهم عن ذلك كان تزويد ايران بمنظومة الدفاع الجوي “اس 300″، بعد تأخير استمر عقد من الزمن في اعقاب ضغط امريكي واسرائيلي. هذه المنظومة اصبحت فعالة في ايران. كما أن الدولتين تجريات علاقات لشراء انظمة سلاح اخرى من بينها طائرات قتالية من نوع “سوخوي 30” ودبابات “تي 90″، اضافة الى أنهما وقعتا مؤخرا على اتفاق لانتاج مشترك لطائرات بدون طيار.
​أهمية كبيرة جدا بالنسبة لموسكو وطهران معطاة للتعاون الذي تطور بينهما في سوريا، منذ بدء التدخل المباشر لروسيا في الحرب السورية في 2015. وهما تعملان كحلف عسكري في اطاره تتقاسمان ادارة الحرب على الارض. من هنا ايضا تأتي رؤية روسيا لايران كمكون هام في كل اتفاق مستقبلي في سوريا. علاقة الدولتان وجدت تعبيرها ايضا على الصعيد الاقتصادي، الهام جدا بالنسبة لروسيا، وخلال زيارة الرئيس الايراني روحاني لموسكو (في شهر آذار) تركزت المحادثات مع بوتين حول امكانية تعميق العلاقة الاقتصادية والتجارة والاستثمار بين الدولتين. في السنة الماضية زاد حجم التجارة بين الدولتين بـ 70 في المئة. والرئيس روحاني اعلن أن العلاقة الاقتصادية انتقلت من مرحلة علاقة عادية الى مشاريع بعيدة المدى. في الاعلان المشترك الذي نشره الطرفين في نهاية الزيارة تمت الاشارة الى اتفاقات في مجال النفط والغاز والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والذرة (وحدتين اضافيتين في بوشهر) ومحطة للطاقة في بندر عباس وتوسيع السياحة. في هذا المجال وقع اتفاق هو الاول من نوعه، الذي يلغي الحاجة الى تأشيرة دخول لايران بالنسبة لسياح قادمين من روسيا – انجاز أول في الحوار الذي يجري بخصوص الالغاء الكامل لتأشيرات الدخول الى ايران. بهذه الطريقة تم توسيع التعاون بين الدولتين الى أبعد من الصعيد العسكري. دعم روسيا لايران وجد تعبيره الهام امام ادارة ترامب ايضا، الذي يضع ايران كعقبة اساسية في رؤيته للشرق الاوسط، ويهدد باعادة فرض العقوبات التي رفعت مقابل التفاهمات النووية التي تم التوصل اليها. موسكو تعود وتوضح بأنه حسب رؤيتها واستنادا الى تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية فان ايران تلتزم بجميع التعهدات، لذلك لا مجال لاعادة فرض العقوبات عليها.
​في موضوع برنامج الصواريخ الايراني ايضا تتمسك موسكو بموقف يقول إنه ليس جزء من الاتفاق النووي، لهذا هو لا يشكل خرق من جهة ايران. موقف روسيا هذا ضروري لايران امام ما يبدو امكانية حقيقية لاتخاذ خطوات امريكية ضدها.
​العلاقة بين ايران والاتحاد الاوروبي والدول الاوروبية توجد الآن في منحى تعزز وتقارب في السنة الاخيرة، وتحسن من مكانة طهران في الساحة الدولية. من التطورات الاخيرة يجدر التذكير في المكان الاول بدعم الاتحاد الاوروبي لاستمرار تطبيق الاتفاق النووي، ومعارضته العلنية والقاطعة لسياسة ادارة ترامب الذي رفض في تشرين الاول الماضي المصادقة للكونغرس أن ايران تقوم بالايفاء بشروط الاتفاق، كما هدد بأن يعيد قريبا فرض العقوبات عليها. هذا الموقف تم التعبير عنه من قبل ممثلة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي، فردريكا موغريني اثناء زيارتها في واشنطن (في 6 تشرين الثاني)، وخلال مؤتمر صحفي عقد في نهاية لقاء وزراء خارجية الاتحاد (في 13 تشرين الثاني). هذا الدعم ضروري لطهران التي تعتبره وسيلة لعزل الولايات المتحدة وضمان استمرار التطور في العلاقات الاقتصادية مع اوروبا، والاستثمارات الاوروبية الهامة لها. في هذا السياق فان البيانات بخصوص التطور البارز الذي حدث في العلاقات الاقتصادية هي أمر هام: في 2016 (السنة المالية الايرانية بين آذار 2016 وآذار 2017) حدثت زيادة اكثر من 300 في المئة في التصدير الى الاتحاد الاوروبي، وزيادة تبلغ 27 في المئة في الاستيراد من الاتحاد. إن منحنى ارتفاع التجارة مع الاتحاد الاوروبي استمر ايضا خلال الستة شهور الاخيرة من العام 2017 (حوالي 4.4 مليار يورو): زيادة هامة في التصدير لايطاليا (1.54 مليار يورو)، فرنسا (1.26 يورو)، اليونان (638 مليون يورو) واسبانيا (609 مليون يورو). وسجل ايضا ارتفاع بـ 30 في المئة في الاستيراد من الاتحاد الاوروبي: المانيا (1.39 مليار يورو)، ايطاليا (900 مليون يورو)، فرنسا (763 مليون يورو). ويشار بشكل خاص في هذا السياق الى بداية تطبيق صفقة طائرات “اير باص” التي وقعت مع الشركة الفرنسية (اكثر من مئة طائرة)، وصفقة ضخمة وقعت عليها شركة “توتال” الفرنسية سوية مع شركة صينية وايرانية بمبلغ حوالي 5 مليارات دولار لتطوير حقل الغاز فارس 3.
​كما أن التعاون الاقتصادي مع الصين ودول اخرى في الشرق الاقصى يتطور في السنتين الاخيرتين منذ رفع العقوبات. الصين التي تعتبر الشريكة المركزية في التجارة مع ايران حدثت معها زيادة بـ 7 في المئة في التصدير اليها مقابل الفترة الموازية من العام الماضي، وبلغت 4.31 مليار دولار. في المقابل الاستيراد من الصين وصل الى 6 مليار دولار تقريبا – الاعلى من بين باقي الدول التي تستورد منها ايران.
هذه التطورات الايجابية بالنسبة لايران تعيقها سياسة الولايات المتحدة التي تهدد بالاضرار بصورة كبيرة بانجازات طهران. التغيير الاساسي الذي تطرحه ادارة ترامب هو وضع سياسة ايران كتهديد رئيسي للامن الاقليمي ومصالح الولايات المتحدة. عمليا، الامر يتعلق بتغيير النهج الذي كان يقضي بأن الاتفاق النووي يمكن أن يؤدي الى اعتدال ايران وربما حتى التعاون الاقليمي معها من خلال الاستناد الى مصالح كل الشركاء في الاتفاق وعلى رأسهم الولايات المتحدة، والامتناع عن اتخاذ خطوات من شأنها المس بالاتفاق. النموذج الجديد يقضي بأنه يجب استغلال استمرار وجود الاتفاق – الذي لا ترى ادارة ترامب فيه ذخر للولايات المتحدة – من اجل تحقيق رد على المسائل غير المشمولة فيه مثل برنامج الصواريخ الايراني، سياستها الاقليمية وعقبات في الاتفاق نفسه، وكل ذلك من خلال الاستناد الى المصالح الواضحة الموجودة لدى ايران وحلفائها الاوروبيين في الحفاظ على الاتفاق. قبيل نهاية العام 2017 كانت ايران توجد في وضع عدم يقين بخصوص الخطوات القادمة للرئيس ترامب، واساسا بالنسبة للعقوبات التي اذا تم فرضها مرة اخرى فمن شأنها أن تضع دول اوروبا امام ضرورة الاختيار بين استمرار التعاون والاستثمار في ايران وبين مصالحها في الولايات المتحدة، وعدد منها بالتأكيد ستفضل مصالحها الموجودة في الولايات المتحدة. هذه السياسة الامريكية تهدد بضرب انجازات ايران في الساحة الدولية، ومن المحتمل أن تكون لذلك تداعيات خطيرة على المجال الحيوي للاستثمارات الاجنبية وعلى بداية التحسن للاقتصاد الايراني. هذه السياسة تحمل في ثناياها ايضا امكانيات كامنة كبيرة لضرر كبير لما يظهر في الوقت الحالي وكأنه ميزان ايجابي جدا بالنسبة لها.
​الخلاصة
​في نهاية العام 2017 وفي نهاية سنوات الحرب في العراق وسوريا التي تقترب من النهاية، وكذلك التدخل المتزايد لايران وحلفائها في هذه الساحات، فان طهران وضعت نفسها كعنصر مؤثر اساسي ليس فقط في الهلال الخصيب بل في الشرق الاوسط. هذا التطور يحور ايران الى لاعبة هامة في كل ما يتعلق بمستقبل الازمات في المنطقة، هذا الى جانب تحسن مستمر وإن كان بطيئا، في التعاون الاقتصادي بين ايران وجهات دولية، وكذلك استقرار نظام الحكم، وإن كان لا ينقصه التوتر الداخلي. اضافة الى ذلك، على خلفية عدم الاستقرار الذي يميز الشرق الاسط. التعاون مع روسيا الذي يشكل الآن العامل الاكبر الوحيد المشارك في التطورات المستقبلية في الشرق الاوسط، يخلق بالنسبة لايران نوع من “مظلة حماية” لضمان انجازاتها. مع ذلك، على كل ذلك تضع ادارة ترامب علامات تساؤل وتهديد حقيقي ازاء مطالبها تحديد قوة ايران في مجال تطوير برنامج الصواريخ وتدخلها الاقليمي، وكذلك بخصوص جوانب محددة في الاتفاق النووي. في هذه المرحلة، ادارة ترامب لا تحظى بدعم الجهات الدولية الاساسية لاغلبية مواقفها، لكن مجرد تصريحاتها والغيمة التي تضعها على استمرار الوضع القائم تثير المخاوف في طهران.
​اسرائيل التي حظيت في السنوات الاخيرة بغياب التهديدات الكبيرة على حدودها – نظام متفكك في سوريا، هدوء على الحدود مع لبنان على خلفية التدخل الكبير لحزب الله في الحرب السورية وتواصل الصعوبات في العراق – تجد اسرائيل نفسها ازاء عمليات جديدة يكتنفها امكانية كامنة للتغيير نحو الاسوأ في الميزان الاقليمي من ناحيتها. في مركز التغيير يقف ازدياد نفوذ ايران في سوريا ولبنان، بصورة مباشرة وبواسطة حلفائها وبرعاية روسيا. وسواء روسيا أو ايران، توضحان بأنهما تنويان البقاء في سوريا في السنوات القريبة القادمة، مع مؤشرات كهذه وغيرها لم يتم توضيحها بعد بما فيه الكفاية. في المقابل، ما يبدو كعلاقات وثيقة بين اسرائيل والسعودية ودول الخليج لا يعزز مكانتها الاقليمية. هذا بالاساس ازاء ضعف “اصدقاءها الجدد في الخليج” وفي اعقاب انعدام استعدادهم للاعلان بشكل علني عن تقارب العلاقات بينهم وبين اسرائيل، طالما لا يوجد تقدم في العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين. اضافة الى ذلك، فان انعدام المصالح الامريكية في التدخل العميق والناجع في التطورات الاقليمية لا يساعد اسرائيل. كل ذلك يضع اسرائيل بالنسبة للساحة السورية باعتبارها العنصر الوحيد الذي يقف علنا ضد ايران، وبصورة غير مباشرة ايضا ضد روسيا التي تقود الاتفاقات في سوريا. مشكوك فيه اذا كان يوجد في أيدي اسرائيل ادوات عملية مباشرة، بواسطتها تستطيع أن تغير بصورة جوهرية صورة الوضع المتبلورة. في الاساس لا يجب عليها الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا في الساحة السورية، التي تستثمر موسكو فيها جهود كبيرة، بما في ذلك الرئيس بوتين شخصيا. بدل ذلك، عليها أن تخلق مصلحة واضحة في موسكو لكبح ايران وحزب الله ومنعهما من استغلال التسوية الآخذة في التبلور في سوريا من اجل تحقيق سياسات مناهضة لاسرائيل – مهمة ممكنة ومطلوبة امام روسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى