سليمان أبو ارشيد – الحرب الاستيطانيّة على القدس
جمّدت سلطة الاحتلال في القدس، مخطط توسيع ما يُسمّى بـ”الحديقة الوطنية حول أسوار القدس”، لتشمل سفوح جبل الزيتون الذي يُعتبر من أقدس المواقع المسيحية في المدينة المقدّسة، ويستضيف بعضا من أهمّ المزارات الدينية التي تستقطب ملايين الحجّاج والزوّار سنويا، كما جاء في بيان رؤساء الكنائس، الذي دعا إلى الحفاظ على الطابع المقدّس للجبل، وإمكانية وصول الحجّاج إليه.
ويُغلِق المخطط المذكور الدائرة الاستيطانية التي يُراد لها أن تطوِّق البلدة القديمة من سلوان في الجنوب الشرقي، لتمتدّ إلى الطور وجبل الزيتون، مرورا بالجامعة العبريّة و”هداسا”، ليتصل بالمخطط الاستيطاني الجاري في الشيخ جراح في الشمال الشرقي للمدينة.
ويلتقي هذا المخطط بالمخطط الاستيطاني “إي 1” الذي يُفتَرض أن يربط القدس بمستوطنة “معاليه أدوميم”، والذي جرى تجميده مؤخرا في أعقاب ضغوطات دولية مورست على الحكومة الإسرائيلية، وهي مخططات تستهدف نهاية تقطيع التواصل المدينيّ الفلسطينيّ، وقطع شمال الضفة عن جنوبها، ومنع إقامة دولة فلسطينية ذات تتابُع جغرافيّ.
واللافت أن المخططيْن الاستيطانيين في سلوان والشيخ جراح، يجري تنفيذهما بواسطة جمعيات استيطانية إرهابية تقوم بإخراج الفلسطينيين من بيوتهم الوادعة في الحَيّيْن التاريخيين، بأوامر وقوانين تشرّعها وتصدرها مؤسسات ومحاكم الاحتلال، وتوطِّن المستوطنين في بيوتهم، وهي تنفّذ ذلك في إطار عملية عدوانية ترهيبية يشارك فيها عشرات، وربما مئات المليشيات الاستيطانية التي يجري استقدامها من مستوطنات الضفة الغربية، مدعومين بمئات وربما آلاف الجنود، إذا احتاج الأمر ذلك.
في سلوان والشيخ جراح، تطلِق دولة الاحتلال أيدي العصابات الاستيطانية لاحتلال بيوت الفلسطينيين، وهي توفّر لهم الغطاء القانوني الضروري والحماية الأمنية اللازمة لتنفيذ هذه الجرائم، في عملية تطهير عرقي واضحة المعالم، حيث توكِل دوائر الدولة الرسمية ممَثّلةً بسُلطة الحدائق والمتنزهات لجمعية “إلعاد” الاستيطانية، إدارة “الحديقة الوطنية” في سلوان وخلف الأسوار، والتي خطط لتوسيعها بمساحة 275 دونما إضافية باتجاه جبل الزيتون، بهدف تهويد الحيِّز الديني المسيحي والقضاء على أي خصائص غير يهودية للمدينة المقدسة، وفق ما جاء في بيان رؤساء الكنائس.
وكلنا نعرف أنّ تجميد المخطط المذكور مؤقتا مثلما جرى تجميد مخطط “إي 1” ومثلما جرىتجميد إخلاء بيت عائلة سالم في الشيخ جراح هذا الأسبوع أيضا، جاء تجاوبا مع ظروف معيّنة أو ريثما تمرّ العاصفة، وهذا لا يعني إلغاء هذه المخططات التي يجري العمل على تنفيذها بشكل مطّرد ومنهجيّ، كونها تندرج في مخطط شامل يستهدف تهويد المدينة ونزع طابعها العربي الفلسطيني المسيحي والإسلامي.
ومن المستغرَب أن تلعب “سلطة حماية الطبيعة” مثلما لعبت “سلطة الآثار” أيضا، دورا مشوبا في خدمة الجمعيات الاستيطانية العاملة على تهويد القدس، “إلعاد” و”عطيرت كوهنيم”، علما بأن هذه الدوائر يُفترض أن أهدافها المعلَنة تتعارض مع أهداف هذه الجمعيات التي لا تقيم أي اعتبار للطبيعة وللآثار وللإنسان.
يشار إلى أن “الحديقة الوطنية حول أسوار القدس” والتي أُعلن عن إقامتها عام 1974، تمتدّ على مساحة 1100 دونم، نصفها في شرقي القدس، وهي تطوّق أسوار القدس القديمة، إلى جانب مساحات سكنية واسعة من سلوان وهي منطقة وادي حلوة التي تضمّ 5000 فلسطيني يسكنون في 250 مبنى و700 شقة.
والغريب أن الحديقة المذكورة هي الحديقة الوحيدة في إسرائيل التي تضمّ منطقة مأهولة بالسكان، ويجري حاليا توسيعها لتشمل مناطق أخرى في جبل الزيتون.
ومنذ عام 1997، تتولى جمعية “إلعاد” الاستيطانية، إدارة جزء كبير من هذه الحديقة المسماة “مدينة داوود”، الأمر الذي يحوّلها إلى الحديقة الوطنية الوحيدة في البلاد التي تُدار من قِبل جمعية أيديولوجية، وبشكل يتعارض مع موقف دائرة الآثار.