هآرتس: يقوم الجنود بتأمين المسيرات إلى تشوماش، أوقفونا بقنابل الصوت

هآرتس 13-7-2023، إيلانا هيمرمان: يقوم الجنود بتأمين المسيرات إلى تشوماش، أوقفونا بقنابل الصوت
كنا عدة مئات من الإسرائيليين حين توجهنا إلى القرية الفلسطينية (برقة) الواقعة في شمال الضفة الغربية، من أجل الاحتجاج على شرعنة مستوطنة “حومش” والتنكيل اليومي للمستوطنين بسكان القرية. وصلنا في حافلات من أماكن مختلفة في البلاد. عندما كانت قافلة الحافلات على بعد 5 كم من القرية، اقتربت من خلفنا سيارة عسكرية بصافراتها العالية، ولحقت بالحافلات وطوقتها، ثم نزل منها الجنود ومنعوا السائقين من مواصلة السفر.
نزلنا من الحافلات وبدأنا السير مشياً في الشارع الضيق الموصل إلى القرية، نساء ورجالاً وشباباً وشيوخاً، بعضنا في العقد الثامن والتاسع من أعمارنا. قطعنا مسافة طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة عندما ظهرت سيارات عسكرية مرة أخرى وأغلقت الطريق. من كانوا يسيرون في المقدمة انعطفوا عنها إلى الجوانب وساروا في طرق ترابية بين الأشجار والأشواك وحقول الزيتون، وسار وراءهم مئات المشاركين. يصعدون إلى ويهبطون في طرق وعرة. تخلف وراءنا عدد غير قليل ووجدوا صعوبة. ومع ذلك، صمموا وواصلوا السير. عندها سمعنا صوت الانفجارات الأولى للقنابل. وبعد لحظة، اندلعت ألسنة اللهب واندفعت ألسنة الدخان وأحرق الغاز المسيل للدموع العيون والحناجر. حتى الآن، أشعر بالمفاجأة التي أصابتني عندما وقفت ونظرت إلى النار المشتعلة تتصاعد وتنتشر بسرعة بجانبي وخلفي وأمامي.
لكن هذا الوضع لم يكن مناسباً للتحديق والتساؤل. فسرعان ما استيقظت وانسحبت بذعر من بين ألسنة اللهب التي تقدمت نحوي والتي كانت تشق الطريق بسرعة بين الأشواك على سفح التلة. خفتت النار بعيداً عني بنحو مترين- ثلاثة أمتار، وانطفأت مرة واحدة ثم اشتعلت ببطء شعلة أخرى فوقها. “تقدموا، بسرعة”، هكذا حثتنا أصوات من يسيرون في المقدمة، وهنا انفجرت قنبلة أخرى اشتعلت النار من كل الجهات وخبت واشتعل غيرها، وعندما انطفأت خلفت دخاناً كثيفاً يتصاعد منها، وبسرعة اكتست قطع كبيرة من الأراضي باللون الأسود.
قلائل منا وصلوا إلى القرية. معظمنا رجع سيراً على الأقدام ونشق الطريق بين بقايا الحرائق التي ما زالت مشتعلة، وأحزنتنا مشاهد الأضرار الكبيرة التي لحقت بأراضي القرية عقب مجيئنا، وشاهدنا الجنود المسلحين بالبنادق والقنابل الذين أغلقوا الطريق أمام رجال الإطفاء الفلسطينيين الذين تم استدعاؤهم إلى المكان. غير بعيد من هناك على قمة تلة، كان يمكن رؤية أسطح القرميد الحمراء ومنشآت اللهو والتسلية الملونة للأطفال في مستوطنة الشيطان يعرف فقط ما هي هذه المستوطنة الملعونة. “حومش”؟ توسيع سريع لها؟ في نهاية المطاف، ما زالت هذه مدرسة دينية، أليس كذلك؟
ملعونة، نعم. ملعونة هي وكل أخواتها، من جنوب الضفة حتى شمالها. ولكن الملعونة أكثر منها بأضعاف هي دولة إسرائيل التي ترعاها منذ عشرات السنين. دولة، التي من ملجأ وبيت للاجئين اليهود من أوروبا، أصبحت دولة عظمى عسكرية مسلحة وتتسلح بدون توقف بجميع الأدوات المدمرة وأدوات القتل في هذا العصر الحديث، بما في ذلك قوة نووية وقدرة تكنولوجية شيطانية. وبقوتها العظيمة هذه، تدمر حياة الكثيرين على طول السنين، داخلها وخارجها. دولة تحكم قبضتها الحديدية على جيل وراء جيل من أبناء الشعب الفلسطيني الذي يعيش هنا. وتزيد الاكتظاظ والاحمرار بين قراهم ومدنهم بجيوب استيطانية، وتغلق عليهم الطرق بوضع الحواجز وتوطن مواطنيها على أراضيهم، وتسمح لهم بالتسلح والانتظام في مليشيات ومجموعات منفلتة ومتوحشة، وتجعل جيشها يشرف على كل ذلك. جيل متواتر من الجنود الشباب الذين يمتثلون لهذه المهنة بخضوع في البر والبحر والجو، التي أصبحت الآن تحت قيادة سياسية لفاشيين، أصبحت الأمور السابقة هي أيديولوجيتهم العلنية.
الجنود الذين يمارسون هذه المهنة في هذه الأيام شاهدتهم عن قرب في عملهم على سفوح قرية برقة. هؤلاء الذين يدافعون عن المسيرات إلى “حومش” هم الذين أوقفونا بواسطة قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع ونحن في طريقنا نحو القرية للتضامن مع سكانها. وكل سلاحنا كان اللافتات والطبول ومكبرات الصوت. لم نعرض للخطر حياة أحد، ولم يكن هناك سبب لوقفنا. ولكن عنف الجنود أكثر مما استهدف المس بنا؛ فقد استهدف تدمير المزيد من أراضي القرية، التي سبق للمستوطنين أن زرعوا فيها الدمار كل يوم، يقتلعون ويخربون ويهددون والآن يحرقون، على أمل أن يصاب السكان باليأس ويغادروا، مثل سكان قرية عين سامية قبل شهرين تقريباً.
“يجب محو حوارة”، قال وزير يهودي في إسرائيل. في هذه الأثناء، كان هناك المزيد من حوارة. وإحراق البيوت والسيارات أصبح أداة روتينية في يد المستوطنين. هم يخرجون من بيوتهم بدون إزعاج بهدف الانقضاض والتمادي وإحراق أحياء كاملة في قرى الضفة. أمر لا يصدق، يهود ينفذون مذابح برعاية الجيش اليهودي والحكومة اليهودية.
في نفس اليوم الذي شاهدنا فيه الجنود وهم ينفذون مذابح إحراق صغيرة خاصة بهم على سفوح برقة كان يوم جمعة، 7/7، نهاية الأسبوع الذي زرع جنود إسرائيليون آخرون في بدايته دماراً كبيراً من الجو والبر في مخيم جنين للاجئين، وكل البلاد ضجت بتمجيدهم. فجنودنا الشجعان نجحوا في اختراق أزقة “عاصمة الإرهاب” وقتلوا 12 “مسلحاً” وجعلوا الآلاف يهربون. “ستصل يدنا إليهم في كل مكان، أحياء أو أمواتاً”، هكذا تفاخر زعماء الدولة عند كل عملية “كاسرة للتوازن”. هذا هراء لأن آخرين يقومون وسيقومون من تحتهم. لا خيار آخر لهم. فدولة إسرائيل وبحق خلقت لهم جهنم. جهنم التي مع مرور السنين، وهذه سنين كثيرة جداً، حاصرتهم بدون أي فائدة أو أمل. هذه سياستهم، ولا سياسة أخرى لهم.
في فيلم محمود بكري “جنين، جنين” الذي تم تصويره في مخيم جنين للاجئين قبل 21 سنة، قريباً من موعد انتهاء ما سمي عملية “الدرع الواقي” – ومنعه قاضي المحكمة العليا من العرض مرة أخرى وبمصادقة متحمسة للمستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا، في هذا الفيلم يتم مقابلة أشخاص على خلفية مشاهد الدمار في المخيم. قال أحدهم بأنه عند احتلال الضفة في 1967 كان طفل عمره تسع سنوات، لكن الآن في نيسان 2002 أصبح عمره 44 سنة. وعلى مدى هذه السنين، لم يكن لديه “أي يوم واحد جيد، يوم عادي واحد”. لأن “الاحتلال”، قال، “ليس وحدهم الجنود هم الموجودين هنا، لا، بل الاحتلال هو المتنمر والقامع والمتدخل في كل شيء نفعله”. لن تصدق، قال لمجري المقابلة معه، “الشاباك” حتى منعنا من الحصول على رخصة سياقة بعد أن حقق حلمه وتعلم القيادة. وأضاف: “أعيش هنا، هذه أرضي ولا مكان آخر أذهب إليه. اقتلعونا من قبل، اقتلعوا آباءنا. بصراحة، إلى أين تريد منا الذهاب الآن؟”.
في الفيلم شاهدناه يدخل إلى إحدى الخيام الكثيرة التي أقامتها الأمم المتحدة لسكان المخيم الذين هدمت بيوتهم وهو يجر عربة أطفال فيها ابنه، وهو رضيع عمره سنتان تقريباً. “هذا الولد”، قال، “يريد مستقبلاً أفضل من مستقبلي”. ولكنه طلب عبثاً؛ لأن هذا الطفل الذي أصبح عمره الآن 23 سنة، من شبه المؤكد أن واقعه سيئ جداً في هذه الأثناء. أي إذا كان ما يزال على قيد الحياة ولم يقتل. وإذا كان أقام عائلة في مخيم اللاجئين فإن أولاده، الجيل الرابع للجوء والاحتلال، ينتظرهم مستقبل أسود مثل لون سحب الدخان الذي تصاعد أمام ناظري بسبب الحرائق التي أشعلها الجنود في أراضي أبناء شعبه الذين يعيشون جنوباً من هناك.
هذه الكارثة، كارثتهم وكارثتنا، بحاجة إلى احتجاج مضاد للانقلاب النظامي الذي وضعه في مكان رئيسي في أجندته. لأنه هو الذي أوصلنا إلى هذه الأيام الفظيعة، لنكون رعايا لأشخاص مثل بن غفير وسموتريتش، ولحكومة تسعى لسن قوانين تستهدف أولاً وقبل كل شيء تخليد هذه الكارثة المتدحرجة، بشكل قاطع، بروحية خطوطها الرئيسية التي ينص أولها على أنه “للشعب اليهودي حقاً حصرياً غير قابل للاعتراض على كل أرض إسرائيل. ستعمل الحكومة على الاستيطان وستطوره في كل أرض إسرائيل – الجليل، النقب، هضبة الجولان و”يهودا والسامرة”.
عندما مشينا في المسيرة وأوقفنا الجمعة، كنا بالإجمال نحو 400 شخص. كان المتظاهرون السبت عشرات الآلاف، قوة كبيرة. لو شملوا في احتجاجهم الاحتجاج ضد الدكتاتورية العسكرية والمدنية العنيفة ضد ملايين الفلسطينيين لكان يمكن وبحق إحداث تغيير مصيري في المعادلة، الذي تعدّ “ذريعة المعقولية” و”فقرة الاستقواء” وحتى تشكيل لجنة تعيين القضاة، ليست سوى فقرة صغيرة فيها. الهيئات القضائية في إسرائيل لم تمنع فقط التدهور السياسي الذي أدى إلى انتخاب الحكومة الحالية، بل شرعنتها وتواصل شرعنتها مراراً.
لماذا إذاً، أيها المحتجون الشجعان، تكتفون بالاحتجاج ضد تدمير الديمقراطية على يد حكومة كهذه؟ لماذا لا تطالبون بإسقاطها؟ لأنه إذا حدثت تسويات معها – هناك خوف من حدوث ذلك – فستواصل تعزيز الديكتاتورية العسكرية في الضفة الغربية ومهمة التطهير العرقي التي تحدث هناك. نعم، تم انتخاب هذه الحكومة في انتخابات ديمقراطية حرة. ولا إشارة واضحة أكثر من أن الديمقراطية في إسرائيل، إذا كانت وبحق هكذا، بدأت تخرب من الداخل. ربما لن يكون هناك أي إصلاح إذا كان هذا الاحتجاج المدني الأكثر هجوماً وتصميماً في تاريخ الدولة لا يريد إلا إعادة تأسيسها من جديد؛ أي الاستمرار في تغذية هذا الكائن الحي غير الموجود: ديمقراطية مع احتلال، ديمقراطية لليهود فقط.