تقرير خاص: مصر وخطر التفتيت المتسارع
مركز الناطور للدراسات والابحاث
تبدت في الآونة الأخيرة مخاوف كبيرة من أن تكون الساحة المصرية الهدف القادم للتفتيت، وغني عن البيان أن مصر احتلت موقعا رئيسيا على خارطة الدول المستهدفة بمشروع التفتيت سواء الأحادي الإسرائيلي أو الغربي والأمريكي على رأسه.
هذا المشروع القديم الجديد تحول إلى أجندة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وللمحافظين الأمريكان ومنذ أربعة عقود ونيف.
ولقد سبق لنا أن أولينا هذا الموضوع المحوري الاهتمام والأهمية فأصدرنا عشرات البحوث وترجمنا عشرات الوثائق الإسرائيلية عبارة عن دراسات وندوات وورش صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية:
- مركز دبان لأبحاث الشرق الأوسط.
- مركز بيجن السادات للدراسات الإستراتيجية.
- معهد أبحاث الأمن القومي.
- معهد القدس للدراسات الدولية.
هذا إضافة إلى مراكز أمريكية ومنها مؤسسة التراث وهي مدرسة المحافظين الجدد التي تخرج كوادر اليمين من الحزب الجمهوري.
للأهمية نشير إلى ندوة على جانب كبير من الخطورة حشد لها العدو دهاقنة الفكر التفتيتي الصهيوني من مستشرقين ومن خبراء في الشؤون العربية بالإضافة إلى قيادات أمنية نظمت في عام 2006 تحت عنوان: “الدولة والمجتمع في العالم العربي يتقوضان”.
ورغم أننا بذلنا أقصى ما في وسعنا لنلفت الأنظار إلى تلك الندوة وخطورتها على جميع أقطار الوطن العربي، إلا أن صوتنا كان صيحة في واد ونفخة في رماد فلم يجد أدنى صدى.
وبدون استطراد في الحديث عن الماضي نرى من المفيد أن نتطرق إلى ما يجري تداوله في دوائر معينة في إسرائيل تتولى ملف إدارة الأزمة في مصر.
وتأسيسا على هذا التداول يجدر بنا أن نشير إلى خلاصة محاضرة ألقاها السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر شالوم كوهين.
هذا السفير تميز عن بقية السفراء الإسرائيليين الذين عملوا في القاهرة منذ عام 1979 بعدة جوانب أهمها:
- أنه جاء إلى مصر لإنجاز عملية اختراق مجتمعي في العمق والدخول إلى صفوف شرائح المجتمع المصري واختراق للعاملين في مجال الإعلام والعمل على فهم حالة الاحتقان الطائفي والاستقطاب من أجل تعميقه وكان متورطا في عدة حوادث في الاشتباكات والصدامات بين المسلمين والأقباط في إمبابة وشبرا وفي أحياء مشتركة يقطنها المسلمون والأقباط في بقية المدن.
- أنه استقطب النخب رجال الأعمال والأكاديميين وقيادات سياسية وأمنية.
- أنه كان يزور مناطق تسكنها كثافة قبطية الإسكندرية والصعيد وكذلك النوبيين في منطقة النوبة.
هذه المناطق مرشحة لأن تكون مساحات للتطبيق.
المحاضرة التي ألقاها يوم الخميس 29 نوفمبر الماضي عنوانها: “مصر والمصير المجهول ومصر إلى أين؟”
يتولى شالوم كوهين مهمة الإجابة على هذا السؤال في محاضرته التي شاركت فيها قيادات سياسية وأمنية وأكاديمية.
الإجابة تتضمن صورة تقييمية استشرافية للأوضاع في مصر على المدى المنظور ليخلص إلى أن مصر أصبحت تواجه خطر التفتيت ليس فقط الديمغرافي بل أيضا الجغرافي بعد أن انقسمت في ظل وصول الإسلاميين إلى سدة السلطة مجتمعيا وطائفيا.
ولإسناد رؤيته وإعطائها مسحة من الجدية والواقعية أورد عدة عوامل تدفع بمصر نحو هاوية التفتيت:
- تفاقم التوترات الطائفية منذ فوز الإخوان المسلمين بمنصب الرئاسة ومن قبل بالأغلبية في مجلسي الشعب والشورى.
