يديعوت – بوتين ليس عبقرياً وكييف ليست كالخليل

يديعوت ٢٨-٢-٢٠٢٢م – بقلم: سيفر بلوتسكر
للمعنيين في المقارنات التاريخية أوصي بقراءة الكتاب التاريخي لمارتين غيلبرد “تاريخ القرن العشرين” في أيلول 1938. يلقي طاغية ألمانيا النازية أدولف هتلر خطاباً يبث إلى أرجاء أوروبا يفصل فيه مطالبه من تشيكوسلوفاكيا المجاورة. يقول فيه إن تشيكوسلوفاكيا ليست دولة شرعية، بل جملة من القبائل والأعراق التي يتحكم بها سوفيات ويهود. وإن حكومتها الإجرامية تلاحق وتعذب وتقتل أبناء الأقلية الألمانية، وبالتالي “لا مفر لألمانيا النازية غير مد يد مساعدة النجدة للإخوان المقموعين وتحريرهم”. في المرحلة الأولى، من خلال ضم أراضٍ ذات أغلبية ألمانية إلى الرايخ الألماني الثالث، ومن المفضل بالتوافق، وإلا فبالقوة.
خذوا هذا الخطاب اللعين الذي استقبلته لندن وباريس حينذاك بتفهم وبأكثر من مجرد موافقة، وبدِّلوا كلمة “تشيكوسلوفاكيا” بـ”أوكرانيا” و”الأقلية الألمانية المضطهدة” بـ”الأقلية الروسية المضطهدة”، ومع بعض تعديلات التحرير والأسلوب، وسيكون لكم خطاب قيادة الكرملين الحالية لتبرير الغزو لأوكرانيا.
لكن فليحيا الفرق الكبير. في خريف 1938 صادقت حكومتا بريطانيا وفرنسا على الإنذار النازي ووقعتا في ميونخ على اتفاق استسلام، ينقل أجزاء من تشيكوسلوفاكيا إلى سيطرة هتلر دون إطلاق رصاصة واحدة. أما الآن فالعالم – باستثناء بضع دول في محور الشر الجديد، بينها إيران وفنزويلا وسوريا – يرفض المطالب الروسية تجاه أوكرانيا ويتعاطى مع بوتين كدكتاتور خطير صُممت شخصيته في أثناء خدمته في الـ”لكي.جي.بي” السوفياتي.
صحيح أن الغرب الديمقراطي لم يبعث بجنوده إلى أوكرانيا، ولكنه يهاجم النظام الروسي بواسطة عقوبات اقتصادية وتكنولوجية ومالية هدامة ومتعددة المراحل تمس بالحلقات الأكثر كشفاً للنظام. وسيكون تأثيرها العام هداماً، وستؤلم خصوصاً السياسيين وأرباب المال في قمة السلطات الروسية، وستضعضع الأساسات – المتضعضعة أصلاً – للاقتصاد.
أحياناً، يكون الأبيض ببساطة أبيض، والأسود أسود. هذا الوضع الآن بين روسيا وأوكرانيا. لا يوجد هنا “من جهة ومن جهة أخرى” ولا يوجد “هم أيضاً مذنبون”، بل ثمة تطلع إمبريالي من الكرملين لاحتلال دولة مجاورة وضمها كحجر أساس للقيصرية الروسية المتجددة، وثمة مقاومة شجاعة من الحكومة المنتخبة الديمقراطية من كييف ومن الشعب الأوكراني للعدوان والاحتلال.
عندما يكون الأبيض أبيض والأسود أسود فبالمقدور التحرر من الدعاية الروسية. لا، كييف ليست مهمة لروسيا مثل الخليل لليهود. فالقومية الأوكرانية انفصلت عن الروسية قبل سنوات جيل، وتعاظمت عقب سياسة التجويع الجماعي للسكان الأوكرانيين من قبل ستالين في الثلاثينيات.
لا، لم يتصرف الغرب بـ”غرور” وبـ”عدوان” تجاه روسيا. إلا إذا كان الغرور والعدوان يعرفان كدعم – محدود ومتردد – لقوى ديمقراطية وليبرالية. لا، روسيا لم تغز أوكرانيا كي تحمي الأقلية الروسية و/أو لتمنعها من الانضمام إلى حلف الناتو، بل كي تجسد حلم إعادة إقامة الإمبراطورية الروسية الكبرى. ولا، فبوتين ليس عبقرياً استراتيجياً يكشف عجز الغربـ بل هو أعاد ترميم “الناتو” بعدوانه، رفع مستواه من نادٍ للمداولات إلى سور واق عسكري، وأخطأ تماماً في تقدير التطورات في ميدان المعركة وميدان المواجهة السياسية – الإعلامية.
حربه ضد أوكرانيا لم توفر دليلاً على التفوق التكنولوجي المزعوم للجيش الروسي، بل العكس، أعطت دليلاً واضحاً على دونيته وتخلفه العميقين. روسيا بوتين معزولة، مكروهة وضعيفة. ويقال في صالح رئيسها إنه يعرف كيف يتراجع أمام العوائق غير المرتقبة. حتى هنا على الأقل.
شعرت بالفخر عندما أطلق وزير الخارجية يئير لبيد الشجب العلني لعدوان موسكو، وشعرت بغضب وحرج من المحللين الإسرائيليين الذين أصبحوا عمياناً عن رؤية الأسود والأبيض في حرب أوكرانيا، بل واستوعبوا رواية الحكم الروسي ومبرراته الواهية للغزو. يبدو أن الفكرة الكاذبة وبموجبها “بوتين أحلى رجل، الغرب أرانب متعالون” منتشرة في إسرائيل انتشاراً واسعاً تقريباً كأننا حول أسوار الكرملين. إن الإعجاب بالقوة وبنزعة القوة تفقد الكثيرين صوابهم وتشوش عقولهم.



