القدس

راسم عبيدات يكتب – الأقصى ما بين مخاطر التقسيم والتطبيع!

بقلم راسم عبيدات *- 22/12/2020

مع بدء ما يسمى بعيد الأنوار اليهودي ” الحانوكاه” في العاشر من الشهر الحالي زادت وتيرة عمليات الاقتحام للأقصى بوتائر غير مسبوقة، حيث جرى تغيير مسار الاقتحامات وصلوات تلمودية توراتية علنية بين الأشجار في ساحات الأقصى وتمديد فترة الاقتحامات صباحاً وبعد الظهر ووضع شعمدانات ضخمة بالقرب من ابواب الأقصى، ومطالبة الجماعات التلمودية والتوراتية بإدخالها الى المسجد الأقصى من أجل آداء طقوسها وصلواتها التلمودية في ساحاته، تحت ذريعة، كيف لا يسمح لهم بآداء طقوسهم وصلواتهم فيما يسمونه المعبد وهو تحت السيطرة الإسرائيلية بعد الفي عام من الشتات والتشرد.

وواضح من تركز الاقتحامات على باب الرحمة بأن الاستهداف يخص المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى والتي توازي ثلث مساحة المسجد الأقصى بهدف إقامة كنيس يهودي ضخم يتم الدخول اليه من باب الرحمة بعد الاستيلاء على جزء من مقبرة باب الرحمة وجزء من مقبرة اليوسفية التي تحتضن قبور شهداء الجيش الأردني والمجاهدين والعلماء، حيث تعمل بلدية الاحتلال تحت حراسة جيشها وشرطتها على هدم درج مقبرة اليوسفية، والاستيلاء على جزء منها بالإضافة الى الجزء المستولى عليه من مقبرة باب الرحمة، الهدف منه إقامة حديقة تلمودية ومسارات توراتية، بحيث يجري ربط كامل المنطقة مع القصور الأموية المستولى عليها باتجاه حائط البراق. والمخطط لإقامة الحدائق التلمودية والتوراتية، يشتمل أيضاً على حفر قواعد خرسانية لثلاثة عشر عموداً بارتفاع 26 متراً لكي تشكل مساراً للقطار الطائر”التلفريك” الذي سيستخدم من أجل جلب الجماعات التلمودية والتوراتية والسياح بأعداد كبيرة، وهذا القطار الطائر سيمكن من مراقبة الحركة وكل ما يجري داخل المسجد الأقصى، ويضاف الى ذلك لتغيير المشهد الكلي وللتغطية على قباب المسجد الأقصى وحجبها، جرى إقامة عدد كبير من الكنس والمباني التلمودية والتوراتية حول المسجد الأقصى. ولعل أضخمها إقامة المشروع التهويدي المسمى بـ”جوهرة إسرائيل” بإضافة توسعة الى الكنيس القائم قائمة على ارض وقف اسلامي وبناء إسلامي تاريخي بمساحة 1400م مربع بناء طابقين تحت الأرض وأربعة طوابق فوق الأرض وبارتفاع 23 متراً عن الشارع وبتكلفة 48 مليون شيكل.

ما يجري تنفيذه من مشاريع ومخططات تلمودية وتوراتية وحفر انفاق حول الأقصى وأسفله، واقتحامات يومية بأعداد كبيرة، واستهداف منطقة باب الرحمة يضعنا امام تساؤلات بأن صفقة القرن فيما يخص الأقصى باتت قريبة والحديث عن صلاة ابراهيم او ما يسمونه ابراهام استناداً الى اتفاقيات التطبيع التي تجري مع بعض دول النظام الرسمي العربي بأن التقسيم المكاني للأقصى ليس بالبعيد والخشية بل المخاوف ان عملية التنفيذ ستجري بمشاركة عربية، فنحن شهدنا في عيد الأنوار اليهودي ” الحانوكاه” هذا العام مشاركة وفد تطبيعي إمارتي – بحريني في إضاءة الشمعدان اليهودي في ساحة حائط البراق في القدس، وليس هذا فحسب، بل في ظل حالة “الانهراق” والفجور التطبيعي العربي الرسمي، وجدنا وفوداً تطبيعية من أكثر من دولة مطبعة وبالذات الإمارات والبحرين، يدخلون خلسة الى المسجد الأقصى أحيانا بلباس تنكري او في أوقات لا يكون فيها عدد كبير من المقدسيين في الأقصى وعبر البوابة التي يقتحم منها المستوطنون المسجد الأقصى تحت حماية وحراسة شرطة الاحتلال وجيشه، مما جعل المقدسيين يشبهون هذه الزيارات على انها مساوية لاقتحامات المستوطنين، حيث لم يجر تنسيق الزيارات مع الأوقاف، ولم يدخل هؤلاء الزائرين او الراغبين في الصلاة في المسجد الأقصى عبر بوابات الأقصى التي يدخل منها باقي المصلين او القادمين من دول إسلامية، أتراك واندونسيون وغيرهم، ولكون هؤلاء القادمين اختاروا الدخول للأقصى من باب المغاربة المسيطر عليه والمتحكم به بشكل كلي من قبل الإسرائيليين، ولشعور المقدسيين بأن هؤلاء العرب وجهوا طعنة غادرة لشعبنا الفلسطيني ولنضالاته وتضحياته في علنية علاقاتهم التطبيعية مع دولة الاحتلال، لم يستوعبوا دخولهم للأقصى، حيث اعتبروهم بسلوكهم هذا مدنسين للأقصى، ولذلك تعرضوا للطرد والتهجم عليهم.

نحن ندرك تماماً بأن استمرار دخول هؤلاء من بوابة باب المغاربة التي يتسلل منها المستوطنون إلى الأقصى بحماية شرطتهم وجيشهم، ربما يدفع الى تحديد أوقات معينة لدخولهم الى المسجد الأقصى، مما يعني المزيد من التقسيم الزماني للأقصى.

الخطر الذي يواجه المسجد الأقصى جدي وحقيقي فالمحتل لا يسعى فقط لإيجاد موطئ قدم مكاني له في المسجد الأقصى، ولكن ما تضمنته صفقة القرن والاتفاقيات التطبيعية العلنية والمسماة باتفاق ابراهام والحديث عن الصلاة الإسلامية – المسيحية – اليهودية، وتمكين كل اتباع الديانات من الوصول بحرية الى “المعبد” والمقصود هنا المسجد الأقصى، بأن ما ينتظر الأقصى تقسيم مكاني كما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل، ولكن هذه المرة بتواطؤ ومشاركة عربية في العملية، ولذلك باتت مخاطر التطبيع العربي الرسمي العلني تنعكس على قضيتنا الفلسطينية وحقوقنا، وتشكل طعنة غادرة لنضالات وتضحيات شعبنا الفلسطيني، وهي كذلك تعبر عن ارتماء المطبعين في حضن دولة الاحتلال، وتشريع كل ما يقوم به من إجراءات وممارسات قمعية وتنكيلية بحق شعبنا الفلسطيني، والثمن هو فلسطين وشعبها وقضيتها وحقوقها ومقدساتها وفي المقدمة منها المسجد الأقصى.

نحن ندق نقوس الخطر، ونقول بأن مسألة التقسيم المكاني لم تعد سوى مسألة وقت، والصراع سيحتدم على هوية القسم الشرقي من المسجد الأقصى، وهل الكتلة الشعبية الكبيرة التي أفشلت مخطط ومشروع وضع البوابات الإلكترونية على بوابات الأقصى في تموز/2017 ،عبر صلواتها في الشوارع والساحات العامة وبالقرب من بوابات الأقصى، وتحويلها لسجاجيد صلواتها الى سجاجيد مقاومة، يمكن لها ان تنجح في منع عملية التقسيم المكاني في ظل متغيرات كبرى في العالم والإقليم والمنطقة، حيث البيئة الحاضنة والبعد العربي الإسلامي، يعيش حالة وهن وضعف وانهيار، بل وهناك بعض الأطراف العربية المطبعة باتت تتبنىالرواية الصهيونية وتشكك في مكان وجود الأقصى وقدسيته.

نحن نراهن على الطاقة الكامنة الموجودة عند أبناء شعبنا الفلسطيني وإرادة اهل القدس وشعبنا واهلنا في الداخل الفلسطيني- 48 – ، وكذلك رغم حالة الانهيار العربي، إلا أن ثقتنا بان شعوبنا العربية والإسلامية قادرة على النهوض وحماية مسرى رسولها محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه وقبلة المسلمين الأولى والمسجد الذي يعد واحداً من المساجد الثلاثة التي يشد الرحال اليها.

*صحفي  ومحلل سياسي فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى