ترجمات عبرية

هآرتس – يبحث عن الحبوب والفحم ويهاتف الكرملين.. بينيت: سنظل منضبطين

هآرتس ٢٨-٢-٢٠٢٢م – بقلم: عاموس هرئيل

كان لدى إسرائيل إنذار مدته نحو أسبوعين عن عزو روسيا لأوكرانيا. في الوقت الذي شكك فيه وزراء ومحللون وأحياناً رجال استخبارات، بجدية نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتنفيذ تهديداته، كان الأمريكيون حازمين أكثر. في الاتصالات مع نظراء في إسرائيل بمكتب رئيس الحكومة ومجلس الأمن القومي، لم تترك الولايات المتحدة مكاناً للشك، وقالت بأن بوتين جدي. وانتهى التصعيد بغزو.

الإدارة الأمريكية التي اعتمدت على معلومات استخبارية موثوقة، قدمت ثقة كاملة باستنتاجاتها. وثمة أقوال مشابهة في تصريحات علنية للرئيس الأمريكي جو بايدن، وأعدت أذرع المخابرات الأمريكية قائمة بإشارات تدل على ذلك، وتراكمها يزيد اليقين بالغزو، كما أشارت بعلامة “في”. السبت، 12 شباط، بدأت إسرائيل بإعداد الخطط التي بحسبها تم إخلاء الإسرائيليين من أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة. أما الذين لم يخرجوا أو صمموا على تجاهل الدعوات التي اشتدت من وزارة الخارجية، فهم الآن يحتشدون قرب الحدود مع بولندا طالبين النجاة.

في كل ما يتعلق بالحرب نفسها، ستواصل إسرائيل التمسك باستراتيجية السير بين القطرات. رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، تحدث أمس هاتفياً مع الرئيس بوتين. لم ينشر مكتبه أي تفاصيل عن مضمون المحادثة باستثناء مجرد إجرائها. قبل ذلك، في نهاية الأسبوع، تحدث مع رئيس أوكرانيا. وأعلنت إسرائيل عن إرسال إرسالية إنسانية إلى أوكرانيا، ونشر وزير الخارجية يئير لبيد، في الأسبوع الماضي، بيان إدانة لخطوات روسيا التي كلفت محادثة توبيخ لسفير إسرائيل في موسكو. وهذا ما حدث حتى الآن. بالمقارنة مع الدول الأوروبية، تتبع إسرائيل خطاً منضبطاً. وادانتها العلنية تعتبر خفيفة قياساً باللهجة الأوروبية والأمريكية.

  تقول حاشية بينيت إن واشنطن تدرك دوافع إسرائيل، وعلى رأسها الوجود الجوي الروسي في سوريا، لذلك لا يوجد في هذه الأثناء أي ضغط على إسرائيل من جهة إدارة بايدن لإطلاق تصريحات أو القيام بنشاطات حازمة أكثر. ولكن يطرح السؤال الأخلاقي إلى جانب الواقع الاستراتيجي والاعتبارات السياسية. إن تلوّي إسرائيل إزاء انقضاض روسيا العنيف على دولة لم تقم بأي اعتداء مهم ضدها لا يثير التفاخر الكبير.

بينيت، يسجل له، أنه يتطرق على الأقل للحدث خلافاً لسلفه بنيامين نتنياهو، الذي صمت تماماً قبل بضعة أيام. ذلك الشخص الذي علق شعارات ضخمة عليها صوره مع بوتين بعنوان “دوري مختلف” قبل سنتين فقط، ها هو يصمت في هذه المرة. وأتباعه الذين يتجولون في الشبكات الاجتماعية يتراوحون بين تصريحات تأييد للديكتاتور الروسي وبين أغنيات الاشتياق لأبو الأمة، الذي لو كان في منصبه فبالتأكيد كان سيحل السلام بين الصديقتين في شرق أوروبا.

الثمن الاقتصادي

اجتمع “الكابنت” أمس بعد الظهر في القدس لمناقشة الوضع في أوكرانيا. على الأجندة، إلى جانب إخراج الإسرائيليين والتصريحات العلنية، كانت هناك سلسلة من المواضيع الاقتصادية التي قد يكون جزء منها له تداعيات بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي، وضمن ذلك على الاقتصاد الإسرائيلي. روسيا وأوكرانيا هما الدولتان الأكبر لتصدير الطاقة والحبوب للعالم. وتشويش الإنتاج والتصدير في أوروبا، إذا ما حدث، ستشعر به دول كثيرة.

يشكل الفحم نحو 20 في المئة من استهلاك الطاقة في إسرائيل، ومعظمه مستورد من روسيا. استبدال الفحم الروسي بالفحم من جنوب أمريكا، إذا أصبحت هناك حاجة إلى ذلك، قد يخلق لها صعوبات. فالحديث يدور عن سلعة تعتبر ملوثة أكثر وذات جودة أقل وأكثر إضراراً بالأجهزة التي تستخدمها، ولا نريد الحديث عن زيادة المسافة في النقل البحري. مؤخراً يتم أيضاً فحص مخزون الطوارئ للحبوب داخل إسرائيل لتأكيد الاستعداد لوضع حدوث صعوبات في التزويد.

وثمة صعوبة أخرى تتعلق بالعقوبات التي ستخرج روسيا من المنظومة البنكية الدولية، السويفت. وسيكون لهذا تأثير على شركات إسرائيلية كثيرة تدير أعمالاً مع روسيا. وهناك بالطبع مجموعة أرباب المال الكبار اليهود، المقربة من بوتين، والتي يحمل كثير من أعضائها الجنسية الإسرائيلية ويميلون إلى المجيء والمكوث في البلاد عندما تحولت دول غرب أوروبا بالنسبة لهم إلى مستضيفة أقل وداً.

الرد السائد في المستوى السياسي وجهاز الأمن داخل إسرائيل بخصوص تطور المعارك على الأرض في أوكرانيا، أمر “سابق لأوانه”. ما زالت الحرب في أيامها الأولى والتنبؤات القاطعة في تويتر تسبق الخطوات التي على الأرض. مع ذلك، يتفاجأ الجيش الإسرائيلي من النتائج المحدودة التي حققها الروس حتى الآن في مجالين كان يمكن أن يكونا على رأس اهتماماتهم: تحقيق تفوق جوي فوري، واستخدام حرب مركبة من الحرب النفسية والإعلامية.

في الأيام الأولى برز الاستخدام الأوكراني للمنظومات المضادة للطائرات. في حين أن رئيس أوكرانيا زيلينسكي، المؤهل في الساحة الإعلامية، نجح في الحفاظ بنفسه على قنوات بث مفتوحة والحصول على دعم عالمي واسع. الأمر الثاني ربما لا يعتبر إنجازاً مؤثراً، إذا ما أخذنا في الحسبان شخصية العدو. باستثناء الرئيس السوري، بشار الأسد، وبعض بقايا الحزب الشيوعي في إسرائيل، فإن بوتين لا يحظى بأي مظاهر للتأييد.

وزارة الدفاع البريطانية، المراقب الحذر والمجرب، تنشر مؤخراً عن صعوبات تواجهها روسيا في التقدم على أراضي أوكرانيا وعلى محاور في المنظومة اللوجستية، التي قيل فيها غالباً بأن نجاحها هو ما يحسم مصير الحروب. تلعثم روسيا على الأرض، إذا كان يحدث فعلاً، ستنظر إليه إسرائيل باستغراب. في السنوات الأخيرة، تحدث ضباط في الجيش الإسرائيلي، وربما بتقدير مبالغ فيه، عن التحديثات المهنية التي جلبها الروس معهم إلى ساحة الحرب الحديثة.

نحترم هؤلاء، لكن عند شن حرب كهذه فهناك حاجة إلى إعداد القوات والتأكد من أن لديهم دافعية للقتال، وأنهم يعرفون أعمالهم. بعض الأسرى الروس، الذين تم تصويرهم في أفلام فيديو نشرها الأوكرانيون بمهنية في الإنترنت، قالوا لمن أسروهم بأنهم اعتقدوا بأنهم يشاركون في تمرين ولم يعرفوا بحدوث غزو حقيقي.

حتى الآن، من السابق لأوانه تأبين القوة العسكرية الروسية. يسود على أرض المعركة ضباب حربي، ويتم نشر الكثير من المعلومات المضللة عنها. وحتى الآن، الروس موجودون على هوامش المدن في شمال أوكرانيا، وتشاهد في الشوارع التي يجري فيها القتال قوات كوماندو روسية وإلى جانبها سيارات مصفحة قليلة جداً.

المعارك التي تحدث في منطقة مأهولة قد تستمر أشهراً، كما تعلمت قوات الجيش العراقي التي استعانت بمساعدة غربية في القتال أمام رجال “داعش” في مدينة الموصل قبل بضع سنوات. هناك احتمالية معقولة بأن بوتين سيقرر، إزاء المقاومة على الأرض والتأييد الدولي الواسع لأوكرانيا، تحديد زيادة القوة التي تستخدمها روسيا لكسر معنويات المقاومة المحلية. وهذا قد يؤدي إلى سفك الكثير من الدماء من الطرفين. ستكون المواجهة كما يبدو وحشية وقاتلة، وقد تتطور فيما بعد إلى حرب عصابات داخل المدن، والتي ستتدهور إلى حرب استنزاف.

هناك نقطة أخرى للنهاية. فالمقارنة التي تسمع مؤخراً بين الغزو الروسي لأوكرانيا وبين الحروب الأخيرة التي شنتها إسرائيل في لبنان وفي قطاع غزة، هي مقارنة يائسة، ولا أساس لها، وغبية؛ أولاً، الغزو الروسي لم تسبقه صليات صواريخ من أوكرانيا على السكان المدنيين (أو في السابق، إرسال مخربين انتحاريين). ثانياً، ليس هناك تشابه بين خطورة العنف الذي استخدمته إسرائيل في حروبها، ضمن ذلك المس بالمدنيين، وبين القوة الوحشية التي استخدمتها روسيا. ومن يشكك بذلك ندعوه إلى قراءة التقارير الصحافية عن الدمار الذي تركه خلفه سلاح جو بوتين في قصفه القاتل أثناء الحرب الأهلية في روسيا.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى