يديعوت احرونوت: معاضل إسرائيلية، قرارات امريكية

يديعوت احرونوت – ميخائيل ميلشتاين – 31/8/2025 معاضل إسرائيلية، قرارات امريكية
احدى المداولات الجدية التي أجريت حتى اليوم في مسألة “اليوم التالي” في غزة أجريت الأسبوع الماضي – لكن في واشنطن، برئاسة الرئيس ترامب ومشاركة محافل غير إسرائيلية، باستثناء “ظهور ضيف” للوزير ديرمر. هذه مقدمة لثغرة مزدوجة في سلوك إسرائيل الذي يأخذ في الاحتدام: من جهة، الخلل “القديم” المتعلق بغياب استراتيجية مرتبة في موضوع مستقبل غزة، وهو الامر الذي يلزم مثلا بتعريف من هي تلك الجهة المجهولة التي ليست حماس او السلطة الفلسطينية التي ستحكم المنطقة، وكم من الوقت تعتزم إسرائيل البقاء فيها؛ ومن الجهة الأخرى – حقيقة أن قسما كبيرا من القرارات المصيرية المتعلقة بإسرائيل منوطة بالمزاج السائد في الغرفة البيضوية.
كل خطوة دراماتيكية اتخذت في السنة الأخيرة لم تتحقق عمليا الا بعد تلقي ضوء اخضر من واشنطن. وكان الامر بدأ حتى قبل أن يؤدي ترامب اليمين القانونية رئيسا، حين حث نتنياهو على الموافقة على وقف النار السابق في غزة؛ واصل المعركة ضد ايران؛ يكمن في الضغط على إسرائيل بتغيير سياستها المتصلبة في الموضوع الإنساني في القطاع؛ وعبر عن نفسه مؤخرا في الانتقالة الحادة التي نفذتها إسرائيل من الهجوم على مراكز الحكم في سوريا الى مفاوضات مباشرة معها – بتوجيه من واشنطن التي تؤشر أيضا الى أنه يحتمل ان يتعين على نتنياهو أن يقيد عمله العسكري “الروتيني” في سوريا وفي لبنان.
في أوساط الكثير منا في حكومة إسرائيل يعتبر ترامب كفرصة استراتيجية، وفي نظر كثيرين آخرين كأساس مركزي في “عصر المعجزة” الذي يمر على إسرائيل منذ 7 أكتوبر. تعلق اليه آمال في أن يسمح بتحقيق أمانٍ أيديولوجية قديمة، مثل احتلال وضم أراض في غزة وفي الضفة، خوض معركة مريرة بلا حدود زمنية في القطاع، وانشغال عملي علني وثابت بالنسبة لتحرير أو تشجيع هجرة الفلسطينيين. كل هذا – رغم النقد المتزايد على إسرائيل من جانب العالم في كل تلك المواضيع.
تأخذ إسرائيل رهانا استراتيجيا عظيما من حيث الاعتماد شبه المطلق على ترامب، وذلك على أساس مفهوم جديد في أنه في كل قرار، خطوة أو اعلان سيقف الى جانبنا ويحمينا من الضغط الدولي. في اعقاب الاستخفاف بكل جهة ليست الولايات المتحدة علقت إسرائيل مؤخرا في أزمات مشتدة مع دول أساسية أخرى، بما فيها الأصدقاء: الحراكات الأصعب هي حيال فرنسا التي من المتوقع لها ان تتصدر في أيلول الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية. لكن توترات واضحة أيضا حيال استراليا، بريطانيا وكندا بل وألمانيا التي وإن كانت أعلنت انها لن تعترف بدولة فلسطينية، لكنها تقيد تصدير السلاح الى إسرائيل.
ان الثقة التي تبثها الحكومة في الموضوع الدولي تمنع الإسرائيليين عن تمييز التحديات: النقد الدولي من شأنه أن يصبح أيضا عقوبات اقتصادية سيشعر بها كل إسرائيلي. يميل ترامب لان يغير بحدة وبشكل مفاجيء مواقفه، وبعض من أفكاره هي خيالات غير قابلة للتحقق (وعلى رأسها الريفييرا الغزية التي تتمسك بها حكومة إسرائيل بتزمت).
لا يوجد يقين في أن يوفر رؤساء امريكيون في المستقبل اسنادا كذاك الحالي. وبالطبع لاحتلال غزة (بعضها او كلها) او لخطوات ضم في الضفة، مثلما يهدد (وعمليا ينفذ) مسؤولون كبار في الحكومة، سيكون ثمن باهظ حيال العالم.
قرار ترامب في الأيام الأخيرة منع وصول مسؤولي السلطة الفلسطينية الى الأمم المتحدة في نيويورك يفترض ظاهرا أن يرضي إسرائيل وكأن الامر سيضر بالاعتراف الدولي الواسع بدولة فلسطينية. اما عمليا، فلا يبدو أن الخطوة ستحبط النوايا المعلنة لمعظم دول الغرب بل ويحتمل أن يولد ردا مضادا من حيث تعميق الدعم للفلسطينيين كرد على الانحياز التام من جانب ترامب نحو إسرائيل.
لكن قبل 5 سنوات وقف نتنياهو وترامب امام معاضل مشابهة. في 2020 أعلنت الحكومة عن الرغبة في النظر في ضم مناطق في الضفة بل وجرى حديث حول بناء في المنطقة E1 قرب معاليه ادوميم (خطوة تستهدف منع إمكانية إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل إقليمي في المستقبل)، لكن في حينه أوقف الرئيس الخطوة واساسا من خلال امتشاق اتفاقات إبراهيم وخطة القرن.
هذه المرة لا يلوح سحر مشابه. التوتر في العالم العربي يشتد في ضوء المعركة في غزة ولا توجد أي ظروف للتطبيع بخاصة ليس مع السعودية. وزن الصهيونية الدينية في تقرير سياسة إسرائيل ازداد دراماتيكيا في ضوء الظروف السياسية المعقدة (وعمليا يلوح سير على خط الحكومة مع اقلية ليس واضحا اذا كانت ستدخل الكنيست القادمة)، والرئيس الأمريكي لا يؤشر، حتى الان، الى معارضة او اهتمام بالموضوع.
في الماضي، بخاصة في عهد بايدن واوباما ساد في القدس قلق من صدام مع واشنطن يؤدي الى فرض قيود على إسرائيل. اما اليوم فالتحدي مضاعف: الضوء الأخضر من واشنطن يسمح لإسرائيل بالاندفاع بكل القوة نحو تنفيذ اهداف موضع خلاف في داخل إسرائيل، ترفضها رفضا باتا بالطبع دول العالم، باستثناء الولايات المتحدة. وهكذا، حتى بدون اجماع، وفي ظل الاعتراف في أن خطوات إسرائيل ستتسبب بعزلة دولية وستمس بعلاقاتها مع الغرب والعالم العربي فانها تستعد لاحتلال واسع في غزة والى ضم في الضفة، الخطوات التي من المتوقع لها أن تغير صورتها لزمن طويل كثيرا الى ما بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض.