لعبة الحرب الساعات التي تلي مهاجمة البنى التحتية النووية في إيران سياسة اللاعبين وسيناريوهات رئيسية
ترجمة: مركز الناطور للدراسات والابحاث 04/11/2012
نشرة مباط العدد 382
معهد أبحاث الأمن القومي في 02/11/2012.
جرت في معهد أبحاث الأمن القومي لعبة الحرب في محاكاة ركزت على اليومين الأولين بعد الهجوم الجوي الإسرائيلي على البنى النووية الإيرانية.
المبادئ الرئيسية للسيناريو
في 9 نوفمبر بعد منتصف الليل ذكرت قناة الجزيرة أن طائرات إسرائيلية هاجمت المواقع النووية الإيرانية في ثلاث موجات هجومية، في أعقاب اتساع التقارير أعلنت إسرائيل وبشكل رسمي أنها هاجمت المواقع النووية في إيران، بعد أن لم يبق أمامها خيار آخر.
وتبين من السيناريو أن إسرائيل لم تنسق هجومها مسبقا مع الولايات المتحدة وأنها أبلغتها فقط أن الطائرات الإسرائيلية هي في طريقها إلى الأهداف الإيرانية التي ستهاجم.
التقديرات الأولية لنتائج الهجوم قدرت تأجيل البرنامج النووي الإيراني إلى قرابة 3 أعوام.
في أعقاب نجاح الهجوم قررت إيران الرد بأقصى صورة بإطلاق صواريخ من داخل أراضيها وعن طريق وكلائها حزب الله وحماس وحركات راديكالية أخرى لمهاجمة إسرائيل، في ذات الوقت أحجمت عن مهاجمة أهداف أمريكية.
إسرائيل حاولت احتواء الهجمات وسعت للتوصل إلى هدوء سريع قدر الإمكان. المجتمع الدولي كان مشلولا وعلى الأخص لأن روسيا حاولت استغلال الوضع من أجل تحقيق مصالحها الإستراتيجية.
في نهاية اليومين واصل الإيرانيون وبشكل أقل حلفائها مهاجمة إسرائيل، لا يبدو أن الأزمة تقترب من الحل.
مبادئ سياسة اللاعبين المختلفين
إسرائيل بعد أن حققت الإنجاز العملياتي المطلوب اختارت ضبط النفس في مواجهة الأعمال الاستفزازية وردود فعل اللاعبين الراديكاليين الذين دفعوا للعمل من قبل إيران.
في مقابل ذلك إسرائيل شنت هجوما جويا آخرا لاستكمال الهجوم فهاجمت أحد الأهداف الرئيسية في إيران.
الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي تمحور حول منع التصعيد الإقليمي وسعت إلى مستوى متدني من الأحداث يمكن السيطرة عليه وبوتيرة متدنية وسريعة قدر الإمكان.
الولايات المتحدة على الرغم من أنها لم تطلع مسبقا على الهجوم وقفت وبشكل واضح إلى جانب إسرائيل ولم تفصح عن الخلافات من أجل بلورة جبهة موحدة ضد التصعيد الإقليمي المحتمل.
الولايات المتحدة أبدت استعدادها للعودة إلى مائدة المفاوضات مع إيران بل والتخفيف من العقوبات بعد إبداء ضبط نفس إيراني وفي مقابل تصريح إيراني بوقف النشاط النووي العسكري.
الولايات المتحدة قررت أن تتحرك عسكريا ضد إيران هذا فقط إذا ما أغلقت الأخيرة مضيق هرمز أو إذا ما هاجمت إيران المصالح الأمريكية في الخليج، كذلك استخدمت الولايات المتحدة الأدوات الاقتصادية لكبح جماح أسعار النفط.
إيران وعلى ضوء الهجوم الإسرائيلي الناجح شعرت بأنه ليس أمامها من خيار وأنها مضطرة للرد العسكري وعلى الفور بشكل واسع ضد إسرائيل، وذلك من خلال إطلاق مائة صاروخ شهاب ومائة خلال الوجبة الثانية باتجاه تل أبيب والمفاعل النووي في ديمونه والمراكز السكانية.
في مقابل ذلك إيران استخدمت الضغط على وكلائها للتحرك ضد إسرائيل وإطلاق قذائف صاروخية وصواريخ باتجاه أهداف في إسرائيل وشن هجمات إرهابية كبيرة وعلى مستوى جبهوي.
