مروان أميل طوباسي: وقف إطلاق النار ودروس المقاومة اللبنانية
مروان أميل طوباسي 30-11-2024 وقف إطلاق النار ودروس المقاومة اللبنانية .
أخيرًا، دخل وقف إطلاق النار على جبهة لبنان حيّز التنفيذ والذي لا يمكن التنبؤ باستدامته نظرا لطبيعة دولة الأحتلال وسياساتها والرؤية الامريكية للمنطقة. وبينما أعلن نتنياهو قبوله للقرار ، غابت عن خطابه أية إشارات تدل على تحقيق نصرٍ واضح أو إنجاز استراتيجي ملموس . لقد كان خطاب القبول أقرب إلى التبرير منه إلى الاحتفال بالنصر ، في مظهر من عدم الثقة بالنفس والانكسار .
رغم محاولات إسرائيل لإظهار قبولها للاتفاق كخطوة تكتيكية، فإن الحقيقة تكمن في خسائرها المتعددة والمتراكمة على كافة المستويات . أن ما حققته المقاومة اللبنانية في هذه المواجهة يتجاوز مجرد إلحاق الخسائر بإسرائيل. انتصار المقاومة لا يُقاس بمنطق الجيوش النظامية أو بحجم الخسائر العسكرية التي تكبدها العدو ، بل كان انتصارها الحقيقي في منع إسرائيل من تحقيق أهدافها الكاملة التي اعلنت عنها ، رغم الخسائر التي تكبدتها المقاومة نفسها ، وهو حال كل حركات المقاومة عبر التاريخ التي قدمت تضحيات جسام من اجل قضاياها .
لقد استطاعت إسرائيل تنفيذ اغتيالات طالت عدد من قيادات الصف الاول للمقاومة ، الا انها بقيت فاعلة توجه بتصعيد العمليات الميدانية وخاصة بالأيام الاخيرة التي اصابت عمق اسرائيل بدقة متناهية . كما لم تتمكن من شل البنية التحتية للمقاومة بشكل كامل كما كان قد أعلن نتنياهو ، على الرغم من محاولاتها المتكررة لضرب المخزون الاستراتيجي لها . بهذا، استطاعت المقاومة أن تحافظ على قدراتها الردعية وتُفشل أهداف الاحتلال التي أعلن عنها منذ بداية العدوان ، مما فرض على إسرائيل إعادة تقييم استراتيجياتها، وصولًا إلى قبول اتفاق وقف إطلاق النار .
رفع كلفة الاحتلال ، أداة المقاومة الفعّالة.
ما تحقق يُظهر أن المقاومة اللبنانية نجحت في رفع كلفة الاحتلال إلى مستويات غير مسبوقة. أدخلت ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، وعطّلت الحياة العامة في مناطق واسعة، وألحقت خسائر كبيرة بالبنية التحتية الإسرائيلية. كما أن الخسائر الاقتصادية والسياسية التي تكبدتها إسرائيل دفعتها إلى التراجع، بالتزامن مع ازدياد الضغط الأمريكي والدولي .
إن هذا الارتفاع في الكلفة لم يكن مجرد نتيجة للضربات العسكرية الدقيقة التي وجهتها المقاومة، بل أيضًا ثمرة للتنسيق السياسي الداخلي الذي عكس وحدة الموقف اللبناني ، مما عزز شرعية المقاومة في أعين الشعب اللبناني والعالم.
دروس للمقاومة الفلسطينية.
في ظل هذه التجربة، يبرز النموذج اللبناني كدرس بالغ الأهمية لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية عموما ، إن انتصار المقاومة لا يعني تفادي الخسائر أو تجنب الاستهداف، بل يكمن في منع الأحتلال من تحقيق أهدافه الاستراتيجية. لقد أظهر حزب الله قدرة استثنائية على تحقيق هذا التوازن بين العمل العسكري والمكانة السياسية الداخلية لمكانة الدولة ووحدة مكوناتها وشرعياتها ، ما مكّنه من الحفاظ على دعم شعبي ورسمي قوي والحفاظ على خاضنته الشعبية الواسعة .
على حركة حماس أن تأخذ هذا النموذج بعين الاعتبار لتجنب تحميلها المسؤولية والتي لا تتحملها بحكم حق الشعوب بمقاومة المُحتل ، عن الأضرار التي تلحق بالشعب الفلسطيني جراء جرائم الأحتلال اليومية وغير المسبوقة التي جعلت غزة مكانا غير قابل للحياة . يتطلب ذلك استراتيجية شاملة تكون فلسطين كقضية ووطن وشعب هي معيارها الاول والأخير ، و تعيد ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي عبر شراكة وطنية حقيقية تعزز من صمود شعبنا الفلسطيني أمام مشاريع الاحتلال الرامية إلى تقسيم غزة وعزلها جغرافيا وضم مناطق من الضفة الغربية وجعل ما تبقى منها معازل جغرافية وجعل السلطة الوطنية دون سلطات فيها ، ودفع ابناء شعبنا الى الهجرة القصرية لمحاولات تنفيذ مشروعهم الصهيوني . الامر الذي يتطلب اليوم بشكل عاجل دعوة الرىيس أبو مازن بصفاته الاعتبارية للقاء فلسطيني وطني موسع لتوحيد الصف الوطني والاجماع على رؤية واضحة وبرنامج يستند الى آليات واضحة تعتمد البرنامج السياسي لمنظمة التحرير ورؤية وثيقة اعلان الإستقلال لمواجهة المخاطر القادمة . وان تقوم حماس بتفويض المنظمة بحكم مكانتها الشرعية والتمثيلية والقانونية عن أدارة شأن المفاوضات بخصوص إنهاء العدوان وانسحاب جيش الأحتلال من غزة ولتعود جزء لا يتجزء من الوطن الواحد .
نحو أفق جديد للمواجهة.
المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي لا تقتصر على الجانب العسكري ، بل تمتد إلى السياسة والاقتصاد والقانون والرأي العام . وهذا يتطلب رؤية فلسطينية موحدة، تعيد بناء المشروع الوطني الفلسطيني وفق أسس جديدة تجمع بين المقاومة الشعبية والتفاوض السياسي وتكاملهما ، بهدف الحفاظ على الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف.
كما أن تطوير منظمة التحرير الفلسطينية لتكون جبهة وطنية واسعة وشاملة سيشكل خطوة محورية نحو تعزيز الموقف الفلسطيني داخليا وخارجيا. في المقابل، أي غياب لهذه الرؤية الشاملة سيُبقي الوضع الفلسطيني في حالة من الضعف أمام الاحتلال وأطماعه التوسعية خاصة مع الدعم الأمريكي اللامتناهي ومشاريع ترامب القادمة بالنسخة الثانية من صفقة القرن .
إن ما أثبتته المقاومة اللبنانية هو أن الاحتلال، مهما بلغت قوته، يبقى عُرضة للفشل إذا ما واجه مقاومة وطنية منظمة تُركز على منع تحقيق أهدافه ، وتعمل على رفع كلفة عدوانه على المدى الطويل وتعمل على عزله دوليا واثارة مستويات من الخلافات والتناقضات في مجتمعه التي بينت الاستطلاعات الاخيره بعدم قناعة اغلبيته بتحقيق الانتصار في هذه الحرب ، الامر الذي يتطلب العمل المستمر لدفعه الى شوارع تل أبيب للمطالبة بوقف عدوان الإبادة ومن اجل إنهاء الأحتلال الاستيطاني كطريق وحيد للأمن والاستقرار .