يديعوت احرونوت: التسونامي الهاديء

يديعوت احرونوت – ميخائيل ميلشتاين – 24/8/2025 التسونامي الهاديء
ترافق اعلان الوزير سموتريتش الأسبوع الماضي عن إقرار خطط البناء في المنطقة E1 قرب القدس، ترافق بايضاح بان الخطة تشكل “مسمارا آخر في نعش فكرة الدولة الفلسطينية”. وقد أثار الامر صدى محدودا نسبيا في إسرائيل، التي تركز على المعركة في غزة وعدد لا يحصى من الشروخ الداخلية، لكن الساحة الدولية ردت بتنديد حاد للإعلان، تنديدا وقعت عليه أيضا دول صديقة لإسرائيل.
أفعال واقوال كهذه في سياق يهودا والسامرة تضمن للتسونامي السياسي – الذي ستكون ذروته في الجمعة العمومية للأمم المتحدة في أيلول، حين تعزم دول مختلفة لاعتراف واسع بدولة فلسطينية – ليس فقط أن يتحقق، بل سيكون عظيم القوة. دون أن يكون لإسرائيل قدرة على صده. التحدي المركزي ليس للاعلانات الرمزية، بل قيود في مجالات الاقتصاد، وعلاقات العلوم والاكاديميا التي تطل شراراتها منذ الان، وستؤثر على حياة عموم الإسرائيليين. أصحاب القرار يلغون تلقائيا الضغط الدولي المتزايد بحظر دخول وزراء ونواب على عدة دول في الغرب مثلا، باللاسامية وبمظاهر عطف او تسامح تجاه التطرف والإرهاب. كل هذه بالطبع موجودة ولكنها ليست القصة المركزية في التسونامي الحالي الذي ينبع من انعدام توافق عميق واصيل من جانب معظم دول العالم مع السلوك الحالي لإسرائيل في السياق الفلسطيني.
مواطنو إسرائيل أيضا يقفون امام فجوة في الموضوع الفلسطيني ولا يتلقون جوابا واضحا من رئيس الوزراء الذي يراوح بين نهج صقري – مثلا حين يتبنى بحرارة خريطة معلقة على الحائط تعكس “بلاد إسرائيل الموسعة”، التي تتضمن جزءاً من مصر، الاردن، سوريا، لبنان والعراق – وموقف معقد مرقق نسبيا أبداه في زيارته الأخيرة الى واشنطن، حين تحدث (بغموض) عن إمكانية إدارة ذاتية فلسطينية. ان القول بان النقد الدولي ينبع من اللاسامية او من كراهية إسرائيل جاء ليزرع في الإسرائيليين الإحساس بان الهجوم جماعي، ليجمع الناس حول القيادة، وليدافع عن قرارات موضع خلاف في الداخل وعن مواقف تتعارض ومواقف قسم كبير من الشعب.
مثلما في غزة، في يهودا والسامرة أيضا، رؤيا حزب واحد في الائتلاف أصبحت أجندة الحكومة كلها – فيما ليس واضحا ما هو موقف الليكود من الموضوع وكيف يختلف عن موقف سموتريتش. وزير المالية نفسه يدعي منذ بداية الحرب انه نشأت فرصة تاريخية لتغيير DNA الضفة من خلال تكثيف الاستيطان، وان هدفه الوصول الى نقطة لا عودة بحيث أنه لو سقطت حكومة اليمين – فلن يكون ممكنا تنفيذ أي فصل بين الشعبين في المستقبل.
ما يجري الان في يهودا والسامرة يوفر اطلالة لما هو متوقع في غزة: تغيير دراماتيكي للواقع تدفع به قدما اقلية تغلف رؤياها الفكرية بغطاء “استراتيجية واعية” و “تعلم أخطاء 7 أكتوبر”، ويتاح بسبب ظروف سياسية عابثة. كل هذا دون ان يُسأل رأي الإسرائيليين الذين لا يفهمون التداعيات الدراماتيكية المرتقبة على طابع الدولة، علاقاتها مع العالم والحياة اليومية.
وهكذا، من تحت الرادار يتصمم واقع جديد في يهودا والسامرة يقوم على فرضيتين أساسيتين. الأولى هي ان واشنطن ستكون الى الابد الى جانب إسرائيل وستدعمها حتى لو اتخذت خطوات ضم هناك وفي غزة. وهكذا تقلص إسرائيل عمليا مجال المناورة السياسية لديها، في ظل المس بالعلاقة مع دول أساس في الغرب (مثلما يتضح تجاه فرنسا وأستراليا) وبالطبع لا تأخذ بالحسبان التقلبات التي تميز عهد ترامب، وكذا إمكانية ان يتخذ رؤساء يأتون بعده سياسة مختلفة تماما.
الفرضية الأساس الثانية هي أنه لا حاجة لمراعاة الرأي العام العالمي، قول يتماثل مع فكرة “الاغيار لا تراعي”، وبموجبها لا بأس في تحمل الاضرار من جانب الساحة الدولية مقابل تحقيق رؤيا وحدة البلاد. كل هذا، في ظل استخدام مفاهيم توراتية مثل عقيدة يهوشع بن نون او القضاء على عملاق التي لا تنسجم مع القيم الأساس المعروفة لإسرائيل، والتي تثير في العالم الشك بالنسبة للتغيير الذي يجري في طابعها. الأخطر هو السير المتسارع – المدعوم من كثيرين في الحكومة، لكن ليس من اغلبية الشعب التي ليست واعية له – الى واقع الدولة الواحدة، هدف مركزي في خطة الحسم التي نشرها سموتريتش في 2017، وفي اطارها يقوم كيان واحد بين البحر والنهر، وفي شعبان بحجم مشابه لكنهما ذوا مكانة مدنية مختلفة. هذا تهديد للرؤيا الصهيونية: نمط حياة من المواجهة “البلقانية”، عزلة دولية في ضوء وضع الابرتهايد، واساسا – ميزان ديمغرافي هش.
تستقبل التغييرات الدراماتيكية بهدوء غريب من جانب الفلسطينيين، بعيدا جدا عن الردع الاستراتيجية بشأن انتفاضة ثالثة وتفكك السلطة الامر الذي كانت تطرحه محافل الامن في العقد الأخير. ينبع الامر من يأس مزدوج: سواء من إمكانية تسوية سياسية ام من القيادات الفلسطينية. عقب ذلك يتعاظم في يهودا والسامرة، وبخاصة في الجيل الشاب، التأييد لفكرة الدولة الواحدة – شريطة ان تترافق ومواطنة كاملة بما في ذلك حق الاقتراع.
ان محدثي التغيير في يهودا والسامرة وفي غزة يهاجمون بشدة مهندسي أوسلو وفك الارتباط، ضمن أمور أخرى وبدعوى أنهم عملوا بخلاف موقف الشعب ومحقون في أن خطوات في المسائل الإقليمية – موضوع مشحون في المجتمع الإسرائيلي يثير دوما جدالات مريرة – يجب أن تقف امام اختبار الجمهور (الامر الذي كان في نظرة الى الوراء مطلوبا في 1993 وفي 2005). عمليا، من ينتقد سوابق الماضي يفرضون بأنفسهم رؤياهم بدلا من طرح الموضوع على الحسم في استفتاء شعبي أو في انتخابات.
ان اخطار التسونامي بدأ يتحقق منذ الان، لكن ذروته لا تزال امامنا، على ما يبدو في الشهر القادم. في هذه الاثناء ينشأ اخطار خطير بقدر لا يقل يتعلق بالدولة الواحدة – سيناريو تندفع اليه إسرائيل، في ظل ابتلاع هاديء ليهودا والسامرة. الى جانب المطالبة الشرعية بالفهم العميق لما هي الأهداف الاستراتيجية للمعركة في غزة، يجدر بالجمهور ان يطرح أسئلة ثاقبة للقيادة بالنسبة ليهودا والسامرة أيضا – ساحة خلفية هادئة ظاهرا، من شأنها أن تشكل مصدرا لكارثة استراتيجية.