أقلام وأراء
شجاع الصفدي: مراسلون حربيون
شجاع الصفدي 29-8-2024: مراسلون حربيون
كان ليف كاسيل مراسلا حربيا في الأسطول الشمالي وجبهات أخرى، يرافق المقاتلين السوفيات في المعارك، ويكتب عن بطولات الجنود الخارقة.
تأثر جيل كامل من الشباب السوفيات بروايات ليف كاسيل التي قدمت الجندي الروسي بصورة بطولية خارقة، كان يسرد قصصا أقرب للأسطورة القتالية، وحصل على جائزة الدولة عن مؤلفاته .
رسالة ليف كاسيل كانت بث الروح المعنوية في الجنود للقتال حتى النفس الأخير ، ولا شك أن التحفيز الثوري والقتالي له دور حيوي في المعارك ، وربما من أهم ما قدمه ليف كاسيل مجموعة قصصية متصلة ببعضها بعنوان “خط الاتصال” ، روت مآثر عن الجنود واستبسالهم في الحرب الوطنية العظمى ضد الألمان.
في الحروب المعاصرة هنالك نسخ “صينية” من ليف كاسيل، يجلسون خلف الشاشات أو يعبثون بالهواتف،ويصنعون القصص التي تفتقد الصدق .
ليف كاسيل كان يكتب قصصه وتقاريره مستوحاة من الجبهة، يتعرض للقصف والرصاص، ومهما بالغ في التوصيف مستخدما لغته، فذلك سر الإبداع لأنه يعيش الحرب لحظة بلحظة ، محاصرا بالخطر الداهم والموت .
أما النسخ المزيفة التي انتشرت بالذات بعد الحرب الطاحنة على غزة،جميعها نسخ خائبة ، تتخيل المعركة وفق تمنياتها وكأنها أمام فيلم مثير يريدون مشاركة المخرج في وضع النهاية التي يريدونها.
لذلك تجد السخط الهائل عند أهل غزة، عندما يكتب البعض عنهم بطريقة مبالغ فيها تنزع عنهم الصفة البشرية وتحولهم إلى مقاتلي ساموراي خرافيين ، يكتب البعض روايات ،قصصا ومقالات ،يستشهد يها بمخيلته التي يستقيها من مصادر وهمية ، وذلك لا ينتج أدبا ، ولا يحفز عقولا،وإنما مع الوقت يتحول إلى أعمال تثير السخط والسخرية السوداء، لأن الإدراك الواقعي بات أعمق من أن يتجاوزه المتلقون بقراءات أسطورية لمشاهد دموية .
هذا ليس مطالبة بالصمت للأقلام التي تكتب وتشير لغزة ومأساتها وتضحياتها،وإنما نداء لإعمال العقل وكتابة حقيقة المأساة وحجم التضحيات والألم ، ليس استصراخا للمشاعر ، ولا تصويرا أسطوريا،المطلوب وصف واقعي وتسليط الضوء على قتال غير عادل، ومقاومة تقليدية ضد ترسانة هائلة من البطش والتدمير.
ومن يعتقد أن تغيير الصورة النمطية للمقاتل حامل البندقية التقليدية هو أمر بطولي،مخطيء تماما، فهي الصورة الراسخة في أذهان أحرار العالم ولا يجب تغييبها ،لأنها الصورة التي تحظى بشرعية ثورية عادلة .
لذلك أيها المراسلون الحربيون في شتى بقاع الأرض، ليس مطلوبا أن تكونوا نسخة ليف كاسيل العربي أو الفلسطيني في أوج المعركة،وإنما ارحموا غزة من الأسطرة القاتلة .