شوؤن دولية

د. يوسف يونس: جون بولتون ملفات شائكة بالانتظار

د. يوسف يونس، مركز الناطور للدراسات 24-3-2018: جون بولتون ملفات شائكة بالانتظار

اعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخميس ٢٢ مارس ٢٠١٨م استبدال مستشاره للأمن القومي اتش ار ماكماستر بالسفير الاميركي السابق لدى الامم المتحدة المحافظ المتشدد جون بولتون.

وبعد سلسلة من الاقالات والاستقالات في فريقه خلال الاشهر الماضية، قال ترمب ابتداء من التاسع من ابريل 2018 سيكون جون بولتون مستشاري الجديد للامن القومي”. وحيا ترمب “العمل الاستثنائي” الذي ادّاه مكماستر مؤكدًا انه سيبقى صديقا له على الدوام.

ويأتي هذا الإجراء بعد ومنذ اسابيع عدة، بات مكماستر في موقع ضعيف بسبب غياب دعم واضح له من الرئيس الأميركي وشائعات حول إمكان الاستغناء عنه. كما انه يأتي متزامنا مع إقالة وزيرة الخارجي الاميركي ريكس تيلرسون، الذي سيحل مكانه المدير الحالي للسي اي ايه مايك بومبيو “الصقر” الجمهوري.

وبولتون الذي كان أحد قادة “الصقور” في إدارة جورج دبليو بوش قبل أن يصبح معلقاً على شبكة فوكس نيوز، معروف بشكل خاص بأسلوبه العدواني. وهو من اشد المعارضين للاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته القوى الكبرى في يوليو العام 2015 لمنع ايران من حيازة قنبلة نووية.

وبهذه التغييرات سيكون فريق ترمب للسياسة الخارجية الأكثر تحفظا وايديولوجية والأقل براغماتية في الذاكرة الحديثة، في وقت تتطلب فيه التحديات على الساحة الدولية الحزم ولكن أيضا مرونة وبراغماتية”.

وهذا ما يتناسب ، على مايبدو، مع توجهات ترامب، وخاصة على صعيد سياساته الخارجية، فمنذ وصوله الى الرئاسة، خفضت الولايات المتحدة ميزانيتها المخصصة لتمويل الامم المتحدة، واعلنت انسحابها من منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) ورغبتها في الانسحاب من اتفاقية باريس حول المناخ.

ومع وصول بولتون، المحافظ المتشدد منن المتوقع ان تشهد سياسات الأوليات المتحدة الخارجية المزيد من التشدد، يذكر ان بولاتون كان قد أدلى خلال حياته المهنية بسلسلة من التصريحات الاستفزازية حيال الامم المتحدة، بينها خصوصا قوله انه اذا خسر مقر المنظمة الدولية المؤلف من 38 طبقة، عشرة منها “فهذا لن يحدث فرقا”.

وكان اسم بولتون طرح في العام الماضي ليشغل منصب سفير بلاده في الامم المتحدة. وعندما تم اختيار نيكي هايلي في نهاية الامر، شعر الدبلوماسيون بارتياح.

ويثير تعيين بولتون ومعه تعيين مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) مايك بومبيو وزيرا للخارجية، تساؤلات عن هامش التحرك الذي ستمتلكه هايلي.

وقال ريتشارد غوان ، المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية، ان بولتون “يمكن ان يدفع هايلي الى تفكيك العناصر المكونة لنظام الامم المتحدة”، مستندا الى معرفته بالمنظمة الدولية. اذ سيكون الاختبار الاول الاتفاق حول النووي الايراني الذي يهدف الى منع طهران من امتلاك قنبلة ذرية ويعتبره الثلاثي بولتون، بومبيو و هايلي وكذلك ترمب، ضعيفا جدا. وقد امهل الرئيس الاميركي حلفاءه الاوروبيين حتى 12 مايو لتشديده. لكن الاتفاق ابرم بقرار من مجلس الامن الدولي، وتدافع عنه بشراسة الدول الاخرى الدائمة العضوية في المجلس فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، وكذلك المانيا التي وقعت النص. وستتابع تحركات بولتون بدقة، الصين وروسيا اللتان تريان في الانسحاب الاميركي وسيلة للتموضع في مقدمة الاسرة الدولية.

ومن جهة أخرى ، عبر الفلسطينيون عن قلقهم متوقعين الأسوأ من خصم قديم، فيما رحب عدة وزراء اسرائيليين بتعيين جون بولتون المتشدد مستشاراً للامن القومي الأميركي ووصفوه بأنه “صديق” لاسرائيل.

ويعتبر الفلسطينيون ان هذا التعيين يعني المزيد من التشدد في الموقفين الأميركي والإسرائيلي وخلق “واقع مدمر” على الفلسطينيين والمنطقة. خاصة ان بولتون لديه تاريخ طويل في معاداة فلسطين، منذ ان كان في الأمم المتحدة، حيث كان يدافع عن الحصانة الإسرائيلية وبتعيينه باتت الأمور الان واضحة واكتملت الدائرة، بانضمام الادارة الاميركية الى الصهاينة المتطرفين والى المسيحيين الأصوليين.

وكان المشهد مختلفاً تماماً في الجانب الإسرائيلي، حيث قالت وزيرة العدل ايليت شيكد من حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف في بيان “يواصل الرئيس الاميركي دونالد ترامب تعيين أصدقاء حقيقيين لاسرائيل في مناصب عليا، جون بولتون أحد البارزين منهم، واعتبرت ان ادارة ترامب هي الاكثر ودية لاسرائيل على الاطلاق”.

وقال وزير التعليم نفتالي بينيت وهو رئيس حزب البيت اليهودي “ان بولتون خبير أمني استثنائي ودبلوماسي متمرس وصديق قوي لإسرائيل”.

اما وزير البيئة زئيف الكين من حزب الليكود الحاكم فقال لاحدى محطات التلفزة الاسرائيلية “هو بلا شك صديق مقرب لاسرائيل منذ سنوات عديدة، بما فيها سنوات عمله في منصب سفير الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة. ليس لدي أي شك في أننا سنكون مرتاحين للعمل معه”.

وسلط المعلقون الإسرائيليون الضوء على موقف بولتون المتشدد حيال إيران وحماس الذي يتطابق مع موقف رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو، وعلى وجه الخصوص معارضته الشديدة الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عام 2015 من قبل القوى العظمى مع ايران، ودعوته إلى الانسحاب منه.

توجهات ومواقف جون بولتون :

ولد بولتون في ٢٠ ديسمبر ١٩٤٨م، و اشتغل بالمحاماة وكذلك بالدبلوماسية، حيث عمل سفيرا لواشنطن لدى الأمم المتحدة في الفترة بين أغسطس2005 وديسمبر ٢٠٠٦م. وكان يعتبر احد قادة معسكر الصقور الجمهوريين في إدارة الرئيس الاسبق جورج دبليو بوش ويمكن اختصار مواقفه تجاه القضايا المركزية في سياسة الولايات المتحدة الامريكية في النقاط التالية :

١ – شن ضربة وقائية ضد كوريا الشمالية أمر مبرر: تطرح وجهة نظر بولتون في هذا الملف تساؤلات. ففي الوقت الذي ينضم للبيت الأبيض، تزيد التوقعات بعقد قمة بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في مايو/ أيار المقبل.

وقد أعرب بولتون عن اعتقاده بأن كوريا الشمالية وبرنامجها النووي يشكلان “تهديدا وشيكا” للولايات المتحدة، مستبعدا وجهات نظر مفادها أنه مازال هناك وقت للعمل الدبلوماسي. وفي مقال بصحيفة “وول ستريت جورنال” في فبراير/ شباط، قال بولتون “بالنظر إلى الفجوات في المعلومات الاستخباراتية الأمريكية بشأن كوريا الشمالية، لا يجب الانتظار حتى الدقيقة الأخيرة”. وأضاف “إنه أمر مشروع للولايات المتحدة أن تبادر بالهجوم ردا على تهديد السلاح النووي من قبل كوريا الشمالية”.

٢ – قصف إيران أمر مبرر أيضا : أفادت تقارير بأن ترامب تخلص من وزير خارجيته السابق، ريكس تيلرسون، بسبب تعارض وجهات نظرهما بشأن البرنامج النووي الإيراني، الذي ينتقده الرئيس الأمريكي بشدة. وفي حالة بولتون فإن الأمر يختلف ذلك أنه يتفق مع ترامب في رأيه. فقد انتقد بولتون إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لموافقتها على الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015. وقد كتب في العام الماضي يقول إن نص الاتفاقية “خلق ثغرات كبيرة، وإيران تطور الآن صواريخها وبرنامجها النووي من خلال تلك الثغرات”. وفي مارس/ آذار 2015، قبل الموافقة على الاتفاق، كتب في صحيفة “نيويورك تايمز”، قائلا إن “الحل العسكري هو الوحيد لهذه المشكلة، والوقت المتاح محدود ولكن مازالت هناك فرصة لنجاح هجوم، ومثل هذا الإجراء يجب أن يواكبه دعم أمريكي قوي للمعارضة الإيرانية بهدف تغيير النظام في طهران”. ويمثل بولتون جزءاً من معسكر الذين يدعون إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته الدول الكبرى مع طهران في 2015 من أجل الحؤول دون حيازتها السلاح النووي. وهو موقف يتناسب مع وعود ترامب الانتخابية الذي هدد بالانسحاب من الاتفاق في حال عدم تعديله لجهة تشديده.

