اسرائيل اليوم – مقال – 31/10/2012 يوجد حد: دعوا شمعون بيرس
بقلم: يوسي بيلين
من الخطأ ان يُعرض على شمعون بيرس الآن وقد بلغ التسعين من عمره ان يعود الى الساحة السياسية.
كان شمعون بيرس في فترة ولايته الاولى قبل ثلاثين سنة تقريبا في رأي كثيرين أفضل رئيس وزراء تولى المنصب. فلم يسترح لحظة واحدة بل أنقذ اسرائيل حينما تدهور اقتصادها الى هاوية مئات الدرجات المئوية من التضخم المالي بواسطة خطة اقتصادية جريئة، وأخرج الجيش الاسرائيلي من عمق لبنان الى الشريط الامني، وأنهى الاختلاف مع مصر في مستقبل طابا وأعاد العلاقات بين الدولتين الى التطبيع. وهذه قائمة جزئية فقط. كانت له فترة ولاية قصيرة بلغت 25 شهرا في تناوب مع اسحق شمير. وبعد مقتل اسحق رابين فقط عاد الى هذا المنصب لاشهر قليلة، وفي الانتخابات المباشرة لرئاسة الوزراء التي تمت في 1996 خسر أمام بنيامين نتنياهو بأقل من درجة مئوية واحدة.
ان بيرس الذي اعتبر في كل سنيه صقرا أمنيا إذ كان المدير العام لوزارة الدفاع، ونائب وزير الدفاع تحت سلطة دافيد بن غوريون، ووزير الدفاع تحت سلطة اسحق رابين، أصبح يُماهي أكثر من كل انسان آخر الاستعداد لمصالحة على المناطق، ويراه المتطرفون مثل كل الزعماء في جميع العصور الذين أرادوا المصالحة من اجل شعوبهم، يرونه انه يريد مصلحة العدو. فقد كشفوا في معارك انتخابية عاصفة عن ان والدته عربية وكان ناس صدقوا ذلك. وتحول “سيد الأمن” الى شخص مختلف فيه وهكذا بقي ايضا حينما فاز مع رابين وعرفات بجائزة نوبل للسلام. ان خسارته في الانتخابات الداخلية أمام عمير بيرتس وانضمامه الى اريئيل شارون لانشاء كديما أديا به الى منصب رئيس الدولة الذي لم يفز به في سنة 2000 حينما خسر في الكنيست للرئيس السابق موشيه قصاب.
كان انتخابه رئيسا بمثابة عدل شاعري. فالشخص الذي لم يستسلم لعمره الذي كان مدة حياته كلها رجل عمل واضحا، وعرف كيف يوقع على أوتار السلطة ليحرز أهدافه في جميع المناصب الكثيرة التي تولاها في السبعين سنة الاخيرة، نجح في جعل بيت الرئيس عنوانا يطلبه قادة العالم ورؤساء الجمهور في اسرائيل جدا، بل ينقذ أكثر من مرة صورة اسرائيل في العالم ويؤثر – من وراء ستار في الأساس – في مجريات الأحداث. ولم يمض زمن كثير حتى أصبح الشخص الأكثر شعبية في اسرائيل. والذي منحه هذا المقام هو التأليف بين الخبرة العظيمة بادارة الجهاز والقدرة على جعل المنصب التمثيلي الخالي من الصلاحيات عملا ذا شأن، وكذلك حقيقة انه لم يكد يدخل في اختلافات عقائدية، واحتضن خصومه في الايام الخوالي الى جانب انه أصبح شيخ القبيلة.
ان نقص زعماء بارزين عن يسار الليكود يفضي في الاسابيع الاخيرة الى وجود من يحجون الى منزل الرئيس ويعرضون عليه ان يعود الى الساحة السياسية كي يترأس معسكرا سياسيا ويوحد معسكر السلام خلفه. وأنا أتفهم جيدا مرارة قلوب من يتوجهون اليه لكن لا شك عندي في أنهم يظلمونه. ان بيرس قد نجح في اغلاق دائرة فقد أدخل الحياة الى بيت الرئيس وحظي بدعم شخصي كبير لأنه جعل الاختلاف من ورائه. والعودة الى الساحة هي عودة الى الاختلاف، والعودة الى الاختلاف ستُبعد عنه فورا من لا يؤيدون مذهبه السياسي، لكنهم يحبونه حينما يكون ممثلا للأمة.
كان بيرس يستطيع ان يكون رئيس وزراء رائعا سنين كثيرة، ومن المؤسف انه تولى ذلك المنصب زمنا قصيرا جدا. وهو بصفته رئيس الدولة، من المؤكد انه أفضل رئيس كان لاسرائيل. سيكون من الخطأ في التسعين من عمره محاولة ان يُعرض عليه العودة الى حلبة الملاكمة.