ترجمات عبرية

هارتس: وطني اصبح دولة حقيرة، وانا ما زلت اتمسك بدون قدرة على الانفصال

هآرتس – ايلانا هيمرمان – 1/8/2025 وطني اصبح دولة حقيرة، وانا ما زلت اتمسك بدون قدرة على الانفصال

رحلة “ال عال” من تل ابيب الى برلين كانت مليئة حتى المكان الأخير، امام مكاتب تسجيل بطاقات الصعود الطابور كان يزداد طوله، ومعظم الركاب الإسرائيليين، أزواج، عائلات واولادها، الذين خرجوا كما يبدو للاستجمام. الناس تقدموا حسب النظام، وضعوا جوازات السفر على جهاز المسح وقدموا التذاكر للمضيفات وانضموا الى الكم الضيق الذي يرتبط بباب الطائرة. أيضا الواقفين في هذا الطابور الذي كان يطول، تقدموا بصبر أيضا، وتجمعوا في صفوف منتظمة عند باب الطائرة وتبادلوا الابتسامات مع المضيفات وبعد ذلك تابعوا الطريق نحو الطائرة، الى الممر الضيق جدا بين صفوف المقاعد الثلاثة، على اليمين واليسار، من اجل البحث عن المقاعد المخصصة لهم.

هنا كان اكتظاظ، حقائب يدوية منتفخة، حقائب السفر الصلبة المحشورة بين الساقين والخاصرة، آباء وامهات شباب كانوا خائفين على الاطفال المحمولين على أيديهم خوفا من ان يحشروا، وراقبوا الأولاد الآخرين كي لا يسرعوا اكثر من اللازم في السير. أيضا هنا الركاب لم يدفعوا ولم يتم دفعهم ولم يحاولوا التجاوز، الجميع انتظروا بصبر جلوس من يقفون امامهم في الدور على مقاعدهم، وكان هناك أيضا من عرضوا المساعدة على من يحتاجونها.

بعد ذلك، خلال ساعات الطيران الأربع المتواصلة، لم تكن هناك أي مشاهد على طلبات زائدة أو احتكاك أو فوضى، ولم اجد أي ذريعة لتبرير السمعة التي كانت للمسافرين الإسرائيليين. امامي وورائي وعلى جانبيّ كان هناك ازواج يحملون أطفالهم. بين حين وآخر كان احد الوالدين يستيقظ وهو يحمل رضيع يبكي، لا يهدئه الاحتضان والمداعبة والقبلات، أو الحلمة الزجاجية التي يتم دفعها الى فمه الصغير. الأب، أو الأم، كان يقف في الممر وهو يحمل الطفل بين يديه بصبر غير محدود مرفق بحركة رقص ايقاعية، ثني خفيف للركبتين وانحناءه رشيقة للحوض يمينا ويسارا. يا له من رقص جميل. اما الوالد الذي  كان يبقى جالس كان يستلقي على مقعده براحة. وبين حين وآخر كان يلقي نظرة ودودة الى الزوجة أو الزوج والطفل المشترك.

انا شاهدت هذه الصورة الودودة لعائلات إسرائيلية محبة في بداية الرحلة نحو الحياة العائلية، ولم يسعني الا ان افكر بانه ربما، او على الأرجح حتى وقت قريب، كان هؤلاء الشباب والشابات شركاء في حرب مزقت ودمرت حياة عائلات بالكامل، واصبح هدفها الرئيسي، بل العلني، في هذه الاثناء، ضمان عدم وجود مكان يعود اليه الناجون والمهجرون، وربما كان من بينهم من قتل بسلاحه الخاص أو بالقنابل التي القيت من الجو أو تم تفجيرها من بعيد آباء وامهات في نفس جيلهم وجيل أولادهم.

الصحافي اوري مسغاف كتب “البيانات تتحدث عن 60 ألف قتيل”. وحسب تقديرات مشددة، على الأقل نصفهم ليسوا مخربين، بينهم حوالي 18 ألف طفل. أطفال!، 40 في المئة من المناطق المبنية تم تدميرها، حرثها وتسويتها بالأرض بواسطة القصف من الجو، التفجيرات هندسية، منظومة الجرافات العسكرية والمدنية. هذه ليست اسرائيليتي أو يهوديتي أو دولتي. ليس من اجل ذلك اقيمت هنا بعد الكارثة”، كتب وأضاف. “غيلا غملئيل تنشر الخطط، لكن هنا في غزة لن تقام ريفييرا، بل ستقام يد واسم” (“هآرتس”، 25/7).

هذه السطور قرأتها اثناء تواجدي في برلين. وأنا ما زلت مشوش بين خيارين صعبين، الهجرة أو عدم الهجرة. الامر ليس انني لا اعرف – الوثائق التي يتم الكشف عنها في الاشيف، من بين الوثائق التي ما تزال سرية – انه قبل وقت طويل من تشكيل حكومة بربرية هنا، التي كان هدفها العلني هو قتل واقتلاع وطرد الفلسطينيين من قراهم ومدنهم، كان القادة الكبار الذين ناضلوا على نفس الهدف على راس الهرم العسكري السياسي لإسرائيل. انا اعرف ذلك جيدا. ومع ذلك، تشبثت أيضا خلال سنين وحتى الان بمعرفة انه فقط لأن والدي وجدا مكان للاستقرار هنا في الوقت المناسب، لم يتم قتلهم في أوروبا على يد الالمان. وهكذا تبين أنني ولدت في حيفا وقضيت فيها طفولة وشباب جميل، والعبرية هي اللغة التي احبها واكتبها، وانتقلت للعيش في القدس، التي كانت المدينة المقسمة مع مناظرها الجميلة الطبيعية، وبقيت وطني. مع انني ادركت منذ زمن، على الأقل منذ نهاية الستينيات فصاعدا، ان الحقيقة المرة هي انها ليست وطني وان اسرائيليتها ليست اسرائيليتي ويهوديتها ليست يهوديتي. ما العمل الآن عندما بلغ السيل الزبى، مثلما يقول الشعار الذي اصبح حقيقة، واصبحنا مهاجرين.

يبدو اننا ولدنا لنكون احرار، ومن حصلوا على هذا الترف والقدرة على تحقيقه، الامر الذي تم حرمان منه معظم الناس، لهم الحق الكامل في العيش أينما يريدون. عشرات آلاف الإسرائيليين اختاروا في الفترة الأخيرة ذلك. كثيرون منهم استقروا لسبب ما في عاصمة المانيا، التي منذ الخمسينيات وحتى الآن – كما يقول وزير الخارجية الألماني في مقابلة أجريت معه في الأسبوع الماضي، تؤيد إسرائيل وتزودها بالسلاح على طول الطريق الذي سارت فيه الدولة نحو الهاوية السياسية والأخلاقية التي وصلت اليها الآن. 


مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى