تقرير خاص تقييم لحصيلة الحملة العسكرية الإسرائيلية حتى صبيحة يوم الجمعة
مركز الناطور للدراسات والابحاث
للوهلة الأولى منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة عبر شن سلسلة من الهجمات الجوية أسفرت عن استشهاد القائد أحمد الجعبري ثم مهاجمة ما زعم أنه مخزونات ومستودعات للصواريخ عمدت إسرائيل إلى رسم ملامح هذه الحملة بل وتحديد خواتيمها على أساس أنها حسمت، والحسم الإسرائيلي وفق ما عبر عنه كبار القادة السياسيين والعسكريين وتحديدا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك تمثل في اختطاف أهم مكونين من مكونات القدرة الفلسطينية:
الأول: القدرة الصاروخية لدى الفصائل الفلسطينية والتي تشكل سلاح ردع وتنتج قدرة على الرد على أي عدوان، وهو رد يعتبر في العرف العسكري أنه رد مؤثر لأنه يطال قلب إسرائيل الديمغرافي والاقتصادي والإستراتيجي ممثلا في منطقة تل أبيب وضواحيها.
2-مقتل أحد كبار القادة العسكريين لدى الفصائل الفلسطينية الذي اعتبرته إسرائيل الهدف الأول لها وسعت إلى الوصول إليه بشتى الوسائل لقطع رأسه، لكي تولد وتعظم من حالة الإحباط لدى الفلسطينيين بحيث يقولون لا أمل بعد الآن، إسرائيل عادت إلى سطوتها وعادت إلى امتلاك القوة التي لا تقهر ولا تغلب، وهي مقولة أنتجتها وأفرزتها هزيمة الدول العربية في عام 1967 عندما راح قادة العدو وعلى رأسهم موشي ديان ورهط من الجنرالات من أمثال حائيم بارليف وأريائيل شارون والجنرال شموئيل جونين والذي بلغ به الجنون والغلو إلى حد ترديد عبارته : رنونا بأبصارنا إلى الموت فكان أن طأطأ الموت رأسه خجلا منا.
وجاءت التطورات في ما بعد ليس فقط لتطيح بهذه المقولة وإنما بقائلها عندما هزم في جبهة قناة السويس عام 1973 وفقد السيطرة وأصيب بحالة انهيار فلم يعد بمقدوره أن يدير المعركة فسحب منها ثم بعد ذلك مات كمدا وغيظا بل وخجلا.
من تابع ودقق البيانات والتقارير الإسرائيلية التي صدرت بعد ساعات من الهجوم في يوم الأربعاء 14 نوفمبر وتحديدا من قبل وزير الدفاع إيهود باراك ثم رئيس الأركان الجنرال بيني جانتز وكذلك قائد المنطقة الجنوبية الجنرال طال روسو استشف أن المعركة قد حسمت لصالح إسرائيل وأن إسرائيل استردت قوتها الردعية بعد أن سلبت الطرف الآخر وهو الطرف الفلسطيني هذه القدرة ممثلة في قدرتها الصاروخية وذراعها الطويل ثم في قياداتها القادرة والمقتدرة.
ولم تمض على هذا العدوان سوى ثلاثة أيام حتى راحت تتكشف الحقائق ويتبدى زيف وسفور التضليل الإسرائيلي والتهويل المتغول في مبالغته.
من بين هذه الحقائق:
1-أن المقاومة الفلسطينية بفصائلها أشهرت ذراعها الطويل وبدأت تستخدمه لتسديد الضربات إلى أهم المعاقل الإسرائيلية التي لم تصلها على مدى أكثر من ستة عقود أي ذراع عربي، ونقصد بهذه المعاقل مدينة تل أبيب قلب إسرائيل وضواحيها ومدن مثل رحوفوت وريشون تسيون وبني باراك وحولون بالإضافة إلى كريات ملاخي وأسدود وبئر السبع وجميع المدن الواقعة في المنطقة الجنوبية وعلى هوامش المنطقة الوسطى بل وفي وسطها.
انهارت مزاعم وزير الدفاع الإسرائيلي وقادة الجيش الإسرائيلي أن ذراع المقاومة الطويل قد بتر ولن يكون بعد بتره قادرا على ملامسة أي هدف إسرائيلي خارج غلاف قطاع غزة.
وليس أدل وأبلغ على هذه الحقيقة من أن وسائل الإعلام الإسرائيلية التي فرض عليها التعتيم وحظر عليها نشر أية معلومات عن استهداف المعاقل الإسرائيلية والمدن الإسرائيلية والأهداف الإستراتيجية وحتى القيادات الإسرائيلية راحت تعترف بأن كل البيانات وكل التصريحات وكل التقارير وكل التحليلات الإسرائيلية كانت بمثابة ذر للرماد في الأعين والدليل أن تل أبيب ضربت بصواريخ فجر5 ولعدة مرات، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اضطر لأن يهرب من مكتبه ليلجأ إلى الملجأ وأن قيادة القيادة العامة في تل أبيب نزلت إلى خندق تحت الأرض وأن سكان تل أبيب يبحثون عن طوق نجاة في مناطق أخرى يلجؤون إليها، وهو ما أثار التشفي والسخرية لدى سكان الجنوب من سكان تل أبيب والمنطقة الوسطى لأن المنطقة الجنوبية أدمنت على تلقي الضربات الصاروخية وظلت عرضة للقصف الصاروخي على مدى سنوات.
2-أمام الانهيار الشامل في معنويات التجمع الاستيطاني الإسرائيلي في جميع المناطق حتى في المنطقة الشمالية التي لم تتعرض حتى الآن لأي قصف من أي سلاح كان مصدر الخوف لدى المستوطنين في المنطقة الشمالية هو هاجس حزب الله وفي أن يضغط على الزناد لتنهال شئابيب النار على رؤوسهم كما حدث في عام 2006.
يكفينا أن نشير إلى أن أحد الملاحظين في الداخل الفلسطيني وهو باحث وخبير في الشؤون الأمنية يشخص الحالة المعنوية بين صفوف المستوطنين بأنها الأسوأ في تاريخ إسرائيل وبأن هذه الحالة ستتفاقم إلى أبعد من هذا المدى وهذا التأزم إذا ما طالت الحرب أو إذا ما فتحت جبهات أخرى لديها من القدرات الصاروخية ما بوسعها أن تلحق بإسرائيل عمليات انكسار نفسي غير قابلة للعلاج.
إزاء هذا التدهور وإزاء انكشاف وافتضاح المبالغات الإسرائيلية راحت القيادة السياسية والعسكرية تبحث عن وسائل لاحتواء هذه الآثار وذلك من خلال الآتي:
أولا: تصعيد غير مسبوق في الغارات الجوية على قطاع غزة حتى أن عدد الغارات في ساعة واحدة من صباح يوم الجمعة بلغ 22 غارة وبلغ مجموع الغارات حتى صبيحة يوم الجمعة 330 غارة.
الذرائع والمبررات التي تروجها هذه القيادات عن هذا التصعيد في الهجمات الجوية تتلخص في الادعاء بأنها عملية تليين أو تهيئة الساحة والميدان لكي تتقدم القوات البرية لتحسم المعركة، اعترافا بأنه ليس بمقدور سلاح الجو أن يحسم المعارك والحروب حتى في ساحة كساحة قطاع غزة التي تعتبر ساحة تتعذر فيها المناورة وتفتقد إلى العمق الإستراتيجي.
2-التلويح بعمليات الاقتحام البري وذلك بتحريك قوات برية تتقدم القوات الخاصة والمظليين وقوات جفعاتي وجولاني ثم المشاة المؤلل وكذلك الدروع والتي تلامس الخط الفاصل بين غزة وبين الأراضي الفلسطينية المحتلة.
3- الغارات المكثفة حيث شن يلاح الجو الإسرائيلي 22 غارة في وقت واحد صياح اليوم تتركز على مدينة غزة من أجل تقويض ليس فقط البنى التحتية والمؤسسات والدوائر وهي تعتبر أهداف مدنية وإنما في التركيز على السكان من أجل إلحاق الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين، في نطاق ما سمي بردع السكان عن دعم المقاومة والفصائل الفلسطينية وهو ما ورد في المنشورات التي أسقطت على القطاع خلال الأيام الثلاثة الأخيرة.
هذه الغارات شنت حتى عندما كان رئيس الوزراء المصري هشام قنديل يزور القطاع وهو قادم من أجل التأثير على موقف الفصائل الفلسطينية لتقبل التهدئة والهدنة بعلم من إسرائيل وبتكليف من الرئيس المصري الذي تجاوب وتفاعل مع دعوات انطلقت من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أي الدول الغربية التي لم تجد غضاضة أو تحرجا في دعمها ووقوفها إلى جانب إسرائيل واعتبار ما تقوم به من عدوان وعمليات قتل وتدمير بأنه عمل مشروع.
ولكي نقف على نتائج هذا العدوان الذي باشرته إسرائيل على مدى 3 أيام حتى الآن لا بد من التطرق إلى محصلة العدوان ونتائجه في الجانب الفلسطيني وفي الجانب الإسرائيلي أي أن نورد كشفا بالمعطيات حول خسائر الطرفين هذا مع التأكيد والتشديد على الفارق في هذه المعطيات والناجمة أصلا عن التفوق الإسرائيلي الكاسح بكل مكوناته، ورغم ما ورد من معطيات تؤكد أن إسرائيل ألقت خلال الأيام الثلاثة الأولى من العدوان كميات من النيران والحديد والنار ضعف ما استخدمته طوال عملية الرصاص المسكوب في أواخر عام 2008 والتي استمرت 23 يوما.
أولا في الجانب الإسرائيلي:
عدد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها حتى صبيحة الجمعة: 650 صاروخ وقذيفة.
المدن التي قصفت:بئر السبع، عسقلان، أسدود، أوفكيم، زيكيم، مفتاحيم، إشكول، كريلات ملاخي، جان يفني، كريات جات، شعار هنيجف، حولون، بات يام، تل أبيب، بني باراك، ريشون تسيون.
الخسائر : 8 قتلى و46 إصابة.
الجانب المعنوي هناك مظاهر الانهيار النفسي والانكسار في مقابل اعترافات بأن المعنويات في قطاع غزة مرتفعة للغاية بل أن العشرات من المؤشرات والدلائل أن التلويح والتهديد بالهجوم البري لا يثير أي حالة من الخوف والهلع بل هناك الاستعداد لمواجهة مثل هذا الهجوم إن حدث.
مكونات القوة المستخدمة في الحرب: ما بين 150-180 طائرة مقاتلة.
الحوامات غابت عن سماء المعركة يعزى ذلك إلى وجود وسائل مضادة لدى المقاومة.
الطائرات التي زج بها في الحرب لا تتموضع فقط في القواعد الجوية المتواجدة في الجنوب حاتسريم حاتسور تل نوف وعوفدا وبلماحيم وريمون، وإنما دفع بتعزيزات جوية من قواعد في المنطقة الشمالية وعلى الأخص قاعدة رامات دافيد التي تعتبر أكبر القواعد الجوية المكلفة بالتعامل العملياتي مع الجبهة الشمالية بجناحيها اللبناني والسوري ثم الجبهة الأردنية والعراقية.
ثانيا: الجانب الفلسطيني: 20 شهيد بينهم ستة أطفال، و245 جريح.
المـركز العربي للدراسات والتـوثيق المعلـوماتي – يوم الجمعة 16/11/2012