هذه التوترات تتجلى في توجس الأقباط من اضطهادهم دفع بهم إلى الاقتناع بأن الحل للخروج من المأزق هو في حق الأقباط تقرير مصيرهم على غرار ما قرره الجنوبيون في السودان، أي أن الأقباط بدؤوا يستدعون التدخل الخارجي لحمايتهم ودرء مخاطر استهدافهم من قبل سلطة إسلامية تسعى لفرض الشريعة الإسلامية.
- تبدد الأمل بقيام نظام ديمقراطي مدني يكفل الحرية للجميع الحرية الدينية والحرية السياسية وحرية التعبير ويضمن مبدأ التداول السلمي للسلطة.
- شيوع سياسة التمييز بين المسلمين والأقباط في ظل نشر ثقافة إسلامية من قبل الجماعات الإسلامية سواء الإسلام السياسي الإخوان المسلمين أو السلفيين.
- تضييق الخناق حول المنظمات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان.
يخرج الباحث في العلاقات الدولية من خلال قراءته لمضمون المحاضرة وتحليلها بالانطباعات التالية:
- أن هذا الخبير الإسرائيلي في الشؤون المصرية والذي يشكل أهم مرجعية في هذا المضمار بوزارة الخارجية ومكتب رئيس الوزراء ومجلس الأمن القومي تحدث عن خيار تقسيم مصر إلى ثلاث دول: دولة إسلامية ودولة قبطية (الصعيد والإسكندرية) ودولة نوبية خيار جدي وحقيقي يتعاظم ويكتسب مزيدا من القوة كلما تدهورت الأوضاع في مصر واتجهت نحو الفوضى.
- تحدث عن عوامل مساعدة على نجاح هذا الخيار تولى توصيفها على النحو التالي:
أ. أزمة مجتمعية بنيوية تعصف بمصر مرشحة للتفاقم مستبعدا إمكانية احتوائها على ضوء قراءته لآخر التطورات في الساحة المصرية، هذه الأزمة لا تطال تأزم العلاقات بين مكونات نسيج المجتمع المصري وإنما تطال مكونات المنظومة السياسية إضافة إلى المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
ب. أنه في ظل الفوضى العارمة التي تعيشها البلاد تنتعش وتتنامى النزعات الانفصالية داخل مصر وتتولد المناخات لتدخلات خارجية سواء على مستوى دول أو منظمات أو جمعيات بعضها قبطية في الولايات المتحدة والعديد من الأقطار وكذلك جمعيات أمريكية مسيحية.
ت. وجود دول ترى أن مصالحها الإستراتيجية يمكن أن تتحقق من وراء تقسيم مصر وتفتيتها كما حدث لدول مثل السودان والعراق والصومال وحتى اليمن.
كوهين أفصح عن بعض هذه الدول: دول إقليمية إثيوبيا جنوب السودان وإسرائيل بالطبع ولم ينس أن يذكر أيضا تركيا وإيران زاعما أن مصلحتهما هي في إخراج مصر من المعادلة الإقليمية.
وترتيبا على ما شدد عليه كوهين في محاضرته حول خطر التفتيت الذي يهدد مصر فإنه ليس من معاد القول أن خطورة ما طرحه كوهين تتجاوز نطاق مضمون محاضرته إلى أبعد ذلك فكوهين اختاره وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان لكي يتولى إدارة الملف المصري بكل مجالاته بما فيها العمل على مفاقمة الوضع والعلاقات بين مكونات المجتمع المصري وصولا إلى الهدف الإستراتيجي تقسيم مصر.
باختصار مهمته تتركز على تنفيذ وتحقيق أجندة تفتيت مصر وهي مهمة باشرها عندما كان يقبع في مبنى السفارة الإسرائيلية في الجيزة.
ولا يفوتنا أيضا أن ننوه بأن ليبرمان يدير ملف العلاقات الإفريقية حيث تحتل مسألة تأزم العلاقات بين دول حوض النيل دول المنبع إثيوبيا وأوغندا وكينيا ودولة الجنوب ودول المصب مصر والسودان أهمية مركزية بالنسبة لإسرائيل بالنسبة لليبرمان حيث يعول عليها لإضعاف مصر وفي دفعها إلى أحضان أزمة بنيوية يتعذر حلها.
المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي