القدس

راسم عبيدات يكتب – المقدسي .. قومية عربية وهوية فلسطينية وانتماء اصيل وجنسية ضائعة..!

بقلم  راسم عبيدات  *- 31/12/2020

الإنسان المقدسي يعيش الكثير من الهواجس والقلق، هواجس وقلق مصدرها قوميته العربية وهويته الفلسطينية وانتماءه الأصيل، فهو يتعرض في القدس لحملة شرسة تستهدف تطويعه واذابة رفضه للوجود الصهيوني في المدينة كواقع مسلم به، هذا الإنسان الذي يشكل خط الدفاع الأول في المقاومة والتصدي للمشاريع الصهيونية من تهويد وأسرلة للمدينة، تركته اتفاقيات اوسلو الكارثية عارياً بلا جنسية ولا حقوق سياسية وربطت مصيره بإتفاقيات نهائية مضى عليها أكثر من ربع قرن.. ومن بعد انتهاء المرحلة الإنتقالية في ايلول 1999 لم يجر مراجعة الإتفاقية او التوقف امامها، وبالذات مصير القدس والمقدسيين، بل استمر التهويد والأسرلة واستمر صمود ودفاع المقدسيين عن وجودهم وأرضهم وقوميتهم العربية وهويتهم الفلسطينية مُتحدين كل المشاريع الصهيونية التي تحاول اذابتهم ودمجهم في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي.

وفي الوقت الذي كان المقدسيون يرفضون مخططات تجنيسهم ويصرون على انهم جزء من شعب فلسطيني محتل وفق قرارات الشرعية الدولية، كان نتنياهو وترامب يستخدمون بلطجة القوة من اجل إخضاعهم وتكريس شرعنة وجود الإحتلال بالقوة والفرض او الطرد والتهجير.

المقدسي يعيش في حالة دائمة من القلق والخوف على مصيره، فلا جواز سفر او جنسية فلسطينية من حقه الحصول عليها، وبطاقة هوية اسرائيلية تعطيه صفة “المقيم الدائم”، وجواز سفر مؤقت تمنحه اياه الأردن واجه قسم من المقدسيين تعقيدات الحصول عليه في فترة من الفترات، ومن ثم تغيرت السياسة الأردنية وساعدت الأردن مشكورة في تسهيل حصول المقدسيين على هذا الجواز المؤقت وبأسعار مخفضة، وبالمقابل دولة الإحتلال من منطلق الديمغرافيا وسياستها الإستيطانية القائمة على ضم أكبر مساحة من الأرض وأقل عدد من السكان، تعاملت مع سكان القدس العرب بعد 21 يوماً من الإحتلال بصفة “مقيم دائم”، وهذا يعني بأن الفلسطيني المقدسي مرشح للطرد اذا ما خالف شروط الإقامة والتأشيرة، فالقانون الدولي يمنح الدولة الحق في منح التأشيرة والإقامة وسحبها وليست حقاً مكتسباً للفرد، ولكن كل هذا ترك المقدسي حائر وضائع وقلق.. وفي ظل الحيرة والقلق وعدم وضوح الرؤيا، يجد البعض المقدسي من منطلق تغليب الإقتصادي والإجتماعي على السياسي ان الخيار في الحصول على الجنسية الإسرائيلية، تلك الجنسية التي يعتقد انها “طاقة الفرج”، تحقق له بعض الإمتيازات سواء لجهة السكن في ضواحي القدس او الضفة الغربية او الداخل الفلسطيني- 48 دون ملاحقة من مؤسسات الإحتلال تأمين وطني صحي وغيرها، او وزارة داخلية الإحتلال وبلديتها في قضايا السكن والبناء ..الخ. ولكنها بالمقابل تنزع منه هويته الفلسطينية وانتماءه، وتشرعن إعترافه بأن القدس هي عاصمة دولة الإحتلال وكذلك تشرعن عملية الضم والتهويد.

واضح بأن الظروف التي تعاطى معها الإحتلال مع المقدسيين بعد الإحتلال مباشرة، وفق ما يسمى بقانون الدخول الى اسرائيل قد تبدلت استناداً للتطورات والمتغيرات على الأرض، هذا القانون يعتبر بأن سكان القدس الأصليين، هم دخلاء دخلوا الى دولة الإحتلال، وليس هي من احتلت بلدهم ومدينتهم وضمتهم بالقوة.

المحتل يدرك بأن اللحظة او المرحلة قد تكون مؤاتية لـ “تجريف” و”كي” و”صهر” و”تطويع” وعي المقدسيين وبالتالي اذابتهم، فأمريكا نقلت سفارتها من تل ابيب الى القدس واعترفت بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال، ومشاريع تهويد المدينة تجري على قدم وساق بزرع ما يزيد عن 13 ألف وحدة استيطانية فيها، ناهيك عن مشاريع التفتيت لقراها وبلداتها واقامة البؤر الإستيطانية في قلبها، وبما يمنع من تمددها وتواصلها جغرافياً وديمغرافياً، وليس هذا فحسب فهناك مشاريع إستيطانية ضخمة لتغيير جذريا من واقع المدينة ومشهدها العام، من مشهد عربي اسلامي الى مشهد يهودي، يكرس يهوديتها وكونها عاصمة لكل يهود العالم.

مشروع الشارع الأمريكي واستهداف المنطقة الجنوبية من مدينة القدس لفصل القدس عن قراها وبلداتها الجنوبية وعن جنوب الضفة الغربية، والمشروع الرديف والمساند شارع الطوق وربط البؤر الإستيطانية والمستوطنات داخل وخارج جدار الفصل العنصري مع بعضها البعض من مجمع “غوش عتصيون” الإستيطاني من جنوب غرب الخليل حتى مجمع “معالية ادوميم” الإستيطاني شرقاً.

أما في قلب المدينة فهناك مشاريع مركز القدس شرق  ومشروع وادي السيلكون ومشاريع عبرنة اسماء الشوارع ومدخل البلدة القديمة لتصبح اسماء عبرية بدل العربية، وكذلك تهويد قلعة باب الخليل واسوار المدينة المقدسة، وهذا يترافق مع محاولة شطب الوجود الفلسطيني ونفي أي شكل من اشكال السيادة الفلسطينية عليها.

الإستيطان والتهويد ولضمان قلب الواقع الديمغرافي ترافق ذلك مع سياسة تطهير عرقي تضمن الإستيلاء على احياء عربية كاملة، تحت ذريعة انها املاك يهودية قبل نكبة عام 1948، علماً بأن كل اليهود الذين خروجوا من القسم الشرقي للمدينة، منحت لهم بيوت فلسطينية ممن هجر اهلها  في النكبة، كما يحصل الآن في حي بطن الهوى واحياء وادي ياصول وعين اللوزة والبستان ووادي الربابة في سلوان واحياء الشيخ جراح وكبانية ام هارون.

أما على صعيد الأسرلة لوعي المقدسيين والسيطرة على ذاكرتهم الجمعية وتزيف روايتهم وتاريخهم و”تقزيم” جغرافيتهم، عمد المحتل ضمن خطته الحكومية الخماسية (2018 -2023) لدمج المقدسيين في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي الى رصد (875) مليون شيكل من أصل (2) مليار شيكل من اجل أسرلة العملية التعليمية، بشطب المنهاج الفلسطيني وإحلال المنهاج الإسرائيلي مكانه، وربط الطلبة المقدسيين خريجي الثانوية العامة بالدراسة في المؤسسات والجامعات الإسرائيلية وبالذات الجامعة العبرية، عبر حوافز مالية واقساط مجانية، ولم يكتف المحتل بذلك بل سعى الى إحلال مؤسساته كبديل عن المؤسسات المقدسية التي تعرضت للإغلاق وتضيق الخناق عليها وعلى عملها وخدماتها، وجرى أكثر من مرة اعتقال طواقمها الوظيفية،كذلك سعي الإحتلال لمنع أي شكل من أشكال السيادة والوجود الرسمي الفلسطيني، وبما يمنع بناء السيادة من أعلى، او بشكل تشاركي مع الأسفل “اللجان الشعبية”، حيث فرضت سلسلة من العقوبات على ممثلي السلطة الرسميين من محافظ ووزير وامين عام المؤتمر الوطني الشعبي، ناهيك عن كادرات حزبية وتنظيمية وطنية ومجتمعية، وسعى الإحتلال بشكل حثيث لنفي الوجود الفلسطيني وكافة تعبيراته السياسية والإقتصادية والثقافية والفكرية والتربوية والدينية ..الخ، ولهذا الغرض جرى ضخ ميزانيات ضخمة بعشرات ملايين الشواقل للمؤسسات الجماهيرية المرتبطة  بالإحتلال لكي تحل محل المؤسسات الفلسطينية من أندية ومؤسسات  ولجان إصلاح فلسطينية من مراكز وشرطة جماهيرية ولجان إصلاح وعشائر مرتبطة ببلدية وشرطة الإحتلال، وتدخل الإحتلال في أدق خصوصيات الأسر الفلسطينية مخترقاً جدار سياجها الوطني والمجتمعي ساعياً لربطها بمؤسساته وأجهزته، حيث شهدنا نتاج ذلك حالات كبيرة من الضياع والتفكك الأسري.

وبالعودة للحديث عن الجنسية والتجنيس، نقول بأن المسألة في زيادة عدد الراغبين بالحصول على الجنسية الإسرائيلية، والتي تقدرهم المصادر المختلفة ما بين 12 -22 ألف مقدسي، وربما ارتفاع العدد  يعود الى ان جزء من اهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني- 48 نقلوا مركز حياتهم للقدس، وكذلك سكان بيت صفافا المحتلة عام – 48 واهل قرية شرفات، ولكن أي تكن النسبة فهذه الزيادة او زيادة الطلب على الجنسية، ليس ارتباطها المباشر بقرار محكمة صلح الإحتلال بالطلب من وزارة داخلية الإحتلال بضرورة نشر علني لشروط التجنيس بناء على دعوى تقدم بها مجموعة من الشبان، حيث تقول المحكمة في قرارها أي شخص يسكن ضمن حدود دولة الإحتلال ولا يمتلك جنسية ملزمة دولة الإحتلال بمنحه الجنسية، والهدف هنا ليس ان الإحتلال حدث لديه صحوة ضمير ويريد ان ينصف المقدسيين، بل يريد ان يوظف قضية التجنيس بما يخدم مصالحه لأقصى حد ممكن، وهو سيف مشرع ضد القدس والمقدسيين، وهدفه الأول سياسي بإمتياز، أن يعترف المقدسيين بعظمة لسانهم بشرعية الضم، فتقديم الطلب والإعتراف بانهم جزء من دولة الإحتلال، شرعنة له واٌعتراف بسيادته على المدينة، وكذلك هذا التجنيس من شأنه المس بهوية وتاريخ  وحضارة وحقوق شعبنا الفلسطييني، والإقرار بشرعية الرواية الصهيونية، والإعتراف بالحركة الصهيونية على أنها حركة “تحرر وطني” وتجريم وإدانة لنضالنا الوطني.

والمحتل حتى في تطبيقه لمشروع وعملية التجنيس، سيكون حذر في دراسة التداعيات والآثار لهذه العملية، لكونها قد لا تدفع بالمقدسيين للخروج الطوعي كما يخطط له للسكن خارج ما يسمى بحدود بلدية القدس او التوطن في البلدان التي قد يذهبون اليها للعمل والتعلم،وهنا تصبح عملية طردهم اكثر تعقيداً من الناحية القانونية وكذلك سيحصلون على حقوق في مواجهة شرطة الإحتلال، وقد يعملون على التأثير  في اتجاهات الرأي العام لشعبنا في الداخل الفلسطيني -48.

المحتل يريد في حديثه عن الجنسية والتجنيس ان يخلق حالة من الصراع والإشتباك الداخلي ما بين المقدسيين، بين من ينطلقون بضرورة الحصول على الحقوق المدنية من المحتل، حقوق اقتصادية واجتماعية عبر الإقرار والإعتراف بوجوده وسيادته، مغلبين الخاص على العام والمصالح الفردية على المصالح العامة، وكذلك مغلبين الحقوق المدنية على الحقوق السياسية، وبين من يعتبرون القدس محتلة ولا يعترفون بشرعية وسيادة الإحتلال عليها، وسيستمرون في خوض نضالهم حتى يزول الإحتلال عنها.

الإنسان المقدسي تائه وتتجاذبه صراعات داخلية، فهو يريد ان ينال حريته وإستفلاله ويصبح جزء من دولة فلسطينية مستقلة، بالمقابل في ظل ما يواجهه من ضغوطات يومية حياتية، وفي ظل إنغلاق بوابة الحل السياسي وإهمال السلطة للمقدسيين، والتي بات الكثير من المقدسيين يعتقدون يأن قضيتهم تستغل للمتاجرة والمزايدة. وفي ظل غياب الوعي وضعف انتماء البعض والقول بأن الواقع مجافي يقدم البعض على التجنس ظناً منه بان في ذلك ورقة الخلاص، دون ان يدرك بأن ذلك يسهم في خسارة هويته وانتمائه وحقوقه وإقراره بشرعنة وجود الإحتلال وسيادته على المدينة.

ولذلك من الملح والضروري ان يجري العمل من قبل القوى الوطنية والأحزاب السياسية والقيادة الفلسطينية والمؤسسات المجتمعية ونشطاء العمل المجتمعي على تحصين جبهة الوعي، بما يمنع اخترق سياج النسيجين الوطني والمجتمعي.

* كاتب ومحلل فلسطيني يقيم في مدينة القدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى