شجاع الصفدي: لقد قررت حماس أن تحارب (14)
شجاع الصفدي 29-7-2024: لقد قررت حماس أن تحارب (14)
ثلاثمئة يوم على بدء المهلكة في غزة، مر فيها الشعب الفلسطيني بألوان من العذاب والتشريد والخسارات ،دون أن تتضح رؤية أو تتحقق أي أهداف معلنة، جلّها غير مقنعة ولا توضح شيئا للمواطن النازف سوى المزيد من القناعة أن حماس بدأت حربا لم تتوقع أبدا أنها لن تملك مفتاح إنتهائها.
الواقع يقول إن حماس الآن هي الخصم الذي يتلقى اللكمات في زاوية الحلبة، منتظرا تدخل الحكم ليحظى بفرصة استرداد الأنفاس وإيجاد ثغرة تحسم الأمر لكلا الطرفين بالنقاط التي حصل عليها.
السؤال القائم هو: هل تستطيع حماس وقف الحرب تماشيا مع الدعوات القائمة من شريحة واسعة من الناس؟
فعليا حماس لا تستطيع ذلك، الأمر لا يتعلق بالعواطف المحملة بالسخط على خطوتها المندفعة في الأساس،وإنما يتعلق في تبعات أي خطوة حالية ، فالواضح أن حماس لم تتوقع مطلقا قدرة نتنياهو على المماطلة وتجاهل الأسرى إلى الحد الذي يجعله غير مبالٍ بموتهم ، وهذا واضح في كل تصرفاته وتصريحاته، إنه يريد صفقة عارية من أي قيمة ولو معنوية، ويسوق حماس سوْقا إلى ذلك .
يريد أن يثبت للرأي العام الإسرائيلي والدولي أن الضغط العسكري يجلب النتائج المرجوة، وبينما هناك شيء من الواقعية في ذلك إلا أن عنصر الوقت سلاح ذو حدين، فكلما طال أمد القتال كلما احتاج نتنياهو لمنجزات يقدمها للجمهور ولإسكات المعارضة، وعلى أرض الواقع لم تعد هناك أي خطوة في غزة تزيد الإنجاز العسكري الذي تحقق، لا مبانٍ ولا بنية تحتية، لا منازل لا مقرات لا وزارات ، قطاع غزة بمجمله مدينة أشباح يعمها الخراب، ونتنياهو ماضٍ في صلفه، إخلاءات وخنق لمئات الآلاف في أجزاء محدودة من الأرض لا يمكن أن تستوعب هذه الأعداد ، وغارات يومية تقتل المئات ، ومحاولات بالطبع لتتويج كل مجز.رة بصيد ثمين يجعل ما يفعله مبررا .
في حالة حماس حاليا لا خيارات متاحة سوى المكابرة ، والتي نلطفها بمصطلح الصمود، والاستمرار في قتال شوارع ذات نتائج محدودة لا تغير الواقع على الأرض على المستوى القريب .
استسلام حماس أو تسليم الأسرى غير وارد ،لأنها تدرك أن ذلك كله لن يكفي ولن يحل الأزمة،بل سيجعل نتنياهو شرهًا لمزيد من التنازلات وسحق كل ما يتعلق بمستقبل غزة ومصير أهلها.
ينادي البعض بأن تسلم مقاليد الأمور للسلطة،وهذا لن يحدث، فقد فات أوانه أولا، وحكومة نتنياهو لن تقبله بأي حال من الأحوال، لذلك هو مقترح غير واقعي في هذه المرحلة.
حتى اجتماع بيكين هو ضرب من العبث،وكل الأطراف تعرف أنها وقعت على اتفاقات أشبه بمن يبيع صرحا وهميا غير قائم .
إذن ما الحل؟
هل السير وفق خطة نتنياهو الساعية لإطالة أمد الحرب إلى الانتخابات الأمريكية،وطمعه في أن يحصل على ضوء أخضر أشمل وأوسع لفرض طوق عسكري تام على قطاع غزة ،يتحكم من خلاله بكل شاردة وواردة ،وينزع فتيل أي تهديد مرة وللأبد؟.
الأمور ليست بالضرورة ستكون كما يريدها الرجل، فمن الممكن جدا أن تكون خطوات ترامب مغايرة لما يتوقعه نتنياهو، ومن المحتمل جدا ألا يفوز ترامب ، وتكون سياسة هاريس غير متوافقة مع طموحات وتطلعات نتنياهو ،ويصبح عندئذ خاسرا بكل الأحوال.
لكن هل نمتلك نحن في قطاع غزة الوقت لذلك؟
هل هناك أي مقومات لصمود غزة والمراهنة على المجهول !؟.
قطعا لا، لا شيء من المنطق في استمرار الحرب لبضعة أشهر قادمة،فهذا معناه سقوط عشرات الآلاف من الضحايا ومفاقمة الخسائر إلى الحد غير القابل للإنقاذ.
إذن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه يضطر العاقل لقبول ما لم يكن يستسيغه، وفي حالتنا الفلسطينية لطالما رفضنا الوصاية،لكنها كانت تفرض دوما علينا بشكل غير مباشر وبمسميات مختلفة.
ربما من المؤسف القول إنه حان الوقت للقبول بوصاية مؤقتة تشكل مرحلة انتقالية للوصول لانتخابات شاملة تغير الوجه السياسي الفلسطيني بالكامل، وتعطي الشعب حق تقرير مصيره ،واختيار من يمثله ويتحمل مسؤولية اختياره وما يترتب عليه من استحقاقات.
هذه الوصاية اضطرارية ، فالاحتلال لن يقبل بعودة السلطة لغزة في هذه المرحلة، وهذا الرفض مستمر باستمرار حكومة اليمين المتطرف ، ومرتبط أيضا بالانتخابات الإسرائيلية القادمة ،والتي يبدو أنها لن تحدث مبكرا قبل موعدها الطبيعي .
وبنفس الوقت لن يكون مقبولا وجود أي شكل من أشكال الحكم لحماس، وهذا مرتبط بعصب استمرار الحرب .
لذلك يبدو أن حماس لن تجد أمامها سوى أن تتجه لقبول جهة ثالثة تحت إشراف عربي ودولي ، وإتمام صفقة قد لا تلبي الطموحات الكبرى التي كانت مرجوة،لكن الواقع لا يمشي وفق الأمنيات والطموحات،وإنما تحدد مجريات الأحداث كل شيء.
البديل عن ذلك هو تحول قطاع غزة لتربة خصبة لحرب أهلية تظللها طائرات الاحتلال ،التي سوف تستمر باصطياد الأهداف الثمينة بلا رادع، ودخول دوامة تمتد لسنوات من التشتت والخراب وتجزئة المجزأ ،مع انعدام فرص الحياة، لعدم وجود جهة تتولى الإعمار أو تضبط الأمن وتدير شؤون الناس .