في نفس الوقت توجهت إيران إلى المجتمع الدولي من أجل الحصول على مشروعية لبرنامج التخصيب ورفع العقوبات.
في البداية اختارت إيران عدم المساس بالأهداف والمصالح الأمريكية من أجل منع انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب ضدها، ومع ذلك ولما دفع بإيران إلى الزاوية وتقلصت خيارات العمل أمامها أدركت أن الورقة الرئيسية التي في يدها هي العمل ضد الحلفاء الولايات المتحدة في الخليج وإغلاق مضيق هرمز .
روسيا حاولت تحقيق أهدافها الإستراتيجية في منطقة القوقاز وأوروبا.
روسيا اعتبرت الهجوم فرصة لتموضع موقعها كلاعب رئيسي في النظام الدولي، وبسبب قدرتها على الحوار مع كل اللاعبين.
ومع ذلك فإن الفجوات في المواقف بين روسيا والولايات المتحدة أدت إلى شلل في العمل الدولي.
الصين بالذات تحولت إلى لاعب رئيسي في الملعب الدولي في ظل غياب الزعامة الأمريكية وبسبب قدرتها على الوصول إلى جميع اللاعبين.
سوريا فضلت مواجهة الانتفاضة الداخلية والحفاظ على وتيرة واطئة وعدم الانجرار إلى حرب ضد إسرائيل.
حزب الله واجه معضلة فمن جهة أولى مورست على حزب الله ضغوط كبيرة من جانب إيران لإطلاق صليات مكثفة من الصواريخ والقذائف الصاروخية باتجاه إسرائيل مع التأكيد بأنه هذا هو اليوم الحساب والذي من أجله زود الحزب بحوالي 50 ألف صاروخ وقذيفة صاروخية.
من ناحية ثانية حزب الله أحجم عن التسبب مرة أخرى في إلحاق أضرار فادحة بلبنان ولذلك فقد اختار أن يستجيب بشكل جزئي للمطالب الإيرانية وأطلق قذائف صاروخية وصواريخ باتجاه أهداف عسكرية إسرائيلية وعلى الأخص المطارات ومنظومات الدفاع الفعال.
ردود الفعل الإسرائيلية المنضبطة عمقت من معضلة حزب الله وعززت من خياره بإطلاق صليات تعد محدودة نسبيا والتركيز على مهاجمة أهداف عسكرية.
حماس اختارت السير بين حبلين من ناحية إبداء التزام ما تجاه إيران لكن عدم إعطاء إسرائيل ذريعة لمهاجمة قطاع غزة على نطاق واسع.
وقد تصاعدت مقيدات السيطرة من قبل حركة حماس على نشاط الحركات المشاغبة والراديكالية في قطاع غزة واضطرت أن تطلب مساعدات من حركة الإخوان المسلمين في مصر لكبح هذه الحركات التي لا تخضع لإمرتها.
بقية اللاعبين مصر السعودية الأردن ودول الخليج وتركيا والمجتمع الدولي عملت كل واحدة منها وفقا للمصالح التي تخدمها هذا مع الابتعاد عن الأحداث ومنع التصعيد الإقليمي الواسع.
استنتاجات تنبثق عن لعبة الحرب
- اللعبة عكست 48 ساعة الأولى بعد الهجوم على إيران، لم يكن هناك توجيه بالتكهن بالتطورات وإنما فحص ودراسة الدلالات والاستطالات لكل من السيناريوهات المحتملة.
اللاعبون في اللعبة كانوا عقلانيين إلى حد كبير فقد طبقوا السياسة وفق قاعدة المصالح الحيوية فقط وتجاهلوا القيود الداخلية والخارجية.
- اللاعب الإسرائيلي قدر أن لدى الجمهور الإسرائيلي النفس الطويل والقدرة على الامتصاص لأنه مقتنع بأن الهجوم الإسرائيلي كان محقا ومبررا (حرب الضرورة)، وأن الأهداف العملياتية قد تحققت.
سياسة ضبط النفس ارتكزت بصفة رئيسية على هذا الافتراض.
- لإيران أدوات محدودة وقدرة محدودة على ضرب إسرائيل بشكل مباشر لذا فقد اضطرت لاستخدام الوكلاء ضد إسرائيل، لإيران أدوات أكثر أهمية للعمل في منطقة الخليج والقادرة على إلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية ورفع أسعار النفط بشكل صاروخي، ومع ذلك كان واضحا لإيران الثمن الذي ستدفعه في حالة إشعال فتيل الحرب في منطقة الخليج وعلى الأخص إذا ما انضمت الولايات المتحدة إلى الحرب ضدها، الأمر الذي سيؤدي إلى تدمير البنى النووية إلى حد كبير وكذلك الإضرار الفادح بمجموعة واسعة من الأهداف النوعية في إيران.
- نتائج الهجوم الإسرائيلي ناجحة وملموسة، الإصرار والمثابرة على الأهداف العملياتية سيؤدي إلى اتجاهين متناقضين فمن جهة إيران ستكون ملزمة بالرد العسكري وعن طريق وكلائها، ومن ناحية ثانية اعتمادها على الوكلاء يسمح بردع اللاعبين في دق إسفين بين إيران وحليفاتها في المنطقة ومنع تصعيد إقليمي شامل و احتواء الأحداث.
هناك عاملين مهمين آخرين قد يسهمان في كبح واحتواء الأحداث:
الأول: الوقوف الحاسم والواضح للولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل.
الثاني: سياسة منضبطة ومسيطر عليها من جانب إسرائيل وعلى الأخص إذا حققت إسرائيل خلال الضربة المفتاحية الأهداف العملياتية وحققت أهدافها الإستراتيجية.
- عاد وبرز الضعف في غياب الوصول إلى الزعيم الروحي لإيران ومحدودية فاعلية رافعات التأثير الموجهة إليه، وبشكل عام اتضح أنه لا وجود لقنوات اتصال جيدة وموثوق بها مع القيادة الإيرانية.
وبينما روسيا لا تستطيع أن تشكل قناة حوار واتصال موثوق بها مع إيران اتضح أن الصين يمكن أن تقوم بدور الوسيط.
- في التخطيط الإستراتيجي الانطلاق والخواتيم واحتواء الأحداث والسيطرة على التداعيات السلبية إسرائيل لا تستطيع الاعتماد على النظام الدولي، ويمكن الافتراض وباحتمالية كبيرة أن المجتمع الدولي سيكون مشلولا وعلى الأخص كلما تعمقت الفجوات بين الولايات المتحدة وروسيا.
بالإضافة إلى ذلك هناك أطراف في المجتمع الدولي ستكون راغبة في أن ترى إسرائيل متدرجة من أجل جني ثمن لعدم اهتمامها بمصالح اللاعبين الآخرين وكبح عملياتها بعد مرحلة الانطلاق.
إطالة أمد الأزمة قد يؤدي إلى تراكم الأحداث بشكل يتعذر السيطرة عليه، هذا مع المجازفة بتصعيد على مستوى إقليمي.
يمكن أن نتوقع أن أطرافا إقليمية ودولية ستسعى إلى العمل من أجل وضع خواتيم للعملية بحيث تتضمن جني ثمن من إسرائيل في مجال الحد من التسلح.
والخلاصة اللعبة صممت عندما كان يبدو أن الخريف الحالي قد يكون حاسما وأن المتوخى هو فحص التطورات المحتملة بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران وقد هدأت الرياح قليلا.
ولكن بعد الانتخابات وقبيل الربيع حيث أن مسألة الهجوم سيعاد طرحها فإن من الأهمية الاستمرار في استقصاء التداعيات المحتملة.
كلمة الفصل التي سيبدأ فيها الهجوم الإسرائيلي بعد الانتخابات الأمريكية مباشرة لا تعكس موقف المعهد، الموضوع معقد ويدرس عبر مجموعة من إصدارات المعهد.
هناك تقييمين متعارضين للتداعيات الهجوم الإسرائيلي: التقييم الأول يتوقع حرب عالمية ثالثة، أما الثاني فيقدر أن تكون هناك أجهزة احتواء وكبح.
وفيما يتعلق بإيران عمليا فإن لها قدرات محدودة لإشعال منطقة الشرق الأوسط برمتها بنار الحرب.
اللعبة تطورت باتجاه الاحتواء وضبط النفس مع تأثير متزايد للاعتبارات العقلانية والمصالح الحيوية لجميع اللاعبين.