أقلام وأراء

شجاع الصفدي: رواتب الشهداء والأسرى بين الواقع والتنظير 

شجاع الصفدي 11-2-2025: رواتب الشهداء والأسرى بين الواقع والتنظير 

السلطة الفلسطينية ضعيفة تماما، كل سلطة في العالم ضعيفة وتحاول البقاء ما دامت لا تملك موارد أو مصادر دخل ذاتية، أي سلطة تنتظر أموالا من دول أخرى بالضرورة سيكون لزاما عليها الامتثال لشروط وضوابط بل يمكن القول إملاءات من الجهة المانحة ، حتى الدول الكبيرة التي تستدين من البنك الدولي تكون مضطرة للالتزام بشروط معينة يفرضها البنك الدولي، وقد تكون هذه الشروط مجحفة وتدخلا في شؤون الدولة الداخلية وقراراتها وسيادتها في بعض الحالات.
لكن ذلك لا يحدث مع دولة غنية تملك مواردها والمواد الخام وقدرة على التصدير، فهي دول مستقلة بالمعنى الحرفي، لأن بإمكانها رفض ما لا يتوافق مع مصلحتها في أي شأن من الشؤون الداخلية أو الخارجية. 
وإذا نظرنا للحالة المتعلقة بالسلطة الفلسطينية نظرة خصومة ، بالطبع سنضع رقبتها على المقصلة، ونَسِنُّ الرماح والخناجر ، ونكيل الاتهامات مع كل قرار تتخذه السلطة، ونرفع شعاراتنا عاليا وكأن السلطة صاحبة قرار ، أو تملك أن تقول لا ، وجميع من يكيلون الاتهامات ويطالبون برفض الإملاءات،بما يعني وقف التمويل، لو سألتهم ما البديل الذي تطرحه؟ ،سيصمت ويقول علينا التمرد والمقا.ومة، أو يرفع سقفه ويطالب بحل السلطة ، وإن تحدث أحد عن نتائج حل السلطة بواقعية ، سيجابه برد أن على الاحتلال تحمل مسؤولياته، وكأننا نعيش في عالم منضبط تحكمه القوانين والأخلاقيات، وينتظر من العالم الطاغي موقفا عادلا .
السلطة تستحق الشفقة وليس الخصومة ، هنا لا أتحدث عن شخوص، فلا أحد مقدس ، ومعظم قيادات السلطة سابحون في الفساد، لكن كيانية السلطة واستحقاقاتها باتت عبئا ثقيلا ، والتعامل معه عسير جدا ، يشبه السير في حقل ألغام.
أبدى رئيس السلطة مواقف متنعتة بالنسبة للمانحين تجاه قضية رواتب الأسرى والشهداء ، رفض وقفها لسنوات وتحايل مرارا لتعويض ذلك من خلال ميزانيات أخرى، لكن لم يقدم أحد بديلا ، لم تهب دولة عربية مثلا لتقول أنا أتحمل هذا الملف، أو هذه المنحة عربية خالصة وفاء لتضحيات الشهد.اء والأسرى، جميعهم لديهم تخوفاتهم من نتيجة تصدر ملف تنظر إليه دولة الاحتلا.ل بعدائية هائلة ، وكانت السلطة تتعرض للضغط في هذا الملف ،وكنت أقول دائما إن هذا الرفض لن يبقى للأبد أمام حالة عربية ودولية مترهلة، وأمام نظام عالمي خبيث يرى في المجرم ضحية!.
يمكننا أن نشتم السلطة ونلعنها صبحا ومساء ،دون أن نقدم حلا للمعضلة ، قوت السلطة ليس بيدها، لا تملك سوى أموال الضرائب والمانحين،وكلاهما بيد الاحتلا.ل ،وما دام البديل غير متوفر وليس بإمكاننا طرح بديل منطقي ، علينا تأجيل السهام والانتقادات،اللعنات والاتهامات ، والتفكير بعقلانية تجاه هذه القضية الشائكة.
يقول المثل:” تريد العنب أم قتال الناطور “، تتباين الإجابات دائما، لكن الإجابة غير المنطقية والمكابِرة، هي أن تريد العنب وقتال الناطور معا!!.
دعونا نسأل الأسرى وأسر الشهد.اء ،هل يهمكم كيفية وصول مخصصاتكم وحقوقكم وآليتها، أم يهمكم مسماها الشكلي؟
ما الأهم ، وصول مخصصات الأسرى وذوي الشهد.اء والجرحى للانتفاع بها وتكون عونا في الظروف الصعبة، حتى لو تحت مسمى مخصصات اجتماعية ، أم وقف هذه المخصصات تماما لأن المانحين يرفضون اعتبارها رواتب لهذه الفئة المُضحية؟.
أعتقد أن الميكافيلية حاضرة بقوة عند اتخاذ قرار كهذا، الغاية تبرر الوسيلة، فالصواب وصول الأموال لمستحقيها ،وليس قطعها بسبب تعنت لن يحمل سوى الشعارات والوهم ،ولن يعود بأي منفعة اقتصادية أو حتى سياسية.
يجب فهم الواقع المحيط جيدا، يمكننا نقد السلطة ورئيسها في عشرات القرارات والقضايا وملفات الفساد ، لكن مهمتنا تصويب الخلل ومنع الزلل، وليس الاصطفاف للجَلْد والتخوين ، دون أدنى مسؤولية تجاه تقديم بدائل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى