أقلام وأراء

عبد المجيد سويلم – لإنهاء الانقسام ليس هناك إلّا «طريق» واحد

عبد المجيد سويلم – 11/10/2021

 منذ عقد ونصف العقد ونحن نحاول إنهاء الانقسام.

النتيجة حتى يومنا هذا، إما صفر أو تحته بقليل أو كثير.

عشرات الانقسامات «الرسمية»، ومئات المحاولات الرسمية والشعبية والأهلية، وعشرات أخرى من الوساطات والتوسطات، ومثلها المؤتمرات والندوات وورشات العمل دون جدوى.

أما القرارات والتوصيات فحدّث ولا حرج.

نغوص في أدقّ تفاصيل أسباب الفشل، ولا نجرب ولو لمرة واحدة الغوص في منهج تفكيرنا أولاً، وقبل كل شيء.

مرة نستسهل الأمور ونبسطها إلى درجة يبدو فيها الانقسام وكأنه مجرد استعصاء مؤقت، لا يحتاج الانتهاء منه، وتجاوزه، غير بعض القليل من المسؤولية الوطنية، والقليل الآخر من الصدق والمصارحة، والأقل من روح الإقدام، ومن إرادة الحسم، والرغبة في طي هذه الصفحة السوداء في تاريخنا ـ هكذا بتنا نرى لون هذه الصفحة ـ ونستغرب ونستعجب لماذا لم يتم إنهاء الانقسام حتى الآن.

ومرة أخرى نستصعب الأمور إلى درجة اليأس، وإلى درجة فقدان الأمل، وأحياناً «التسليم» بجوهر بقاء هذا الانقسام، والبحث عن حلول ترقيعية أو ترتيقية حتى نُقنع شعبنا، قبل أن نُقنع أنفسنا، بأن ثمة ما يمكن البدء به، بهدف البناء عليه، من باب أن نمنّي النفس، ومن باب توزيع الأوهام التي نعرف أنها ليست سوى ما يعرف في الثقافة الشعبية لدينا بـ»الريحة ولا العدم».

وبالرغم من أن الأمر لم يكن دائماً بهذه الحدّية «القطبية»، وبالرغم من أن تياراً ثالثاً لم يقصر بوضع الأمور بين «المنزلتين»، إلا أن أطروحات ومعالجات ورؤى هذا التيار لم ترتق حتى الآن إلى مستوى مغادرة ذهنية الاستسهال والاستصعاب إلا من حيث مسألة مهمة، وهي عدم القبول أو التسليم بأن يكون هذا التيار مستقطباً بالكامل لصالح الاستسهال أو الاستصعاب، ولا لصالح القطبية الأصلية وهي الجذر العميق للقطبية السياسية.

الطامة الكبرى أن الأوصاف التي نصف بها الانقسام هي بحد ذاتها عنوان إدانة لنا كقوى سياسية، وكفصائل ومنظمات وشخصيات ومؤسسات، بل إن هذه الإدانة تطال شعبنا كله ببعض المعاني والاعتبارات.

خذوا بعض الأوصاف:

الانقسام مصلحة اسرائيلية خالصة.

الانقسام مخطط اسرائيلي للخلاص من العبء الديمغرافي الذي يؤرّق اسرائيل.

الانقسام دمر المشروع الوطني وقصم ظهر الشعب الفلسطيني. شارون خطط لسلخ القطاع سياسياً ونحن وقعنا في الفخ الصهيوني.

الانقسام يهدد وحدة الشعب الفلسطيني ويهدد تمثيله الوطني ويقضي على كيانيته الوطنية.

وهناك عشرات الأوصاف التي تعكس مدى خطورة الانقسام على وجودنا ومستقبلنا الوطني كله.

هنا يطرح السؤال: إذا كان الانقسام ينطوي على كل هذه المصائب والأهوال والأخطار.. وهو ينطوي فعلاً عليها، وعلى ما هو أبعد منها أيضاً ـ فكيف نفسر الفشل التام لإنهاء هذا الانقسام؟

لعلنا هنا بحاجة إلى إعادة تعريف الانقسام قبل معرفة أسباب الفشل لإنهائه!

كما نعرف فقد «انفصل» القطاع جغرافيا منذ النكبة ولكنه لعب الدور المحوري في إعادة إحياء الهوية الوطنية بعدها. وبصرف النظر عن مراحل المد والجزر التي عاشها القطاع في المرحلة المصرية ـ الناصرية ـ فقد تحول القطاع إلى مركز وطني خاص للقضية الوطنية، وخصوصاً بعد تأسيس المنظمة وجيش التحرير الفلسطيني، وغالبية سكانه هم من لاجئي منطقة جنوب الوسط الفلسطيني والجنوب، وحيث لجأ سكان الوسط وشماله إلى الضفة الغربية والأردن، في حين لجأ الشمال الفلسطيني إلى سورية ولبنان.

المهم أن «الانقطاع» الجغرافي لم يؤثر على دور القطاع سياسياً، إن لم نقل العكس، وعاد لينخرط بصورة سياسية نشطة بعد «الانفتاح» السكاني الكامل أو شبه الكامل بعد هزيمة حزيران، والتي أدت من بين ما أدت إليه إلى انصهار الحركة الوطنية في أدوات كفاحية واحدة وموحدة، أو واصلت انصهارها كما كانت.

حتى عندما لجأت اسرائيل إلى سياسة الإغلاق، بعد الانتفاضة الوطنية الكبرى في العام 1987 لم يؤد هذا الإغلاق إلى «السلخ» السياسي للقطاع عن الضفة او عن الداخل الفلسطيني، وبقيت الحالة الوطنية حالة واحدة وموحدة.

بل وحتى عندما حاولت اسرائيل تكريس هذا الانسلاخ أو اللعب على هذا الوتر من خلال اقتراح «غزة أولاً» رفض الزعيم  ياسر عرفات آنذاك هذه المحاولة، وأصر على أن تلحق أريحا بغزة في رمزية سياسية عميقة، وفي بعد نظر وطني مفصلي في ذلك الوقت.

ولهذا فإن الانقسام هو السلخ السياسي عن الحالة الوطنية، وعن المؤسسة الوطنية، وعن الكيانية الوطنية، وعن برنامج الإجماع الوطني وعن وحدانية التمثيل السياسي وشرعيته.

وأي تعريف آخر هو تعريف مضلل ويلتقي ما دون هذا التعريف والتحديد بالأهداف الإسرائيلية بوعي أو بغيره، مباشرة أو بطريقة مواربة وغير مباشرة.

ولهذا بالذات فإن الغرق والتوهان في تفسير أسباب الفشل في إنهاء الانقسام هو عدم الانطلاق من هذا الفهم تحديداً، وليس من تصورات ـ مهما كانت ـ فكرية أو سياسية أخرى.

السلخ والقطع مع الحالة الوطنية، وتعميق الانفصال الذي تبع ذلك السلخ والقطع جاء في ضوء عملية سطو مسلح على مؤسسات الشعب الفلسطيني، وإخضاع أهل القطاع لحكم عسكري وأمني لصالح برنامج من خارج البرنامج الوطني، وقيام مؤسسات موازية وبديلة عن المؤسسات الوطنية والإبقاء فقط وفقط على قنوات ضمان التدفق المالي لإطالة عمر الانقسام.

كل ما هو خارج هذا السياق هو تفاصيل فرعية وثانوية وليس ذا صلة مباشرة بأي مسألة جدية أو جوهرية في مسألة الانقسام.

لم تقم حركة «حماس» بدعم من بعض دول الإقليم، ومن منظومة الإخوان بهذا الانقلاب وبالتواطؤ التام من اسرائيل لكي تعيد القطاع ليلتحم بالحالة الوطنية، ويعود إلى دوره السياسي المحوري في الحالة الوطنية!، وهي لن تفعل أبداً.

الطريق الوحيد الذي ينهي الانقسام ويسقطه ويزعزع أركانه هو وجود نظام سياسي ديمقراطي فاعل، وفي القلب منه منظمة التحرير الفلسطينية وقد استعادت دورها ومكانتها، وتم إصلاحها وتفعيلها، ووجود سلطة للإدارة الاجتماعية، والإدارة الاجتماعية فقط تقوم على مبدأ سيادة القانون والمحاسبية، وتعمل على تعزيز صمود المجتمع وتمكينه وتلعب الدور الأهم في إعادة استنهاض هويته الوطنية بالمواطنة، وتماسك النسيج الاجتماعي والوطني الديمقراطي على حد سواء.

ومن هذه الزاوية فإن بناء النموذج الديمقراطي، والمنظمة الفاعلة والقوية هو مسؤولية فتح أولاً، ومسؤولية فصائل المنظمة «المهاجرة» وغير «المهاجرة». وبهذا المعنى فإن مسؤولية إنهاء الانقسام هي مسؤولية وطنية، وعدم التصدي لها يعتبر بالعرف السياسي ويوازي بالمسؤولية الإبقاء عليه.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى