أقلام وأراء

شجاع الصفدي: تهديدات ترامب وتأثيرها على الأطراف

شجاع الصفدي 4-12-2024: تهديدات ترامب وتأثيرها على الأطراف

قبل أسابيع قليلة وفي محادثة مع رئيس دولة الاحتلال هرتسوغ وبطريقة مسرحية قال ترامب حقا؟ “هل هناك أسرى أحياء؟، كنت أظنهم جميعا ماتوا !” 

طبعا كانت تلك نكتة سمجة صدّرت للإعلام بطريقة دراماتيكية، توحي بأن الأمر اختلف وسوف يولي ترامب أهمية قصوى لاستعادة الأسرى.

بعد اتصالات واجتماعات، وجلسات إحاطة مع إدارة بايدن، واستقبال سارة نتنياهو، خرج ترامب مهددا بتصريح مباشر أن على حماس الإفراج عن الأسرى قبل تنصيبه، أو ستتلقى ضربة غير مسبوقة يهتز لها الشرق الأوسط، تشكل ثمنا باهظا حسب تعبيره .

ترامب يريد أن يظهر بمظهر الصارم الحاسم للقضايا،  والذي لا يقول له أحد : لا . 

ويريد تثبيت اختلافه عن بايدن المهزوز، هو يسعى لفرض حلوله ورؤيته قبل تنصيبه،  لكنه يدرك حقيقة أن تهديده الذي يوحي ظاهريا بعدم معرفته ما حلّ بغزة وأنه لم يعد هناك أهداف لتقصف، يشبه تصريحه الهزلي عن الأسرى الأحياء الذين ادعى أنه فوجيء بالمعلومة عن حياتهم .

يحمل تصريح ترامب تهديدا مبطنا، ليس بضربات عسكرية على غزة أو استهداف ما تبقى من أهداف للحركة في غزة،  وإنما اغتيال قيادات حماس الخارج،  وهذا ما قصده باعتقادي بضربة تهز الشرق الأوسط، فطوال الحرب تضرب غزة بآلاف القنابل ولم يهتز الشرق الأوسط ولم يرمش له جفن، بينما سلسلة اغتيالات تنفذ في عدة دول تستهدف شخصيات قيادية، هو زلزال حقيقي يهدد بقاء الحركة،  والأمر يتجاوز هنا شعار أن اغتيال القادة لن يفتّ في عضد حماس، الوضع يختلف تماما، وفي نظرة للارتباك الذي حدث للحزب بإمكانياته والدعم الجبار الذي يتلقاه، يمكن أن نفهم ما يمكن أن يحدث لحماس في هذه الحالة.

لا يمكن اعتبار التهديد تصريحا عابرا من رجل عاش في حلبة مصارعة مثل ترامب، إنه يعشق السيناريوهات المتحدية والتي تقدم عرضا مبهرا للجمهور.

وربما يجب الأخذ بالاعتبار أنه لا يلقي بالا لأي اعتراضات عربية، عنصريته ترى أن على العرب تلقي الأوامر وتنفيذها ليس أكثر، ومن الجدير بالذكر أن مجلس القضاء الأعلى في العراق أصدر مذكرة اعتقال بحق ترامب عندما اغتيل سليماني وأبو مهدي المهندس، ولكن رغم المذكرة هنأ الرئيس العراقي ورئيس الوزراء ترامب بفوزه،  وتناسوا أمر المذكرة القضائية التي تصنفه مجرما مطلوبا .

وهذا ينطبق على أي دولة عربية يمكن أن تنفذ بها عمليات اغتيال لشخصيات فلسطينية، وتصريح ترامب يدق ناقوس الخطر لدى أي دولة تستضيف قيادة الحركة أو تفكر بذلك، وقد نشرت وسائل الإعلام عن رسائل أمريكية لتركيا في هذا الشأن قبل أسابيع قليلة.

على الأرض يجري العمل على قدم وساق من جيش الاحتلال لإكمال المنطقة العازلة التي تلتهم أجزاء كبيرة على طول قطاع غزة، وتثبيت مواقع رصد ومراقبة في مناطق التمركز، وترسيخ واقع تواجد عسكري قبل إتمام أي صفقة، وعليه يأتي الضغط الكبير حاليا من إدارة بايدن على الوسطاء، ويطوّق ترامب تلك الجهود ليكللها بنجاح يوضع في رصيده مبكرا،  وهو يدرك أن مساحة المناورة التي تملكها حماس لم تعد كبيرة،  والوسطاء يضغطون لقبول حلول تدريجية مدركين أن البدائل منعدمة، وتولي ترامب دون إبرام الصفقة سيضع الجميع في أزمة كبيرة وقلق غير مسبوق من تصرفات وسياسات شخص من هذا النوع وبهذا الموقع.

قد يعتقد البعض أن الدولة العميقة تتحكم بقرارات أي رئيس أمريكي، وهذا غير دقيق، الأمر متعلق بشخصية الرئيس ومدى هيمنتها على المشهد، هل يسمح بالسيطرة عليه من عدمه، وفعليا ترامب خارج دائرة السيطرة .

بعد كل ما مرت به غزة، تقف حماس الآن أمام مفترق طرق، تحاول تفادي الارتطامات القاسية قدر المستطاع، والعبور من المرحلة بما يمكن تحقيقه، وأرجح أن قيادة الحركة ستقرأ رسالة ترامب، وسوف تبدي ليونة أكبر في التفاوض، مع وعود مصرية تركية أن تمهد الهدنة لوقف الحرب في مرحلة لاحقة، ستكون هنالك صفقة تبادل ليست هي المرجوة تماما، لكنها أفضل ما يمكن أن يتاح في ظل الضغط الهائل الذي يتعرض له الناس في القطاع، و حماس بشكل عام .

بمعنى أن حماس ستكون مضطرة لاختيار أفضل السيء، في ظل احتمالات الخروج خاوية الوفاض بعد هذه الحرب الشعواء، ولذلك الذهاب الآن لصفقة هو الخيار المنطقي الوحيد، وأعتقد أن الوسيط المصري يتفاوض مع الحركة حول ملاحظاتها ويجري تعديلات وسطية تكون مقبولة للطرفين،  بحيث تمنح حماس صورة إنجاز، وتمنح نتنيا.هو حيزا للمناورة أمام الائتلاف المتطرف الذي يقوده،  وهو أيضا يدرك أن اللاءات المتعددة التي قالها لبايدن لن يكون سعيدا. إذا كررها مع ترامب، ودور البطولة الاستعراضي الذي مارسه على إدارة بايدن أمام جمهور اليمين، لا يمكن أداؤه أمام ترامب، ولذلك سيكون عليه الذهاب لصفقة محاولا كسب كل ما يمكن من موقف متقدم .

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى