أقلام وأراء

شجاع الصفدي: لقد قررت حماس أن تحارب (30)

شجاع الصفدي 10-5-2025: لقد قررت حماس أن تحارب (30)

طوال حرب الإبادة وسلسلة جولات التفاوض للتوصل لاتفاقات وقف إطلاق نار،  تعاملت حماس مع عنصر الوقت بشكل يميل للمقامرة،  بحيث راهنت على متغيرات دولية تارة،  وعلى تأثير جبهات الإسناد تارة أخرى،  وفي كلتا الحالتين كانت النتيجة صفرية للأسف،  والمراهنات أدت لتآكل الفرص،  وصولا لما يصب في صالح حكومة اليمين والتي انتهزت الفرصة لكسب الوقت الذي كانت تراهن عليه حماس فعليا،  بمعنى انقلاب السحر على الساحر، وهذا ما حققه نتنياهو الذي يحتاج للوقت ليعلن إنجازا واضحا للجمهور، يكون بمثابة قارب النجاة للخروج من أي مأزق قانوني مرتقب .

في كل مرة كانت حماس تحاول كسب الوقت، كانت الخسائر في الأرواح والممتلكات تزداد وتقضي على ما تبقى من فرص الحياة في قطاع غزة، دون أن يحدث أي اختراق أو تقدم تجاه رؤيتها لوقف المقتلة .

وفي كل مرة أيضا كان الاحتلال يكسب بعضا من أسراه،  ولا يقدم أي شيء فعليا،  سوى أسرى مقابل أسرى،  لم يسمح بنقل معدات تذكر لرفع الأنقاض، لم يسمح بدخول أي متطلبات للحياة،  ولا إصلاح شبكات الكهرباء ولا المياه،  ولا سمح بإعادة تأهيل المشافي أو المدارس،  ومنع دخول المنازل المؤقتة للإيواء،  ولم يتحقق من الاتفاقات سوى النذر اليسير،  وحتى الأسرى الذين تم الإفراج عنهم وأبعدوا للخارج يعيشون في ظروف مأساوية لا تختلف كثيرا عن السجن،  ومن أفرج عنهم للضفة أو قطاع غزة،  هم ينتظرون دورهم في عداد الموتى ليس أكثر،  ولا أحد منهم يعيش حياة حرة بالمعنى المفهوم .

هذا كل مرة يعيدنا للمربع الأول، لا نتقدم أي خطوة، وحماس لا تبرح مكانها في طريقة التفاوض، حتى عندما يحتاج الأمر للعناد، فإنها تلجأ لذلك بطريقة لا تؤتي ثمارا على الإطلاق، وهذا يحتاج وقفة وإعادة النظر في حيثيات التفاوض من أساسها .

الآن حماس تتبنى موقفا يقول: صفقة شاملة والكل مقابل الكل، ويصرون على خطة واضحة لليوم التالي، هم يدركون جيدا استحالة تحقيق ذلك، ويدركون أن التأخير في حلحلة الوضع القائم سوف يفضي لتحقيق رؤية نتنياهو في إكمال مسلسل التدمير والقضاء على أي تشبث للغزي في الأرض، بل يمكن فعليا أن يعطي صلاحيات مفتوحة من ترامب لتنفيذ أي مخططات تنهي الأمر بالطريقة الشرسة دون وجود أي حامية حقيقية للشعب الأعزل،  ودون تحقق أدنى شروط أو أهداف يمكن أن تواسي الشعب المكلوم الذي دمرت حياته تماما .

يظن البعض أن دعواتنا المستمرة لحماس بالتعقل والحكمة والابتعاد عن لغة الخطابة والشعارات هي عدائية وكأنها خصومة، الأمر يتعلق بحياة مليوني شخص يتعرضون للقتل اليومي بسبب خطوة أقدمت عليها حماس، مهما كانت المبررات ومهما قال الذين يزعمون أن القتل مستمر بحماس أو دونها،  لا يمكن إنكار أن خطوة حماس جاءت صادمة وأفسحت المجال لليمين المتعطش للدم بتحقيق كافة أهدافه ضد الوجود الفلسطيني،  تركت القدس ينهشها التهويد،  والضفة تصادر أراضيها، و كثير من التفاصيل التي كانت غزة تلعب دوما ولو نسبيا في تعطيلها قبل نكبة أكتوبر،  بينما باتت الآن كل الأشياء مستباحة تماما،  وما يتواجد على الأرض في غزة هو جيوب مقاومة لا تغير معادلات على الإطلاق،  ولا يمكن أن تشكل عنصر ضغط تفاوضي،  وحماس تدرك هذه الحقيقة داخليا، لكن يبدو أن فريق التفاوض له رؤية أخرى،  أو أن التقارير التي تصلهم مغايرة للواقع .

ما المطلوب من حماس إذن؟ هل ما ندعو إليه هو تسليم سلاح المقاومة كما يحلو للبعض أن يروج؟ جميعنا ندرك أن سلاح المقاومة البارز تم تدميره خلال الحرب الدائرة،  الصواريخ أطلِق ما أطلِق،  والباقي في معظمه تم تدميره،  والأسلحة الخفيفة لا تعتبر في مقياس الدول سلاحا يذكر للمطالبة بتسليمه، ويدركون أنه لا يعدو كونه سلاحا شُرَطيا، بالكاد يمكن أن يضبط الوضع الداخلي،  أما الأنفاق فقد دمر معظمها،  ورغم ذلك فلا أحد يقول سلموا السلاح، وإنما تعاملوا مع الواقع،  يكفي تحدثا بلهجة الغائب عن الواقع،  والإصرار على خريطة اليوم التالي،  يجب فهم الظروف المحيطة،  إساءة فهمها مرة أخرى يمكن أن يودي بالمستقبل الفلسطيني للأبد في غيابة الجب.

كل هذه الحرب كان سببها الخلل في الحكم على الظروف الدولية والإقليمية، والاعتقاد بأنها تسمح بخوض هذه الحرب الجنونية، وهذا ما صرح به صالح العاروري قبل الحرب بأشهر من بيروت، والآن يجب أن تدرك قيادة حماس أن الظروف الإقليمية والدولية والمحلية كلها تستوجب وقف الحرب وبأي ثمن .

إذن ما العمل في هذه الحالة، وما هو المطلوب من حماس أن تفعله لتجنب الشعب هول عملية عسكرية دموية تؤدي لتهجير وقتل من تبقى في غزة؟

أولا يجب فهم عنصر الوقت، نتنياهو ذاهب لإنهاء الحرب آجلا أم عاجلا لكن بطريقته وبالوقت الذي يواتي رغبته ومصالحه،  ولذلك من الحكمة أن تتعامل حماس بالمثل،  أن تكسب الوقت،  كل صفقة جزئية محدودة هي مكسب للوقت وحقن مؤقت للدماء،  وهي أيضا خطوة واسعة في اتجاه إنهاء الحرب،  لأنها توقف النزيف لفترة قابلة للتمديد،  وهذا يجب استغلاله جيدا،  لأن النهاية هو ختام الحرب،  في القالب الذي يريد نتنياهو أن يعلن عنه،  وبدلا من أن نعطيه هذا القالب ضمن رؤيته ومن خلال شلالات الدم، يمكن أن نحصل على الوقت بما يعطل عجلة الحرب وصولا لوقفها التام،  هذا هو الفهم المنطقي للظروف المحلية والإقليمية والدولية .

حماس تريد خطة واضحة لليوم التالي، بينما يعيش الناس مأساة القتل الحالية، وما يشغل حماس وساستها لا يشغل المواطن الذي يتعرض للتدمير والتهجير والموت اليومي .

ما يجري في العالم حول غزة تقزم من حلول سياسية إلى كيفية دخول المساعدات والغذاء، هل هناك تقزيم أكثر من أن يتحول الشعب الفلسطيني إلى شعب جائع يخططون لإطعامه و تحديد السعرات الحرارية التي يتناولها الفرد !!، ماذا تنتظرون أكثر من هذا التقزيم لقضيتنا الوطنية ؟.

فاوضوا على صفقة جزئية تبقي لديكم رصيدا للتجديد وكلما كسبتم الوقت أنقذتم الشعب من هول التدمير والقتل وعطلتم عجلة الموت، وصولا لوقف كامل للحرب آجلا أم عاجلا، فلا حرب تستمر للأبد، اكسبوا الوقت فالوقت في غزة من نار ودماء .

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى