منوعات
شجاع الصفدي: غزة تشتاق ملامحها
شجاع الصفدي 2-10-2024: غزة تشتاق ملامحها
من السهل أن تتحدث عن الحياة في أي مدينة، تسترسل في وصفها ، ذكر عاداتها اليومية، شوارعها، لهفتها ، سرعة الوقت فيها، للمدن سمات يصعب أن تتشابه، المدن جميلة بذاتها كالنساء، تبدو كل منها متشبثة بأن تظهر في أبهى صورها مهما ترك الزمن آثاره على ملامحها .
ما أسهل أن تصف الحياة في المدن ، ما أصعب أن تسجن الموت في صفحات .
هذا ما يجعل غزة عصيةً على الوصف، فالموت زائرها المزمن، الذي يأبى أن يُسجَن ،أو تحتويه سطور .
حرا يجول في جنبات المدينة التي لم تعد تعرف ملامحها ، كم مرة غيرت غزة ملامحها كل حرب،وعادت لتتزين من جديد ، وكلما كتبنا عن موتها، أصرّت أن تظهر زينتها مهما بلغ شحوب وجهها .
في غزة يصنع الموت أكثر الأحداث تراجيدية وإثارة، تتحول المدينة إلى شاشة سينما عملاقة يشاهدها العالم، تعلو الصرخات مضطربة ما بين الاستهجان والاستحسان، يغنّي الجمهور على ليلاه، بينما غزة على جروحها تبكي .
في غزة قد تفصلك ثلاثون ثانية عن الموت، شيء ما جعلك تنتقل من مكانك لتجلب شيئا ، بينما يؤدي الموت حصاده الغريب!.
ليس مطلوبا أن تكون جنديا لتموت في الحرب، هذه من سمات غزة كمدينة، ليس من الضروري أن تحمل سلاحا ، فقد تخرج لتحضر طعاما فحسب،هذا يكفي ليقرر قطار الموت اصطحابك ، قد تركض امرأةٌ لتشتري حليب الأطفال ،وعندما تعود لا تجد أطفالها ،ولا تجد الخيمة التي كانت تأويهم، تحولوا إلى أشلاء تناثرت ، أما الحليب يظل ينتظر وسيلة نقل للحاق بهم .
هل أحدثكم أكثر عن غزة؟ ، عن سمات المدينة؟
الحياة والموت في غزة مثل لعبة الروليت الروسية، يبدو المشهد هزليا أكثر مما يجب، لكن الإثارة حاضرة.
رجل دموي بملامح قاسية يحمل مسدسا يلف عجلته عدة مرات، ويضع المسدس في رأسك،ويتلذذ ببطء نافثا دخانه في وجهك، يضغط الزناد، نجوت ، أو قل متّ مِرارا ، وهكذا فرصك أمام الحياة معدودة،قد تنجو فقط إلى أن ينشغل القاتل بسيجارته، أو يذخر المسدس مجددا .
أرأيتم ما أسهل الكتابة عن الحياة في مدن العالم ،وما أصعب أن تسجن الموت الطليق في طرقات مدينتنا؟.
للمدن حياة وسمات، للمدن ملامح،
أما غزة الجميلة تشتاق ملامحها.