إميل أمين: كيفن روبرتس والعصر الذهبي لأميركا

إميل أمين 16-6-2025: كيفن روبرتس والعصر الذهبي لأميركا
هل الولايات المتحدة الأميركية بالفعل على عتبات عصرٍ ذهبيّ جديد، يتّسق والشعار الذي رفعه الرئيس دونالد ترمب MAGA أو جعل أميركا عظيمة مرة أخرى؟
نهار الخامس من يوينو/ حزيران الجاري، ألقى كيفين روبرتس رئيس مؤسسة التراث الأميركية، خطابًا في مؤتمر أكاديمية الفلسفة والآداب في كوليدج بارك بولاية ماريلاند، ينبغي التوقف أمامه بعناية، لا لما وَرَد فيه من خطوط طول وعرض تتقاطع بين ماضي أميركا وحاضرها وربما مستقبلها فحسب، ولكن بسبب صاحب الخطاب نفسه وأهميته على الصعيد الفكري الأميركي في ولاية ترمب الثانية بنوع خاص.
من هو كيفين روبرتس بادئ ذي بدء؟

المؤكد أنه عقل مركز التراث الضارب، وقيادته في وقت مثير جدًّا أميركيًّا وعالميًّا، ويبدو الرجل وكأنه قابضٌ على جَمْر ربما أخطر مشروع في تاريخ أميركا في القرن الحادي والعشرين، أي مشروع 2025.
والثابت أن كيفين روبرتس في حاجة إلى قراءات معمقة، فهو الرجل الخفي الذي يحلم على ضوء الفجر، بحسب مؤلفه الأخير والخطير، حيث تمتلكه رؤى لحرق واشنطن الحالية، والسعي في طريق واشنطن مغايرة من حيث العقل والنقل للوصول إلى أميركا مختلفة.
مهما يكن من أمر شخص روبرتس، فإن ما أشار إليه في خطابه الأخير ربما هو ما يستحق المشاغبة الفكرية والسياسية، والتساؤل عن حقيقة ما قاله من عدمه.
يعترض روبرتس على الذين كانوا يتقَوَّلون بأن أميركا في طريقها إلى التفكيك والانهيار، أو أن شعبها منقسم ومؤسساتها منهارة للغاية، ويتوقف بنوع خاصٍّ عند أولئك الزاعمين أن الأساس الأخلاقي متداعٍ إلى حدٍّ لا يمكن التعافي منه أبدًا.
يحاجج روبرتس بأن أميركا في 2025 عائدة بقيادة ترمب، وأنها ليست في حالة تراجع ويأس بل في الساعات الأولى المنعشة من التجديد الوطنيّ.
عطفًا على ذلك يقطع بأن البلاد والعباد يشهدون فجر عصر ذهبي، ليس بفضل رجل واحد، أي ترمب، وإن كان يرى أنه قدم نفسه ككبش فداء، بهدف هدم حصن الطبقة الحاكمة، بل بفضل ما تتيحه هذه اللحظة من إمكانية العودة ليس فقط إلى القوة أو الرخاء أو السيادة بل إلى الأمور الدائمة من الثوابت الأميركية.
هل هناك بالفعل صحوة شعبوية أميركية داخلية، لا تتسم بملامح ومعالم اليمين المتشدد أو المتطرف، وإنما بالحفر عميقًا في روح أميركا الآباء المؤسسين؟
يقطع روبرتس بأن أميركا تشهد لحظات مفصلية في ظلّ انهيار من يسمّيه “التكنوقراطية الليبرالية”، ويرى أن واشنطن تقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة أو بالأحرى قديمة جديدة. ماذا يعني الرجل الذي يقف على رأس هذه المؤسسة التي باتت تعتبر حجر زاوية إدارة ترمب الحالية؟
من الواضح أنه يشير إلى الفكرة والرغبة في تجديد الجمهورية الأميركية، لا من خلال المصطلحات الإدارية أو التوجهات النيوليبرالية، بل عبر مبادئ النظام الأخلاقيّ، والحكم الذاتيّ، والهدف الوطنيّ، والكرامة الإنسانية.
ينظر روبرتس إلى الماضي الأميركي عبر العقود الأخيرة الفائتة نظرة سلبية للغاية، ذلك أنه يعتبر ما كان “عصر مظم وعصر انقلاب”.
يبرر ذلك بأنه لعقود طويلة بيعت كذبة مفادها أن النمو الاقتصادي وحده كفيل بدعم الأمة، وأن الحرية قادرة على البقاء من دون فضيلة، وأن الأسس الثقافية قابلة للتضحية، ما دامت أسواق الأسهم ترتفع، والناتج المحلي الإجمالي يرتفع.
يعترض روبرتس جذريًّا على مفاهيم سادت طويلًا قيل فيها إن الحرية تعني التعبير عن الذات، لا الحكم الذاتيّ، وأن السوق هو الذي سيربي الأطفال، وأنه ما دامت التقارير الفصلية قوية، فالوطن قويّ.
تحمل كلمات روبرتس بالفعل على نقد الذات الأميركية لا جلدها، ويتوقف بنوعٍ خاصٍّ عند حجر الركن الأهم في أي مجتمع ناجح أي الأسرة.
يعود بنا روبرتس على ما قالته الخبيرة الاقتصادية روياك موريس عام 1998، من أن “لا الحكومة ولا السوق بديل عن الأمهات والآباء”. هذه هي الحقيقة التي تجاهلها التكنوقراط ورفضها الليبراليون الجدد.
للذين يتساءلون لماذا انحدرت أميركا، فإن صميم الانحدار الوطني، والتآكل الاقتصادي والانهيار القيمي والأخلاقي، إنما يعزى إلى العائلات الأميركية التي تآكلت أولاً، بسبب ما تتعرض له المؤسسات التي تساهم في تكوين رجال ونساء ذي شخصية قوية، الكنيسة والأسرة والمدرسة والحيّ، هذه جميعها هناك من عمل جاهدًا على تفكيكها عمدًا.
هل هذه المنظومة المهترئة بحسب روبرتس تواجه الآن وقت الحساب وعصر الانقلاب على الانقلاب المظلم السابق؟
يقطع الرجل الذي يوسوس في أذن سيد البيت الابيض بأنه قد أعيد رسم الخريطة السياسية للحزب الجمهوري، واليوم أصبح الأميركيون من الطبقة العاملة، رجال ونساء مدن الصلب، والمجتمعات الزراعية، والمقاطعات الجنوبية ومنصات النفط، في قلب الحراك السياسي الأميركي الساعي للنهضة الأميركية المتجددة، أما النخبة من الإداريين المحترفين، الذين ادّعوا يومًا ما أنهم يتحدثون باسمهم، فقد وجدوا أنفسهم الآن مشردين إلى الأبد.
هل ما تشهده الولايات المتحدة في ظِلّ الـ”ماجا” هو نوع من أنواع التحولات في التحالفات؟
بالقطع لا، بل إعادة تعريف جذرية للهدف السياسي الذي تسعى الولايات المتحدة الأميركية وراءه، وعبر قيادة الرئيس ترمب تستعيد أميركا شغفها بالعمل والإنتاج والاستقلال، وتستعيد القيام بالأمور الصعبة، وتشهد عودة إلى اقتصاد وافر يخدم الشعب الأميركي.
يقدم لنا روبرتس في حقيقة الأمر ما يقارب الرؤى اليوتوبية بأكثر مما تعرفه الولايات المتحدة من براغماتية ضاربة جذورها في أعماقها، فهو يؤكد أن الوفرة التي يتحدث عنها ليست مادية فحسب، إنها ليست مجرد طاقة ونطاق ترددي وسرعة توصيل. إنّها ليست مجرد أحدث وأروع نسخة من الذكاء الاصطناعيّ… ماذا إذن؟
أجندة الوفرة الحقيقة التي يراها روبرتس، تبدأ من عند الإيمان وتمتد عبر العائلة والعبادة إلى دوائر السيادة والتضحية.
إنها وبحسب تعبيره الوفرة التي تبني المنازل لا البيوت المهجورة، الوفرة التي تكرم الأطفال، لا ذوي الدخل المزدوج، والتي تعيد بناء المؤسسات المحلية وتحترم كرامة الأسر العاملة.
المثير جدًّا أنه في نهاية خطاب كيفين روبرتس، انتقل الرجل إلى منطقة فكرية مغايرة، عنوانها “انتهت أيّام اللعب الدفاعيّ”، وأقر بأنه حان الوقت للهجوم بجرأة لتحدي مؤسسات التيارات الظلامي في الداخل الأميركي، والتفوق عليهم تعليميًّا وإعلاميًّا، قانونيًّا ومجتمعيًّا، وكشف أكاذيبهم، وتحطيم أصنامهم، وبناء نظام أخلاقيّ وسياسيّ واقتصاديّ يعكس إرادة الشعب وحقائق الطبيعة وسَيّدها الكونيّ.
يعتبر روبرتس أن مهمة أميركا اليوم تتمحور حول فكرة إنقاذ الحضارة الغربية واستعادة ما فقدته، بل أيضًا ما لم يتحقق بالكامل أبدًا.
هل يتفق القارئ بالمطلق مع هذه الرؤية أم أن هناك حاجة حقيقية لقراءة نقدية لها لا سِيّما في ضوء ما يحدث في ولايات كبرى مثل كاليفورنيا وتكساس ونيويورك وفلوريدا، وجميعها تكاد تنفلت من إطار الفيدرالية إلى مربّعات الكونفيدراليّة؟
إلى قراءةٍ قادمة مكمّلة ومتمّمة بإذن الله.