عبد المحسن سلامة: المنتصر والمهزوم بين إيران وإسرائيل!

عبد المحسن سلامة 29-6-2025: المنتصر والمهزوم بين إيران وإسرائيل!
بعد أن وضعت الحرب أوزارها بين إيران وإسرائيل، هناك سؤال شائع يدور الآن بين الإسرائيليين والإيرانيين حول من المنتصر ومن المهزوم!
قبول وقف إطلاق النار بعد الحرب التى استمرت ١٢ يومًا بين إيران من جهة، وإسرائيل وأمريكا من جهة أخرى، جاء بعد سلسلة من المفاوضات المعلنة وغير المعلنة، والتى أسفرت عن إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وقف إطلاق النار بعد أن حققت أمريكا أهدافها فى تدمير القدرات النووية الإيرانية، بحسب تصريحات ترامب، ثم جاء إعلان نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، بأن إسرائيل أزالت ما وصفه بالتهديد النووى الوجودى الذى كان يهددها، معتبرًا أن إسرائيل حققت انتصارًا تاريخيًا على إيران.
على الجانب المقابل، فقد أعلن الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان نهاية الحرب بعد المقاومة البطولية العظيمة، مؤكدًا انتصار إيران بعد أن أثبتت بلاده قدرتها على الصمود بدعم شعبها. إذًا الأطراف الثلاثة أعلنت انتصارها فى الحرب، فمن المنتصر ومن المهزوم بشكل حقيقى؟!
القراءة الأولية تشير إلى أن إسرائيل هى من بدأت الحرب ونجحت فى شل قدرات الدفاع الجوى الإيرانية، وإلغاء دور القوات الجوية الإيرانية تمامًا، مما جعل المجال الجوى الإيرانى مستباحًا من جانب الطائرات الإسرائيلية التى وجهت ضربات «موجعة» و«مؤثرة» للمواقع العسكرية الإيرانية، والمنشآت النووية، والمنشآت النفطية، واغتيال العديد من القادة والعلماء الإيرانيين.
بعدها دخلت أمريكا على الخط لتقوم بشن هجمات جوية مؤثرة ضد أهم ٣ منشآت نووية فى فوردو، ونطنز، وأصفهان، ليتبادل بعدها الرئيس الأمريكى مع رئيس الوزراء الإسرائيلى تهانى الانتصار. فى الجانب الإيرانى، نجحت إيران فى الصمود، وأثبتت قدرتها على خلخلة الدفاعات الجوية الإسرائيلية بطبقاتها المتعددة، وضربت قواعد عسكرية، ومراكز علمية، ومنشآت اقتصادية مؤثرة فى حيفا، وتل أبيب، وأشدود، وغيرها من المدن الإسرائيلية، والأهم أنها أعادت إلى الأذهان مشاهد الدمار فى غزة وتجسيدها ـ وإن كان بشكل نسبى ـ فى المدن الإسرائيلية، وهو لم يحدث فى تاريخ الحروب مع إسرائيل.
حتى الضربة الجوية الأمريكية، لم تشأ إيران أن يتم تمريرها دون رد معنوى تمثل فى ضربة «منسقة» لقاعدة «العديد» الأمريكية فى قطر، لتكون تلك الضربة «المنسقة» هى البداية لإعلان «الهدنة المؤقتة» ووقف إطلاق النار.
فى تقديرى أن ما حدث هو «هدنة مؤقتة»، وأن حسابات الانتصار والهزيمة مؤجلة حتى إشعار آخر، انتظارًا لما هو قادم فى المفاوضات المرتقبة بين الجانبين الإيرانى والأمريكى حول العديد من الملفات، وأبرزها ملف المشروع النووى الإيرانى، والملف الثانى هو ملف الصواريخ الباليستية، والمتعددة الرؤوس، والثالث هو ملف الأذرع الإيرانية، والمقاومة الفلسطينية، ودور إيران الإقليمى مستقبلاً. ربما تكون طريقة إعلان وقف إطلاق النار قد حفظت ماء الوجه لجميع الأطراف، وأعطتهم جميعًا فرص ادعاء النصر أمام شعوبهم، لكن تبقى الخطوات المقبلة ونتائج المفاوضات حول تلك الملفات الشائكة، وإلى أين تصل محطة تلك المفاوضات. فعليًا تضرر البرنامج النووى الإيرانى بشكل ضخم، وهو ما يحتاج إلى سنوات قبل عودته إلى ما كان عليه، لكن تبقى الأزمة الحقيقية فى قادم الأيام، وهل ستكتفى أمريكا، ومعها ربيبتها إسرائيل، بما حدث، أم أن هناك إصرارًا على استكمال مخطط تغيير المنطقة بما يرضى إسرائيل، وفى القلب منها تغيير النظام الإيرانى بطريقة أو بأخرى؟
للأسف الشديد، فإن كل الشواهد التاريخية تؤكد إصرار إسرائيل على العدوان والتوسع كعقيدة وجودية، وأن السلام والتهدئة وإيقاف الحروب كلها مسائل مرحلية مؤقتة، لتعاود إسرائيل مخططاتها التوسعية اللامحدودة، وهذا هو مكمن الخطر.