٣- ليس معجبا بالأمم المتحدة: في خطاب عام 1994، قال بولتون إنه “لا وجود لشيء اسمه الأمم المتحدة، بل هناك مجتمع دولي قد تقوده أحيانا القوة الحقيقية الوحيدة المتبقية في العالم وهي الولايات المتحدة، عندما يتوافق ذلك مع مصالحنا”. وجاء إلقاء هذا الخطاب قبل أكثر من عقد من ترشيح بوش الابن له سفيرا لواشنطن في الأمم المتحدة. ولكن ظل تشككه في دور المنظمة الدولية وعدم خضوعها لدولة معينة قائما. ووصفته الإيكونوميست بأنه “أكثر سفير مثير للجدل أرسلته أمريكا للأمم المتحدة”، ولكنه حظي بالإشادة عندما دافع بشراسة من أجل إصلاح المنظمة الدولية.

4 – حرب العراق لم تكن خطأ : منذ أسابيع قليلة، وصف ترامب قرار غزو العراق عام 2003 بأنه “أسوأ قرار تم اتخاذه”، ولكن في نفس التوقيت تقريبا رفض بولتون، الذي أيد الغزو بقوة، إدانة القرار. وقال عندما تقول إن الإطاحة بصدام حسين خطأ فإن ذلك تبسيط”. وفي عام 2016، كان أقل غموضا تجاه هذا الأمر عندما صرح لصحيفة “واشنطن بوست” قائلا “مازلت مؤيدا للإطاحة بصدام حسين الذي مثّل تهديدا للاستقرار والسلام”.

5 – لابد من التعامل مع روسيا بقوة : وصف بولتون التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية في عام 2016 بأنه “عمل من أعمال الحرب تجاه واشنطن لا يجب أن تتسامح إزاءه”. وعندما التقى ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو/ تموز عام 2017 نفى بوتين ما تردد عن التدخل الروسي. فكتب بولتون حينها يقول “إنه يكذب بفضل تدريبات (الاستخبارات الروسية) كي جي بي”. ومؤخرا عندما تم تسميم العميل السابق سيرغي سكريبال في بريطانيا، وهو الهجوم الذي ألقيت مسؤوليته على روسيا، قال بولتون إن الغرب لابد وأن يرد على روسيا بقوة.

٦ – حل الدولتين ، أمر مستبعد : بولتون المعروفة المعادية لحل الدولتين الذي اعتبره “ميتا” في تصريحات سابقة، ويعرف عنه تأييده لضم الضفة الغربية الى الاردن وقطاع غزة الى مصر. وكان بولتون من المرحبين بقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل في ديسمبر الماضي في قطيعة مع عقود من الدبلوماسية الأميركية، ورفض دولي فيما يتطلع الفلسطينيون الى جعل القدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولتهم المنشودة. وفي ظل جمود مفاوضات السلام، والعلاقة المتوترة بين الأميركيين والفلسطينيين الذين باتوا يرفضون التعامل مع واشنطن بصفتها راعيا للسلام، تثار تساؤلات حول ما اذا كانت الخطة التي قيل ان ترامب سيعرضها ولدت ميتة.

خلاصة القول :

تتجه إدارة الرئيس دونالد ترامب الى المزيد من التشدد في مواجهة القضايا الأكثر سخونة على الاجندة الدولية وخاصة ايران وكوريا الشمالية والشرق الاوسط والتي تعتبر انها مرتبطة بصورة أو باخرى بالاستراتيجية الروسية في الصراع الدولي ألذي بات يأخذ تداعيات اكثر خطورة في الفترة الاخيرة، اعتبر الكثير من المحللين السياسيين انه أعاد الى الاذهان اجواء الحرب الباردة.

وفِي المقابل تبدو إدارة ترامب متوجهة الى المعادلة التقليدية القائمة على تكريس الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني وتجاهل حقوقه العادلة ، والذي كان دائما السبب المباشر للعنف والتطرف في المنطقة والعالم.

مواقف بولتون وإدارة ترامب التي تبدو عنجهية تجاه القضايا الدولية يمكن تفهمها وفق معادلة “عض الاصابع”، باتجاه الدول المتحدية والمعادية للولايات المتحدة وسياساتها، الا ان الامر يبدو غير واضح باتجاه قدرتهم على تغيير منظومة العلاقات الدولية ومحورية دور الامم المتحدة في ارساء الاستقرار الدولي وفق قواعد أرسيت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى